العمارة والتشييد > التشييد

السدود الكبيرة ليست بهذه السمعة الطيبة بعد اليوم!

لطالما ترافق بناء السدود الكبيرة بحملات إعلانية ودعم حكومي وتفاؤل كبير بنتائجه ومنافعه، فهل تستطيع السدود فعلاً أن تتحمل هذا العبء الملقى عليها أم أن طاقاتها أقل من الآمال المعلقة عليها!

لنبدأ بالأرقام، فإن 30 سداً كبيراً و135 سداً متوسطاً و3000 سداً صغيراً سيخفون ملامح نهر ال "نارماندا " أطول نهر في الهند ليجعلوا منه ما يشبه سلسلةً من البحيرات تحت مسمى مشروع تنظيم وادي نارماندا.

ينبع نهر نارماندا من مرتفعات مايكال (1057 مترا فوق سطح البحر) ليجري بطول 1312 كيلومترا قبل أن يصب في بحر العرب.

يعبر النهر أثناء جريانه ثلاثة مقاطعات هندية هي "Madhya Pradesh" حيث تحتوي على 90% منه تقريباً ليكون الباقي ضمن مقاطعة "Gujarat"، أما مقاطعة "Maharashtra" فتضم جزءاً صغيراً منه فقط.

أما السدود الكبيرة المراد إنشاؤها فتقع جميعها في مقاطعة Madhya Pradesh إلا سد Sardar Sarivar في مقاطعة Gujarat، لكن بحيرته ستمتد لتغمر أراضي من Madhya Pradesh.

ورد ذكر نهر نارماندا كواحد من الأنهار السبعة الأكثر قدسية في النصوص الهندية القديمة وكان حوض النهر دوماً موطناً لسلسلة غير متناهية من الحضارات المتعاقبة منذ عصور ما قبل التاريخ، كما أنه يدعم في كثير من المناطق على ضفتيه معابد ومظاهر الفولكلور والتقاليد الهندية ويضم حوضه مختلف الثقافات المعيشية من النظام القبلي المتنقل الى الريفي المستقر.

طرحت فكرة السدود لأول مرة في ظل الاحتلال البريطاني للهند عام 1901، لكنها رفضت، حيث تم اعتبار تربة موقع السد المقترح الطينية السوداء غير مناسبة للري من وجهة نظر استثمارية.

أعيد طرح هذه الفكرة بعد الاستقلال حيث اعتبرت السدود رمز الهند المعاصرة وتم تشبيهها بالمعابد للتأكيد على أهميتها ولكسب تأييد الناس للفكرة، وطرحت خطة تنمية تشمل تنظيم وادي نهر نارماندا، لكن هذا المشروع الضخم واجه مشاكل متعددة منذ عام (1965) حول توزيع حصص المياه المخزنة وكلف إنشاء المشاريع بين المقاطعات الثلاثة بالإضافة إلى المساحات المغمورة والاحتياجات المائية غير المتكافئة بين هذه المقاطعات.

تم إنشاء محكمة في عهد السيدة أنديرا غادني عام 1969 لحل خلافات مياه نهر نارماندا (NWDT) المتشكلة بين المقاطعات بسبب سدsardar sarivar حول ارتفاع السد والمساحة التي سيغمرها وتوزيعها بين المقاطعات وتوزيع حصص المياه، وبعد حوالي 10 سنوات من الخلاف 1979 أدلت المحكمة بقرار منصف تضمن بناء السد بارتفاع 137 متراً تقريباً وإعطاء 11.101 مليار متر مكعب للمقاطعة الأقل تضرراً بالغمر. ولم تكتمل الملامح النهائية لخطة التنظيم إلا في أوائل الثمانينات.

يعد سد "sardar sarivar" الأضخم من ضمن السدود الثلاثين الكبيرة في خطة التنظيم، وهو سد متعدد المهام يبلغ الارتفاع التصميمي له 137 متراً، ومن المخطط أن يروي أكثر من 1.8 مليون هكتار ويحمي الأراضي المعرضة للجفاف في المقاطعات القريبة ويولد 1400 ميغا وط ساعي من الكهرباء. إلا أن الجهات المعارضة لتنفيذ السد تقول بأن هذه المنافع مبالغ في تقديرها بشكل كبير من قبل الحكومة كما أن المشروع سيؤدي الى تهجير اكثر من 320 ألف نسمة بالإضافة الى التاثير على سبل الحياة لآلاف الناس الآخرين، وبالنتيجة من المتوقع أن يصل عدد الناس المتأثرين ببناء هذا السد إلى المليون نسمة.

بعد العديد من الاحتجاجات والاعتصامات من قبل السكان، بحثت السلطة الوطنية للتنوع البيئي في الهند في موضوع السد وأقرت بالضرر البيئي والإنساني الكبير الحاصل، وتم الضغط على البنك الدولي الممول للمشروع ب 450مليون دولار، تم الضغط عليه ولأول مرة في تاريخه لإنشاء لجنة مستقلة تقيم وضع السد وانتهى الأمر بسحب تمويله لهذا المشروع.

وبعد رفع عريضة إلى السلطة للنظر في مخاطر السد قضت المحكمة بارتفاع للسد هو 80.3 متراً في عام 1995، لكنها عادت لترفعه إلى 88 متراً في عام ،1999 الأمر الذي يمكن أن يسبب غمراً لأراضي وبيوت 2000 عائلة في 50 قرية. وفي العام 2000 استلمت المحكمة حكماً بالأغلبية يقضي بالسماح برفع فوري للسد حتى 90 متراً ثم تدريجي بمقدار 5 متر كل مرة حتى الوصول إلى الارتفاع التصميمي، وتحدد الفترات الزمنية بين مراحل رفع السد حسب برنامج السطلة المسؤولة عن إعادة التوطين للناس المتضررين في حوض النهر.

وبالنظر إلى مشروع تنظيم نهر نارماندا ككل فإنه وخلال قرابة ال 50 سنة من التخطيط والدراسة والتنفيذ (حيث أن السبور الأولية بدأ اجراؤها في خمسينيات القرن الماضي)، فان النتيجة لم تتجاوز 90 ميغا واط من الطاقة الكهربائية، لكنها قابلة للزيادة كون السدود لم تكتمل بعد، وريّ 246 ألف هكتار تقريباً من الأراضي من أصل 706 ألف هكتاراً كان من المفروض ريّها، حيث أن مشاريع الري شبه مكتملة على خلاف مشاريع توليد الطاقة.

لذلك نرى وبما يتوافق مع توصيات وآراء اللجنة الدولية للسدود بأنه من الممكن في حالات السدود الكبيرة أو ما يسمى MegaDams إيجاد مشاريع بديلة أصغر تعطي الفوائد المرجوة خلال فترات استثمارية أقصر وأضرار بيئية وكلف اقتصادية أقل بكثير من المشاريع العملاقة.

hr />

المصادر:

هنا

Implementing the report of world commission on dams : a case study of the Narmanda valley in India ،American university international law review، volume 16-issue6-article8