كتاب > الكتب الأدبية والفكرية

مراجعة كتاب (الحروب الصليبية كما رأها العرب): 196 عامًا من الحج المُسلّح

يسردُ الكاتب (صاحب رواية سمرقند) بأسلوبٍ شيّقٍ، تاريخ حقبةٍ هامّةٍ نَجهلُ الكثيرَ عنها، منتقلًا برشاقةٍ أدبيّة من حدثٍ إلى حدث ومن فترةٍ زمنيّة إلى أخرى، كاسراً جمود التاّريخ، بأسلوبه الروائي جاعلاً القارئ يعيشُ تفاصيل الحكاية، ليجدَ نَفسهُ مُحاصرًا داخل قلعةٍ تارةً، وعائدًا مكلّلًا بالنّصر تارةً أخرى.

يَستعرضُ الكتاب فُصولَ هذه الحروب وما تخلّلها من تحالفاتٍ وانقساماتٍ وانقلاباتٍ عسكريّة بين الأخوة الأعداء في ستّة أقسام، تبدأ مع وصولِ الغُزاة إلى سواحلِ تركيا وهزيمتهم الأولى على يد الملك الشاب "داوود بن سليمان"، ثم عودتهم بقوّةٍ أكبر واحتلالهم لأنطاكية بمساعدةٍ من داخل المدينة، وارتكابهم لمجازر مُروّعة كما حدث في منطقة المعرّة تحديدًا، بالتزامن مع تأخر وصول الإغاثة من حلب ودمشق والموصل على خلفيّة النزاعات السُلطوية التي ستُرافقنا في كل فصولِ الكتاب تقريبًا.

ويُشير الكاتب في هذا السياق إلى أن تلك الحِقبة جاءت في وقتٍ لم يكن فيهِ للعرب من سلطةٍ أو دورٍ مهم في تقرير مصير الشعوب ومسار الحرب، فقد كان السّلاجقةُ يَقبضون على الحُكم ويتناوب أمراءٌ أتراك وتركمان وفرس باستلام زمام الأمور والحل والعقد، وانتقلت هذه الصلاحيّات للأكراد إلى أن انتهت الأمورُ بيد المماليك.

في القسم الثاني من الكتاب، تَهبُّ رياحُ التغيير، فيتفرّق الثلاثي الذي يقود حملة الفرنجة، بين قتيل في عكا، أسير في الأناضول وعائدٍ إلى القسطنطينية، ونَتعرّفُ على محاولةِ حاكمِ دمشق السلجوقي، اغتنام الفرصة لتوجيهِ ضربةٍ قاضية للفرنج ودور التآمر الداخلي في إفشال المخطط.

وتطلّ علينا بوادر انفراجٍ على العرب، كما حدث عند انتصارِ مقاومة مدينتي عسقلان وصور، وانعكاس هذهِ الإنتصارات على حلب واندلاع ثورةٍ شعبيّة، انتهت بانتصارٍ على الفرنجة في أنطاكية. بعد ذلك يبرزُ نجمُ "عماد الدين زنكي" الذي أخمدَ ثورةَ العرب على الحُكم التركي في بغداد، فكوفئ بأن أصبح والياً على حلب والموصل، وسيلعبُ إنقاذ ضابطٍ كردي لحياة الزّنكي في معركةٍ كانت تَدورُ رحاها بينهُ وبين العرب نقطةَ تحوّلٍ كبيرة، سيَظهرُ من خلالها أحد أشهر الشخصيّات التاريخية عند العرب والمسلمين وهو "صلاح الدين".

ثم يَنتقل بنا الكاتبُ إلى الحِقبة التي وُحّدت خلالها حلب ودمشق في كنفِ دولةٍ واحدة، أخذت تتجهّزُ لمواجهة الفرنجة في عهد "نورالدين زنكي"، وحادثةِ الزلزال المُدمّر الذي فَتكَ بالعرب والفرنجة على حدٍ سواء، وما تلاهُ من جمودٍ عسكريٍّ وسياسيٍ في منطقةِ الشام، ليَنتقل مسرحُ الأحداث لمصر.

ويَتطرّقُ الكتاب بالتفصيل لرِحلةِ صلاح الدين الأيوبي "يوسف بن أيوب"، والتي بَدأت بحربٍ على مصر وقتلِ وزيرها الأول، ثم توّلي "الملك الناصر" حُكمَ مصر، وبدء نُشوب شقاقٍ بينه وبين نورالدين زنكي، لتُحاك المؤامرات ضِدّهُ بعد وفاةِ "نورالدين"، ويُطرح التحالف مع الفرنجة ضدّه بشكلٍ صريح، ليُعلن "صلاح الدين" الحرب على الشام.

وسنتعرّف كيف أصبحت مصر والشام دولةً واحدة بالمعنى الحرفيّ للكلمة يَحكُمها الأيوبيّ، والهُدنة التي عقدها مع الفرنجة، والتي كان لِخرقها من قبل الغربييّن، الدورَ الرئيسيّ في انطلاق "الأيوّبي" بحملةٍ لدَحرِهم، حيث تُوّجت بدخول بيت المقدس. إلّا أنّ تأرجحَ تاريخ المنطِقة سَيستمرُّ في باقي الفُصول، بين انتصارٍ وهزيمةٍ وخيانة، وتَنتقل القدس بعد هذا الحدثِ التّاريخيّ من يدٍ إلى يد، بِحسبِ أهواء الخلفاء وطموحاتهم السياسية من جهة، وعودة الفرنجة لمحاولات "الحج المسلّح" للمنقطة من جهة أخرى، ويَمرٌّ بنا التاريخ في أفول نجم الأيوبيين، والغزو المغولي ووصول المماليك للحكم، إلى أن ينتهي بنا الكتاب إلى قَسَمِ "السلطان قلاوون"، وقيادة ابنه خليل حملة المماليك حتى وفى بعهد والده ومغادرة آخر الفرنجة للعالم العربي عام 1291 م.

نُشِرَ هذا الكتاب باللغة الفرنسيّة عام 1983، قبل أن يُترجم إلى عدّة لغات من بينها العربية، حيث أراد أمين معلوف من هذا العمَل أن يسلّط الضوء على حقيقة هذه الحقبة للعالمَين الغربي والعربي على حدٍ سواء، لما تُشكّله من مرجعٍ رئيسي في كافّة الصُّعد ولاسيّما السياسيّة والاجتماعيّة والفكريّة منها، ولعلّنا نجد في التّاريخِ عبرة.

معلومات الكتاب:

إسم الكتاب: الحروب الصليبية كما رآها العرب

المؤلف: أمين معلوف

ترجمة: عفيف دمشقيّة

الناشر: دار الفارابي - لبنان

يقع الكتاب في 352 صفحة من القطع المتوسط