الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

التلوث النووي... كيف نخفض 90% منه؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

إنَّ أيَّ نشاطٍ يُنتِجُ أو يستخدمُ مواداً مُشعّةً يوَلّدُ نفاياتٍ مُشعّةً، التعدين وتوليد الطاقةِ النوويّةِ، الوقودُ النوويّ المُستنفَد من المفاعلات النوويّة، المُخلّفات الناتجة عن مصانع اليورانيوم والمناجم وطحن خام اليورانيوم، كما أنّ العمليّات المختلفة في الصناعة، الدفاع، الطب، والبحث العلميّ تنتجُ منتجاتٍ ثانويّةً تحتوي على نفاياتٍ مُشعّةٍ. إنّ مستوى النشاطِ الإشعاعيّ لهذه النفايات متفاوتٌ، فيمكن للنفايات أن تحافظ على نشاطها الإشعاعيّ لبضع ساعاتٍ أو لعدّة أشهرٍ أو حتّى لمئاتِ آلافِ السنين، ولأنّها يمكن أن تكون خطيرةً جداً ونشِطةً إشعاعيّاً لفتراتٍ طويلةٍ فإنّ إيجادَ الطريقةِ المناسبة للتخلّص منها سيكون صعباً وضروريّاً لضمان حماية الصحّةِ والسلامةِ العامّة والبيئة بما في ذلك الهواء والتربة ومصادر المياه.

بعض العناصر، مثل البلوتونيوم، المتواجد بشكلٍ أساسيِّ في النفايات عالية المستوى الإشعاعيّ، والناتج عن الوقود المُستنفَد في المفاعلات النوويّة، يُعتبر من العناصر ذات النشاط الإشعاعيّ المرتفع والذي يستمرُّ نشاطُه الإشعاعيّ لآلافِ السنين. وبالتالي فإنّ التخلُّصَ الآمنَ من النّفايات الحاوية عليه هو من المواضيع البيئيّة الأكثرَ إثارةً للجدل والّتي تواجه الدول المتضرّرة. إنّ تخزينَ النّفايات المشعّة يتمّ عادةً بخلط النفايات مع الإسمنت ووضعها ضمن براميل محكمة الإغلاق من الفولاذ، تمهيداً للتخلّص منها في أعماق الأرض، وهي طريقةٌ مكلفةٌ جدّاً كما أنّها تزيد الحجمَ الكلّيّ للنفايات المراد التخلّص منها، لذلك قام باحثون في جامعة شيفيلد البريطانيّة بتطوير تقنيّةٍ جديدةٍ نُشرت في مجلة المواد النووية (Journal Of Nuclear Materials)، من شأنها تخفيضُ نسبةِ حجم النّفايات المشعّة بحوالي (80-95)% وذلك عبر خلط النفايات الملوّثة بالبلوتونيوم مع حبيبات خبث الفرن الناتج من صناعة الحديد والفولاذ، والنتيجةُ هي زجاجٌ يؤدّي إلى استقرار البلوتونيوم ليُخَزَّن بأمانٍ، وهذا ما يُسمّى بعمليّة التزجيج. إنّ الحجمَ الكُلّيَّ للنفايات الملوّثة بالبلوتونيوم في المملكة المتحدة يمكن أن يصلَ إلى أكثر من 31 ألف متر مكعّب، وهو ما يكفي لملء برج الساعة (Big Ben) سبعَ مرّات، لكنّ استخدام هذه التقنيّة من شأنه أن يقلّل حجم تلك النفايات لتملأ البرج مرّة واحدة فقط.

استخدم الباحثون لاختبار هذه الطريقة السيريوم بدلاً من البلوتونيوم، حيث أنّ المعدنَين يعملان على نحوٍ متماثلِ، ويُعدّ السيريوم بديلاً آمناً لاستخدامه أثناء تجربة هذه التقنيّة. وقد تمّ إضافة ثلاثةِ أجزاءٍ من السيريوم مقابل جزءٍ واحدٍ من خبث الفرن وعُرّضت لحرارةٍ تصل إلى أكثر من 1500 درجة مئوية (2732 درجة فهرنهايت) ثمّ تمّ تبريدها في درجة حرارة الغرفة، ليَنتُج عنها سيليكات الزجاج الأسود الّتي يمكن أن تُخزِّن البلوتونيوم بشكلٍ آمن.

يَنتجُ عن هذه العمليّة منتجٌ نهائيٌّ مستقرٌّ، لأنّ المعالجة الحراريّة تدمّر جميع المواد العضويّة والبلاستيكيّة في النفايات وهو أمرٌ إيجابيّ لأنّه من الصعب التوقّع كيف سيؤثّر تحلّل البلاستيك والمواد العضويّة على حركة البلوتونيوم عند دفنه تحت الأرض. عمليّة الذوبان لا ينتج عنها تفاعلٌ شديدٌ وحجم المنتجات الزجاجيّة يشكّل فقط (5-20)% من حجم المواد الأوّليّة الداخلة في التفاعل، ولأنّ العمليّة تحدث بخطواتٍ قليلةٍ فكان من الممكن استخدامُ هذه التقنيّة في تنظيف ما نتج من نفاياتٍ نوويّةٍ في محطّة الطاقة النوويّة فوكوشيما الّتي تضرّرت نتيجة التسونامي الّذي ضرب اليابان في عام 2011.

في جميع أنحاء العالم، يتمّ توليد أكثر من 200 ألف متر مكعّب من النفايات المشعّة من العمليّات النوويّة كلَّ عام. إنّ تحويلَها إلى زجاجٍ يمكن دفنُه بأمانٍ سوف يُقلّل كثيراً من تكاليف التخلُّص منها، ولأنّ هذا الأسلوب أكثر أماناً فإنّه يخفّف القلق العالميّ حول عمليّات التخلّص من النفايات المشعّة عن طريق دفنها.

ويعمل الباحثون على شرحٍ أمثل واسع النطاق لهذه العمليّة، وعلى استخدام البلوتونيوم في تجارب أخرى على نطاق صغير.

وبما أنّ البحث قد نُشِر قبل مدّةٍ ليست بالقليلة قمنا بمراسلة الجامعة للاستفسار عن أيّ مستجداّتٍ فكان الردّ بأنّه لا توجدُ أيّ تحديثاتٍ على هذه التقنية حتى اللحظة.

المصادر:

Hyatt N. C.، Schwarz R. R.، Bingham P. A.، Stennett M. C.، Corkhill C. L.، Heath P. G.، Hand R. J.، James M.، Pearson A. and Morgan S. (2014). Thermal treatment of simulant plutonium contaminated materials from the Sellafield site by vitrification in a blast-furnace slag. Journal of Nuclear Materials، 444(1–3): 186-199. هنا

هنا

هنا

هنا