الفنون البصرية > زيارة إلى متحف الفن

زيارة إلى متحف اللوفر - الموناليزا

يمكنكم الاستماع للمقال عوضاً عن القراءة:

ربما لم تحظَ لوحةٌ فنيةٌ بالمكانةِ التي احتلّتها الموناليزا، فقد أُشبِعت تحليلاً من قِبلِ العلماءِ وهواةِ الفنِّ على حدٍّ سَواء، وكثرت التخميناتُ والأساطيرُ حولَها ممّا أضفى هالةً من الغموضِ والسّحرِ عليها.

فعلى الرّغمِ منْ أنِّ ليوناردو دافينشي قد باشرَ برسمِها حوالي عام 1503 ميلاديّة إلا أنّ هويةَ صاحبةِ هذه البورتريه النصفيّة لم تُحسَم حتى عام 2013! بعد تخميناتٍ ذهبت إلى أنّها تجسّدُ والدةَ الرسّامِ أو حتّى دافينشي نفسه! ليتمّ التأكّدَ بعدَها أنّ البورتريه تعودُ للسيدةِ ليزا جيرارديني زوجةِ تاجرِ الأقمشةِ الفلورنسي فرانسيسكو ديل جيكوندو( ومن هنا جاءَ اسمها البديل : الجيوكاندا). وإن لم تُحسَم هويةُ طالبِ الصورةِ أو طريقةِ وصولِها إلى المجموعةِ الملكيّةِ الفرنسيّةِ ومن ثمّ إلى اللوفر.

أياً تكُن صاحبتَها، فإنّ تأثيرَ الموناليزا الأكبرَ كانَ في الثّورةِ التي أحدثتها في فنِّ رسمِ البورتريه في عصرِ النّهضةِ والعصورِ التي تلَته، إذ كانت أوّلَ لوحةِ بورتريه إيطاليّة يتمُّ فيها التّركيزُعن كثبٍ على الشّخصِ موضوعِ اللّوحة. حيثُ امتدّت أبعادُها-رغم صغرِحجمِها النّسبيّ- لتضمّ الذّراعينِ واليدينِ بدونِ أن يلمسا الإطارَ وقد استخدمَ دافينشي فيها تقنيّةَ رسمٍ مبتكرةٍ هي الإسقاطِ المتوسّطِ التي يجمع فيها بين الجانبِ والأمامِ في لوحاتِ الأفرادِ مضفياً مسحةً من الواقعيةِ عليها. بالإضافةِ إلى ذلك كان دافينشي من أوائلِ الفنانين الذين استخدموا تقنيّةَ المنظورِ الجوّيّ التي تعتمدُ على جعلِ الخلفيّةِ أكثرَ ضبابيّةً مع خطوطٍ أوضحَ في المقدّمة ممّا أعطى لوحاتَه عمقاً أكبر.

وقد زادَ من تميّزِ دافينشي استخدامَه تقنيّةِ سفوماتو (بالايطاليّة sfumato) والتي تعتمدُ على تمازجِ الألوانِ بشكلٍ تدريجيٍٍ معطيةً خطوطاً خارجيّةً غيرَ واضحةٍ ومُظهرةً زوايا العينينِ والفمِ بشكلٍ مظللٍ والذي أضفى ذلك التعبير الغامض على وجه الموناليزا.

ومن ناحيةٍ أخرى فإنّ الانحناءاتِ في شَعرِ الشخصيّةِ وثيابِها تحاكي شكلَ الوديانِ والأنهارِ في الخلفيّة البعيدةِ للّوحةِ والتي وضعَها دافينشي بذكاءٍ بمحاذاةِ العينين ممّا عكَس فكرتَه عن الرّابطِ الكونيّ بين الطّبيعة والإنسانيّة.

وخلافاً للسّائدِ في عصرِ النهضةِ رُسِمت الموناليزا بألوانٍ زيتيّةٍ على خلفيةٍ من خشبِ الحور المُغطِّى بالقطنِ وليسَ الكتّان وكانَ لهذه الخطوةِ أثراً كبيراً في الحفاظِ على اللوحة (إلى حدٍّ كبيرٍ) إلى وقتنا الحالي وهو ميزةٌ غيرُ اعتياديةٍ بالنّظرِ إلى الفترة التي رُسِمت فيها. فلم تحتج إلى الترميمِ حتى القرنِ الماضي إذ أٌضيفَ لها إطارٌ من خشبِ السنديانِ ودَعاماتٍ عاموديّةٍ لتقويمِ الاعوجاج الذي ظهرَ فيها. كما أُضيفت تعشيقاتٍ لمنعِ الشّقوق التي ظهرت فيها من الاتّساع.

بعيداً عن التقنياتِ الفنيّة فإنّ أكثرَ ما يلفتُ نظرَ المشاهدِ العاديّ للّوحة هو ابتسامةُ الموناليزا الذّائعةِ الصّيتِ والتي كانت موضِعَ الكثيرِ من التكهناتِ التي لم تُحسَم بعد. ولكن يمكنُ اعتبارَها تمثيلاً بصرياًّ لفكرةِ السّعادةِ التي ترتبطُ بها كلمةُ "giocand" في اللغةِ الإيطاليّةِ. فقد جعلَ دافينشي من فكرةِ السّعادةِ الموضوعَ الرّئيسيَّ لهذه اللوحةِ وهذا ما أسهمَ في مثاليّتِها.

ومع كلِّ هذه الإبداعاتِ الفنيّةِ التي استعرضَها دافينشي في الموناليزا، لاعجبَ أن تكونَ أكثرَ اللوحاتِ تقليداً حولَ العالم. وأن تكونَ مصدرَ إلهامِ الكثيرِ من الرسّامين الكبار كـ (رافييل في لوحته Maddalena Doni) كما أنها ألهمَت العديدَ منَ الأعمالِ الفنّية كفيلم (Mona Lisa 1986) وروايةِ دان براون الذّائعةِ الصّيت " شيفرة دافينشي". ممّا أسهمَ في زيادةِ شعبيتِها وهالتِها الأسطوريّة. وقد عادت الشهرةُ بالكثيرِ من الأذى على الموناليزا أيضاً، فقد كانت هدفاً للمُعتدين المهووسين فمنهم من رماها بالأسيد وبالحجارة. كما قامَ موظفٌ سابقٌ في اللوفر بسرقتِها عام 1919 بنيّةِ إعادتِها لإيطاليا حيثُ كان يؤمنُ بأحقّيتها بها. لكن الموناليزا عادت بعد سنتين سالمةً إلى مكانها في اللوفر ممّا حدا بمسؤولي اللوفر لزيادةِ إجراءاتِ الحمايةِ إلى حدٍّ كبيرٍ ووضعِها خلفَ زجاجٍ مضادٍّ للرصاص .

وفي النهاية ،سواءً كنتَ من المعجبين بالموناليزا أم لا فليس بإمكانك إنكارَ مكانة هذه اللوحة في عالمِ الفنِّ والثقافةِ على مرِّ الزمن لأسبابٍ حاولنا الإحاطةَ بها في زيارتنا الخاطفة للموناليزا وإن كانَ الغموضُ لا يزالُ مسيطراً على كثيرٍ من جوانبها.

معلومات اللوحة:

زيت على خشب الحور

77سم * 53 سم

المصادر:

هنا

هنا

هنا