البيولوجيا والتطوّر > منوعات بيولوجية

المورثات وعلاقتها بحب الأطفال للتعلم

لطالما كانتِ التساؤلاتُ حولَ موضوعِ التعلمِّ محطَّ جدلٍ كبير، لماذا التفاوتُ بينَ الأطفالِ في حبِّ التعلم؟ لماذا البعضُ متحفِّزٌ دائماً لأخذِ العلمِ وبعضٌ آخرٌ لا يكادُ يطيقُ سماعَ كلمةِ "المدرسة"؟

هذهِ التساؤلاتُ وغيرُها كانتْ موضوعاً لدراسةٍ ضخمةٍ شاركَ فيها أكثر من 25 باحثٍ برئاسةِ "يوليا كوفاز" أُستاذةُ علمِ النفسِ في جامعةِ غولد سمث بلندن. أُجريتِ الدراسةُ على 13 ألفَ منَ التوائمِ (المتطابقين وغير المتطابقين*) وجميعهم منَ الطلابِّ الذينَ تتراوحُ أعمارهم بينَ التاسعةِ والسادسةِ عشرة، مُوَزَّعينَ على بريطانيا، وكندا، واليابان، وألمانيا، وروسيا، والولاياتِ المتحدةِ الأمريكيّة.

قامَ الباحثونَ بالدراسةِ من خلالِ استبياناتٍ أعطوها لجميعِ الطلابِ في كلِّ تلكَ الدولِ ليوضحَّ الطلابُ فيها مدى استمتاعهم بنشاطاتٍ أكاديميّةٍ مختلفة، حيثُ سُئلَ الطلابُّ في جميعِ الدولِ أن يُقيّموا قدراتهم في مختلفِ الموادِ الدراسيّة، مثلاً؛ كانَ مما طُلِبَ من الطلابِ في ألمانيا أن يُقيّموا مدى حبّهم للقراءةِ والكتابةِ والتهجئة، كما سُئلَ الطّلابُ في أمريكا أن يُقيّموا مدى موافقتهم على الجملةِ التالية: "أعلمُ أنّني سأنجحُ في مادّةِ القراءةِ السنةَ القادمة"، ورغمَ أنَّ الأسئلةَ والمنهجيّةَ المتبعةَ في كلِّ دولةٍ تباينتْ بشكلٍ طفيفٍ، لكنّها جميعاً تمحورتْ حولَ نفسِ المفاهيمِ والأفكار.

قارنَ الباحثونَ مدى تقاربِ الإجاباتِ بالنسبةِ للتوائمِ غيرِ المتطابقين (الذينَ يتشاركونَ بنصفِ الحقيبةِ الجينيّةِ في المتوسط) بالتوائمِ المتطابقين (الذين يتشاركونَ بكاملِ الحقيبةِ الجينيّة)، وقدْ وَجدوا أنّ إجاباتِ التوائمِ المتطابقين تشابهتْ بشكلٍ أكبرَ من إجاباتِ التوائمِ غيرِ المتطابقين، وقد تشابهتْ هذهِ النتائجُ على نحوٍ مدهشٍ في الدولِ الستّةِ وفي جميعِ الأعمار، وهذا بالتالي يقترحُ وجودَ عاملٍ وتأثيرٍ جينيٍّ قوي، وباكتمالِ الدراسةِ تبينَ للعلماءِ أنَّ 40-50% من أسبابِ فروقاتِ التحفُّزِ بينَ التوائمِ هي أسبابٌ يمكنُ تفسيرها على أنّها وراثية، و"البيئةُ غيرُ المشتركةِ للتوائمِ" أيضاً (كاختلافِ أساليبِ التربيةِ أو المعلميّنَ في المدارسِ...إلخ) مَسؤولةٌ عن نسبةٍ مماثلةٍ من أسبابِ الاختلاف (40-50%)، أمّا عن البيئةِ المشتركةِ للتوائم (كعيشهم في عائلةٍ واحدةٍ) فهيَ لا تفسّرُ أكثرَ من 3 % من تلكَ الاختلافات، مِمَّا يقترحُ بقوّةٍ أنَّ علينا أن نُفكّرَ جيّداً قبلَ أن نُلقي باللومِ على كاهلِ الأهلِ والمعلّمينَ أو حتّى الطلّابِ أنفسهم إن كانوا غير متحفّزينَ أو متحمّسينَ للتعلّمِ داخلَ الفصولِ الدراسيّة.

ستيفين بيترل، أحدُ العلماءِ المساهمينَ في البحثِ وأستاذُ علمِ النفسِ في جامعةِ أوهايو بأمريكا، كانَ يظنُّ قبلَ هذهِ الدراسةِ أنَّ البيئةَ المشتركةَ للتوائمِ كوجودِ الأهلِ والمعلميّنَ لها التأثير الأكبرُ على مدى تحفّزِ الأطفالِ للتعلّمِ أكثرَ من أيّةِ عواملَ جينيّةٍ أُخرى، وقد تفاجأَ بنتائجِ البحثِ التي أظهرتِ العكسَ تماماً، حيثُ تبيّنَ أنَّ للعواملِ الجينيّةِ والعواملِ الأخرى غير المرتبطةِ بالوسطِ المحيطِ بالأولادِ التأثيرَ الأكبرَ في مَدى تَحفّزهم للتعلّم، في حينِ كانَ لعاملِ البيئةِ المشتركةِ آثارٌ طفيفةٌ لا تكادُ تذكر.

يُوضّحُ الأستاذُ بيترل قائلاً: "مُعظمُ الاختلافاتِ في أنماطِ الشخصيّةِ لها عواملٌ جينيّة، لكنْ أن يكونَ لها ارتباطٌ شبهُ معدومٍ بالوسطِ المحيطِ فهوَ شيءٌ لم يكن مُتوقّعاً بتاتاً! الانطباعُ السائدُ أو التفسيرُ التلقائيُّ في مثلِ هذهِ الحالاتِ هو القولُ بوجودِ خللٍ في عمليّةِ تحفيزِ الطالبِ، أكانَ منَ الأهلِ أو المعلّم، أو أنَّ المشكلةَ هيَ من الطالبِ نفسهِ وبالتالي هوَ المسؤول، لكنّا وجدنا أنَّ هناكَ فروقاتٍ في أنواعِ الشخصيّةِ تنتقلُ للأشخاصِ عبر الوراثةِ ويكونُ لها تأثيرٌ كبيرٌ في مدى تحفّزهم للتعلّم. هذا لا يعني أن نتوقفَ عن محاولةِ تشجيعِ وتحفيزِ الطلّاب، لكن علينا أن نُدركَ حقيقةَ وجودِ هذهِ الاختلافات."

وذَكَرَ بيترل أنَّ هذهِ النتائج لا تعني أنّ هناكَ جيناً يُحدّدُ مدى استمتاعِ الطلابِ بالتعلّم، بلْ إنّ النتائجَ تقترحُ وجودَ عمليّةٍ معقّدةٍ تشملُ تفاعلَ الكثيرِ من الجيناتِ مع بعضها البعضِ ومع الوسطِ المحيطِ بها، وهذا بدورهِ يؤثّرُ على مدى تحفّزِ الطلابِ للتعلّم. كما أضاف: "علينا حتماً أن نُشجعَّ الطلّابَ ونحفّزهم في الفصولِ الدراسيّة. إلّا أنَّ النتائجَ تقترحُ أنَّ الآلياتِ التي يجبُ أن نَنْتَهِجَهَا في عمليّةِ التحفيزِ تِلكَ هيَ أعقدُ ممّا كُنّا نَظن".

*التوائم المتطابقة والتوائم غير المتطابقة:

-التوأم المتطابق: توأم أصله بيضة ملقحة واحدة ولكن خلال عمليات الانقسام الخلوي يعطي جنينين ويكون لهما نفس الجنس ونفس الشكل ونفس المورّثات.

-التوأم غير المتطابق: توأم ينتج عن تلقيح بويضتين مختلفتين بنطفتين مختلفتين فينتج جنينان مختلفان قد يكونان من نفس الجنس أو أحدهما أنثى والآخر ذكر ويختلفان عن بعضهما في المورّثات.

المصادر:

هنا

البحث الأصلي: هنا

الحاشية: هنا