التاريخ وعلم الآثار > تاريخ العلوم والاختراعات

عبقرية الحضارة البشرية تتلخص في اختراعاتٍ عشر 9- النظارات الطبية

أبصرت النظارات النور أول مرة عندما لاحظ أحدهم أن قطع الزجاج المحدبة تستطيع تكبير الأشياء، ثم ظهرت أحجار القراءة بين عام 1000 و1250 للميلاد والتي كانت عبارة عن مكبرات بسيطة. ولكن كيف تطورت هذه الأحجار وكيف أصبحت أحد عبقريات الحضارة البشرية؟ لتعرفوا تاريخ النظارت الطبية تابعوا معنا المقال التالي...

في 1268 وصف القس الفرانسيسكي روجر غرين في كتابه *Opus Majus* أن الحروف يمكن قراءتها بشكل أوضح وأكبر إن تمت رؤيتها من خلال اقل من نصف كرة من الزجاج، كما أثبتت تجاربه مبادئ العدسات المحدبة التي وصفها ابن الهيثم (أبو البصريات المعاصرة) وكانت قد وُصفت قبيلهما في كتب اليونانيين.

تبين الوثائق الموجودة أن أول نظارات تم إيجادها كانت في بيزا في إيطاليا وصُنعت من قطعتين محدبتين من الزجاج أو الكريستال ووضعت كل منهما في إطار وأُضيف لهما حامل ثم رُبطتا معاً باستعمال *عزقة/مسمار* لم يكن هذا اختراعاً بقدر ما كان تطويعاً لأشياءَ موجودة مسبقاً لاستعمالها بشكل عملي أكثر، وأغلب الظن أن من قام بذلك كي يبتغي تحقيق الربح حتى قام غيره بصنع النظارات بأنفسهم ونشر الطريقة للآخرين. في 1284 ظهر أول وصف رسمي *لأقراص العين* الذي استعمله أعضاء نقابة العاملين في الكريستال في فينيس الإيطالية التي كانت من أكثر مراكز صناعة الزجاج تطوراً في العصور الوسطى.

في منتصف القرن الخامس عشر ظهرت فلورنسا، المدينة التي كانت الرائدة في اختراع وإنتاج و بيع النظارات داخل و خارج إيطاليا، حيث ظهرت وثائق تتحدث عن اختراع وإنتاج النظارات في فلورنسا:

1. لم يقم الفلورنسيون بصنع كميات كبيرة من النظارات المحدبة (المقربة) فقط بل قاموا بإنتاج النظارات المقعرة (المبعدة) أيضاً.

2. كانت فلورنسا المنتج الأكبر للنظارات الجاهزة الجيدة و بسعرٍ معقول.

3. كان الصانعون الفلورنسيون على علم بتدني مستوى الرؤية مع التقدم بالعمر، و كانوا ينتجون نظارات مختلفة القوة إن كانت محدبة أو مقعرة.

4. كان دوق فلورنسا يشتري النظارات الفاخرة بكميات كبيرة و يرسلها كهدايا إلى غيره من النبلاء في أنحاء اوروبا، و كانت العدسات الفلورنسية منتشرة في كافة أرجاء أوروبا في القرن الخامس عشر ولم تظهر النظارات الألمانية أو الهولندية أو الفرنسية حتى منتصف القرن السادس عشر، ولكنها لم تضاهِ الصناعة الفلورنسية حتى القرن السابع عشر.

رُسمت أول لوحة تظهر نظارة في قالب جصّي في كاتدرائية سان نيكولو في تريفيسو عام 1352 و يبدو فيها (هيو كاردينال بروفينس) يرتدي زوجاً من العدسات، المثير في هذه اللوحة أن هذا الكاردينال قد توفي قبل اختراع النظارات ولكن الرسام توماسو مودينا أضافهما للدلالة على الحكمة والوقار، كما قام دومينيكو غير لانداجو برسم القديس جيروم مترجم الانجيل الى اللغة اللاتينية مرتدياً نظارة أيضاً للدلالة على الحكمة، يجدر الذكر أن القديس جيروم يعتبر شفيع صانعي النظارات في فرنسا. وُجدت أقدم نظارات في ألمانيا كما اكُتشف زوجان آخران في هولندا ويعود تاريخ صنعهم إلى بدايات القرن الخامس عشر.

يشكل القرن الخامس عشر علامة فارقة في تاريخ صناعة العدسات، حين قام غوتنبرغ باختراع الطابعة في 1450 كان الفنانون والكهنة يستخدمونها ومع انتشار الكتب للجميع تنامى استخدام العدسات بشكل هائل وانتشر بائعو العدسات في شوارع اوروبا الغربية، فكان المشترون يجربون مختلف الأنماط حتى يجدون غايتهم أو العدسات الأكثر ملائمة لاحتياجاتهم، ولم يتوقف الأمر هنا بل استمر الطلب على النظارات بالتزايد خصوصاً بعد ظهور أول صحيفة في إنكلترا. كما ساد الاعتقاد أن العدسات تبرز رفعة وذكاء الشخص الذي يرتديها في العديد من البلدان من الصين حتى إسبانيا.

اختلف مسار تطور العدسات في الشرق الأقصى، حيث ظهروا أول مرة في بدايات القرن الخامس عشر بفضل التجار والمبشرين الأوروبيين، وكان حجم العدسة التي يلبسها أحدهم دليلاً على منزلته الاجتماعية فكان استعمالهم اجتماعياً أكثر منه لتحسين الرؤية.. الى أن تم صنع عدسات منقوعة بمنقوع الشاي لتخفيف التهاب الملتحمة بالإضافة لكبر حجمها وتوضعها على الوجه بسبب اختلاف البنية التشريحية لوجوه الآسيويين.

في أوروبا، بقيت العدسات رمزاً للحكمة والجاذبية رغم خشونة الصنع، الأمر الذي تغير في القرن السابع عشر عند إضافة الصوان للعدسات لزيادة وضوحها، كما شهد القرن تركز صناعة العدسات في ألمانيا التي صنعت أفضل الإطارات وجلبت أفضل العدسات من إيطاليا.

من ناحية الموارد المستخدمة: شحت الموارد المُستخرجة من أوروبا وروسيا فتم استعمال الكريستال الصخري من البرازيل والأرجنتين بسبب شدة تحمله رغم حاجته لمستوى أعلى من المهارة في التعامل لصنع كل عدسة على حدىً قبل وضعها في إطارات مناسبة، وجدر بالذكر أن العدسات الأولى كانت موحدة أو محدبة حتى ظهور المقعرة في القرن الخامس عشر ثم الملونة في القرن السابع عشر ولكنها جميعا بقيت محافظة على الشكل الدائري حتى ظهور العدسات البيضوية في القرن الثامن عشر، مرت الاطارات بمراحل تطور مشابهة، حيث صُنعت من الخشب والعظام والقرون في البداية ثم الجلد الذي لم يستعمل طويلاً ثم بدأ استعمال المعادن كالنحاس والذهب ومواد أخرى كصدف السلاحف، كما تم الاعتناء بصناعة محافظ العدسات ويعود تاريخ أقدم محفظة مُكتشفة الى القرن الرابع عشر.

ظهرت الإطارات ذات الأذرع المفصلية التي توضع على الأذن في انكلترا في القرن الثامن عشر، كما انتشرت *هوامش مارتين* وهي أطواق مصنوعة من القرون توضع بين العدسة واطارها لتخفيف ضرر الضوء الوارد على العين صنعها البصري/صانع الأدوات البصرية بينجامين مارتين.

طور بنجامين فرانكلين العدسات المزدوجة الأولى في أواسط القرن الثامن عشر حيث كان الجزء الأعلى من العدسة للرؤية البعيدة و الجزء الاسفل للرؤية القريبة وكان يستعملهم شخصياً في ثمانينيات القرن الثامن عشر .

في الولايات المتحدة: وصل جون ماكاليستر الأب الى الولايات المتحدة مهاجراً من أسكوتلندا وبدأ ببيع عصي المشي ثم السياط ثم بدأ باستيراد النظارات وبيعها في فيلادلفيا حتى بدء الحرب مع انكلترا 1812 التي فرضت حظراً تجارياً ما دفع ماكاليستر إلى إيجاد حلول بديلة، فبدأ بإنتاج إطارات مصنوعة من الذهب والفضة واستيراد عدسات أسطوانية لصنع عدسات من أجل الرؤية اللابؤرية ويعتبر جون ماكاليستر الأب الرمز الأول في صناعة العدسات والبصريات في الولايات المتحدة .

أشكال أخرى: استعملت العدسات المنفردة في القرن السابع عشر من قبل متّبعي الموضة من علية المجتمعات وتم تعليقها بخيط الى العنق كما تم استعمال مكبرات توضع في الجيب الى أن قدم البارون الألماني العدسة الأحادية التي بلغت أوجها في أواخر القرن الثامن عشر على يد الأرستقراطيين كما نذكر النظارات التي تشبه المقص التي استعملها نابليون ولافاييت. - النظارات بلا جانب: عاد استعمالها مرة أخرى في القرن التاسع عشر بعد اختفائها لنصف قرن ولكنها ما لبثت أن تراجعت بعد عام 1935. في بداية القرن العشرين بدأ التركيز ينصب على الشكل و التصميم ويُعد تطور البلاستيك نقطة تحول في صناعة الإطارات ثم ظهرت النظارات الشمسية التي لاقت رواجاً كبيراً ومنذ خمسينات القرن العشرين أصبحت النظارات جزءاً من إضافات/اكسسوارات الموضة وأصبح الناس يطلبون تصميمات مختلفة تناسب اذواقهم وتلائم شخصياتهم بالإضافة الى فعاليتها الأساسية كأداة لتحسين الرؤية.

وفي النهاية يجب أن نذكر أنه حتى القرون الوسطى كان المصابون بمشاكل في الرؤيا محدودين بأعمال ووظائف معينة كما اقتصر المدة الزمنية التي يعمل بها الأشخاص العاديون حتى يبلغون أواسط الأربعينات والخمسينات.. ولهذا تدين البشرية بالكثير للنظارات وللشخص المجهول الذي قام بصنع أول عدسات.

المصدر:

هنا