الكيمياء والصيدلة > صيدلة

طريقة استجابتك للدواء الوهمي قد تحددُّ مدى استجابتك لمضادات الاكتئاب

استمع على ساوندكلاود 🎧

لا تقتصرُ أهميةُ الدواء الوهمي على استخدامِه في مقارنةِ الاستجابة الإحصائيةِ لمجموعةِ مرضى يتناولون دواءً معيناً، بل تتعدى ذلك إلى كونِه يكشفُ عن كيفية استجابتِهم للأدوية المضادة للاكتئاب.

ومن المعروف يقيناً أنّ الأشخاصَ الذين يتمُّ إعطاؤهم علاجاً زائفاً أو وهمياً (يفتقرُ إلى المكونات الفعالة للدواء) غالباً ما يشعرون بالتحسن لمجردِ إخبارِهم أنه يجب أن يُحدِثَ أثراً. لذلك، فإن الدراساتَ التي تجرى على الأدوية الحقيقية لا يجب أن تبيّنَ فقط أن تلك الأدويةُ تحدث أثراً، بل يجب أن يفوقَ تأثيرُها التأثيرَ الناتجَ عن الأدوية الوهمية.

إن بعضَ الحالاتِ المرضيةِ تُظهرُ – بشكلٍ لا يثيرُ الدهشةَ – استجابةً للدواءِ الوهمي أكبرَ من حالاتٍ أخرى. وجزءٌ كبيرٌ من الاستفادةِ الحاصلةِ من الأدوية المضادة للاكتئاب تظهرُ جليةً في الأشخاصِ المشاركين في الدراساتِ الدوائية التي يتمُّ إعطاؤُهم فيها أقراصاً تبدو مطابقةً للدواء الفعالِ لكنها تحتوي فقط على السكر.

وقد قامَ فريقٌ بحثيٌّ من جامعة ميتشيغان باستكشافِ العواملِ التي تجعلُ بعضَ الأشخاص أكثرَ استفادةً من الدواء الوهمي مقارنةً بغيرِهم، والتي تضمُّ الاختلافاتِ الجينيةِ المرتبطة بزيادةِ فعالية الدواءِ الوهمي. فوجدَ الباحثون مؤخراً – على الأقل فيما يخص الأدويةَ المضادةَ للاكتئاب - أن الأشخاصَ الذين يظهرون استجابةً قويةً للدواء الوهمي لديهم فرصةٌ أكبرُ للاستفادة من الدواء الحقيقي. ويوجد كذلك تناسبٌ طرديٌّ بين الاستجابة للدواءَين (الوهمي والحقيقي)، أي أنه كلما ازدادت قوةُ الاستجابةِ للدواءِ الوهمي كان ذلك مؤشراً على أن الاستجابةَ للدواءِ الحقيقيِّ ستكونُ أقوى.

تمَّ فحصُ استجابة 35 مريضاً بالاكتئاب (المسمى علمياً MMD-- (Major Depressive Disorder عبر إعطائهم دواءً وهمياً لمدة أسبوعين ثم دواءً مضاداً للاكتئاب. وتبين أنه كلما ازدادَ تحسنُ الأعراضِ لدى المشاركين ازدادت استجابةُ المستقبلات الأفيونيةِ من النوع ميو [ μ opioid receptors] وهي مجموعةُ مستقبلاتٍ لها دورٌ في التحكم بالإثابةِ والألم في المناطقِ الدماغية المعروفة بارتباطِها بالاكتئاب.

لقد كان هذا الاكتشافُ متوقعاً نظراً لأن تنشيطَ تلك المستقبلات يقللُّ من الاكتئاب كما أن النظامَ الأفيوني من النوع ميو يلعبُ دوراً مهماً في الاستجابةِ للدواء الوهمي كما توضح دراساتٌ سابقةٌ لنفس الفريقِ البحثي القائم على هذه الدراسة والتي يمكن إيجادُها في هذا الرابط هنا .

وجدَ الفريقُ أيضاً ما هو أكثرُ أهميةً من ذلك، فهنالك علاقةُ ارتباطٍ وثيقةٌ بين استجابةِ مستقبلات ميو الأفيونيةِ الناتجة عن الدواء الوهمي وتلكَ الاستجابةِ الناتجةِ عن الدواءِ الحقيقيِّ. إذ يمكنُ أن يتمَّ التنبؤُ بنصفِ الاستجابةِ للعلاج المضادِ للاكتئاب بمجردِ معرفةِ كيفيةِ استجابةِ المريضِ للدواءِ الوهمي. وتقول مارتا بيسينا Marta Pecina الباحثةُ الرئيسةُ في الدراسة: "يُعتبرُ هذا أوّلَ دليلٍ موضوعيٍّ على أنّ النظامَ الأفيونيَّ للدماغِ مرتبطٌ بالاستجابةِ لكلٍّ من الأدويةِ المضادةِ للاكتئابِ والدواءِ الوهمي على حدٍّ سواء، وأن الفروقاتِ في الاستجابةِ لكلا النوعين من الأدويةِ مرتبطةٌ بالفروقاتِ في مدى التخفيفِ من الأعراضِ المصاحبةِ للمرض".

قد تكونُ لهذا الاكتشافِ تطبيقاتٌ هامةٌ في اختبارِ وتصميمِ أدويةٍ تعالجُ الاكتئاب، حيث تؤكد د. بيسينا أنه "يعملُ كمؤشرٍ حيويٍّ للاستجابةِ العلاجية في حالاتِ الاكتئاب، وهي طريقةٌ موضوعيةٌ لقياس الموادِ الكيميائيةِ العصبية المتعلقةِ بها. ومن الواضحِ أنه بزيادةِ الآثارِ العلاجيةِ الناتجةِ عن الدواءِ الوهمي قد يكون باستطاعتِنا تطويرُ أدويةٍ مضادةٍ للاكتئابِ أفضلَ من تلكَ المتوافرةِ حالياً أو أسرعَ تأثيراً."

ختاماً، قد يكون علاجُ الاكتئابِ غيرُ الدوائي أفضلَ للمرضى الذي يظهرون استجابةً ضعيفةً للدواء الوهمي.

المصدر:

هنا