البيولوجيا والتطوّر > منوعات بيولوجية

قناعاتك السياسية ليست راسخة كما تعتقد| هل يمكن تبديل القناعات السياسية بواسطة تحفيز الدماغ؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

لطالما وُصِفت الأيديولوجيا بأنَّها قوة تحفيزٍ فعَّالة، وتعتمد السياسة المعاصرة على وجود الأحزاب والتي تعمل على استقطابِ الأفرادِ تبعاً لأيديولوجياتٍ مختلفة. وبشكلٍ عام، فإنَّ معظمَ البشرِ ليس لديهم تصورٌ واضحٌ عن مدى جهلِهم بآلية صُنع القرار الخاصة بهم، خصوصاً فيما يخص انتمائاتهم السياسية؛ على فرض أنَّ أغلب البشر قادرون على اختيار توجُّهٍ سياسيٍّ أو آخر. مؤخراً، تم عَزو نوعيةِ ودرجةِ القناعات السياسية لوظيفة الأيديولوجيا العاملةِ على تخفيضِ الشك؛ يعني ذلك أنَّ الأيديولوجيا مُحفِّزةً للبشر، ليس بسبب تحقيقها لإشباعٍ عاطفيٍّ أو عقلي، بل لدورِها في مواجهة مشاعرِ القلقِ والشك، محققة شعوراً بالأمان الوجوديِّ لدى مُتَبعيها.

وقد أظهرت العديد من الدراسات أنَّ دعم الشخص المتواصل لأيديولوجيا سياسيةٍ معينةٍ يرتبطُ مع نشاطٍ في مناطقَ من القشرةِ الأماميةPrefrontal Cortex .

وقد تناولنا في مقالٍ سابقٍ دورَ التحفيز المغناطيسي للدماغ في تغيير بعض المعتقدات والمفاهيم لدى البشر (يمكنكم الإطلاع على المقال هنا)

- في هذا المقال سنقدِّم لكم شرحاً مختصراً لإحدى هذه الدراسات وأهم نتائجها:

هدف الدراسة: تقديمُ دليلٍ على مساهمةِ منطقة من قشرةِ الدماغِ معروفة بـالقشرة خلف الجبهية الجانبية الظهرية (اختصاراً DLPFC) في تبديل الاعتقادات السياسية. وبشكلٍ أدق، فقد افترض الباحثون أنَّ تفعيل الـDPLFC بتحفيزٍ دماغيٍّ غيرَ جراحيٍّ قد يسهل تبديل الاعتقاد إذا تمَّ تعريض المشاركين لحملاتٍ سياسيةٍ متوافقةٍ مع اعتقادهم الأولي أثناء التحفيز.

للتحسين من مستوى نشاط الDPLFC، تم تقديمُ تحفيزٍ ضجيجيٍّ عشوائيٍّ عابرٍ للقحفِ (اختصاراً يسمى tRNS)، حيث ظهر أنَّه يستطيع زيادة تحفيزِ القشرةِ عبر تقديم تيارٍ ثنائي الاتجاه عشوائي التذبذب، والأهمية الرئيسية لذلك هي في قدرتها على تجنب آليات الحفاظ على التوازن العصبية، أوالاستقطاب الزائد.

طرق البحث:

المشاركون: اشترك 36 طالباً جامعياً أعمارهم تتراوح بين 20-30 في هذه الدراسة. لم يكن لدى المشاركين أيَّ فكرةٍ عن هدف الدراسة أوعن وظيفة الtRNS. وقد تم اختيارهم بناءً على التوزيع الديموغرافي حيث اشتُرِط أن يكونوا كلهم قد عاشو في بلد البحث (بريطانيا) في الأعوام الثلاثة الأخيرة.

تصميم التجربة: تم تقسيمُ المشاركين إلى أربع مجموعات، وتم تعريض مجموعتين لشروط التجربة متضمنة التعرض ل tRNS، ومجموعتين تم تعريضهما لتحفيزٍ زائفٍ غير فعَّال. ثم قُسِّمت كل مجموعة بحسب التوجُّه السياسي للفيديو الذي سيشاهدونه خلال التجربة، فأصبح التقسيم كالتالي:

- مجموعةٌ خاضعةٌ لتحفيزٍ حقيقيٍّ تشاهدُ فيديو لحزبِ المحافظين

- مجموعةٌ خاضعةٌ لتحفيزٍ حقيقيٍّ تشاهدُ فيديو لحزبِ الليبراليين

- مجموعةٌ خاضعةٌ لتحفيزٍ زائفٍ تشاهدُ فيديو لحزبِ المحافظين

- مجموعةٌ خاضعةٌ لتحفيزٍ زائفٍ تشاهدُ فيديو لحزبِ الليبراليين

ومن ثم تمَّ حساب التغير الحاصل في التوجه السياسي لدى الأفراد في هذه المجموعات.

بداية تم تطبيق tRNS على جانبيّ منطقة الـDPLFC أثناء مشاهدة المشاركين لحملاتٍ انتخابيةٍ لحزبِ المحافظين أوالليبراليين. في حالة المجموعات الخاضعة للتحفيز الزائف، تم تطبيق تحفيزٍ غير فعَّالٍ أثناء مشاهدة أفرادها لحملة أحد الحزبين.

تم البدء بتطبيق تحفيز الtRNS مع بدء فيديو الحملة الانتخابية (الذي تبلغ مدته حوالي 4 دقائق ونصف). وبعد ذلك، استغرق المشاركون 6-8 دقائق لإكمال اختبار الذاكرة، واستطلاع لآرائهم السياسية بعدالاختبار، وقد ظهر أنَّ الـtRNS يُحفِّز نشاط القشرة لمدة أطول من الوقت بالنسبة للحالة الطبيعية، إذ أدت 10 دقائق من tRNS لتحفيز زيادةٍ في ذروة النشاط الميكانيكي الإلكتروني (MEP) لحوالي 40 دقيقة بعد التحفيز. وحيث أنَّ التجربة بكاملها استغرقت 10-15 دقيقة، فإنَّ القدرة على تحفيز الDLPFC كانت ضمن فترة الآثار التالية للtRNS بشكلٍ جيد.

تم تحقيق التحفيز الزائف (لمجموعة الشاهد) عبر بدء تحفيزٍ حقيقي، ومن ثم إيقافه بعد 20 ثانية فقط، وقد تبين أنَّ المشاركين غير قادرين على التمييز بين التحفيز الزائف والحقيقي.

النتائج:

تُظهر النتائجُ تأثيراً رئيسياً في المجموعة المُحفزة كتغييرٍ تالٍ في الآراء السياسية، وكان هذا التغييرُ أكبرَ في المجموعة المُحفَّزة بالـtRNS من المجموعة التي تم تحفيزها بشكلٍ زائف. وقد استمر هذا التأثير بغض النظر عن الحملات السياسية التي شاهدها المشاركون.

على أي حال، عندما تم تجاهل نمط التحفيز، لم يظهر أنَّ نمط الحملة الانتخابية (محافظة أو ليبرالية) له دورٌ في تغيير الآراء السياسية بعد الاختبار. مما دل أنَّ فيديو الحملة الانتخابية الذي تم تعريض المشاركين له ليس له أثر في تغيير آرائهم السياسية.

وبعكس الفرضية المقترحة، لم تُظهر النتائج أي علاقةٍ ملحوظةٍ بين الحملة الانتخابية ونمط التحفيز. وتقترح هذه النتيجة أنَّ أثر التحفيز في تغيير الرأي السياسي لم يُسهِّل تغيير القناعات كنتيجةٍ لمشاهدة الحملات الانتخابية بحدِّ ذاتِها، بل كنتيجةٍ للتحفيز الدماغي الذي تم تعريضهم له. أولئك في مجموعات الtRNS ظهرت لديهم نتائج تدل على توجُّهٍ أكبر نحو أيديولوجيا المحافظين بغض النظر عن نوع فيديو الحملة الذي شاهدوه. أي أن النتائج تظهر تحولاً ملحوظاً تجاه أيديولوجيا المحافظين بعد التعرض لتحفيز tRNS بغض النظر عن الحملات الانتخابية المعروضة.

تُظهر هذه النتائج دوراً محورياً للـ DPLFC في تشكيل القناعات السياسية. وتطرح نتائج هذه الدراسة أسئلة عن موثوقية النماذج الحالية للتحكم بالوعي والخيارات السياسية المدروسة والتي تغلب حالياً على نظريات صنع القرار في علوم السياسة. يَظهرُ أنَّ القناعات السياسية المتجذِّرة مُعرَّضة للتأثر بشكلٍ مثيرٍ للدهشة للتبدلات التي تحصُل في العمليات العصبية التنظيمية، وهذا التبديل يملك القدرة على تبديل القناعات السياسية. على أي حال، فإنَّ قدرة التحفيز غير الجراحيِّ على تبديل شكل القناعة يشهد على عدم ثباتية الدُعُم السياسية وعلى التأثير الكبير لإنقاص الشك في تشكيل توجهات المجتمعات السياسية.

المصادر:

هنا