الفيزياء والفلك > علم الفلك

تفسير "الإشارات الضوئية الغير مألوفة" القادمة من زوج من الثقوب السوداء.

يبدو أن هنالكَ ثقبانِ أسودانِ في إحدى المجرّاتِ البعيدةِ، مرتبطانِ مع بعضهما بقوةِ جاذبيتهما، ومُقدّرٌ لهما أن يندمجا. يستخدمُ الباحثونَ البياناتِ القادمةِ من تلسكوبِ هابل الفضائي وتلسكوبِ GALEX للحصولِ على دلائلَ حاسمةٍ على وجودِ هذينِ الثقبينِ المندمجين. وقد وجدوا الكثيرَ من التفاصيلِ الجديدةِ عن الإشارةِ الضوئيةِ الغريبةِ والمتكررةِ القادمةِ منهما.

سمّي هذا الزوجُ المحتملُ من الثقوبِ السوداءِ بـ PG 1302-102 وتمّ تحديدُه في بداياتِ هذا العامِ بواسطةِ تلسكوباتٍ أرضيّةٍ، و هما أقربُ ثقبينِ متزاوجينِ تم رصدُهما حتى الآن، إذ أنّ المسافةَ بينهما لا تتجاوزُ قطرَ المجموعةِ الشمسيّة. من المتوقّعِ أن يصطدِما ببعضهما و يندمجا خلالَ أقلِّ من مِليونِ سنةٍ، وهذا سيؤدي إلى صدمةٍ انفجاريةٍ هائلةٍ تقدّرُ قوّتُها بمئةِ مليونِ مرةٍ قوةَ سوبّرنوفا.

يَدرسُ الباحثونَ هذا الزوجَ للحصولِ على فهمٍ أفضلَ عن كيفيةِ اندماجِ المجرّاتِ و الثقوبِ السوداءِ الضّخمةِ القابعةِ في أنويتها. وبرغمِ أنّ هذهِ العمليةَ شائعةٌ جداً في بداياتِ الكون، لكن منَ الصّعبِ رصدُها و تأكيدُها.

يُعتبرُ الزوجُ PG 1302-102 من الأزواجِ النادرةِ الجيّدةِ للدراسة. اكتشفهُ بدايةَ هذه السّنةِ مجموعةٌ من الباحثينَ من معهدِ كاليفورنيا للتكنولوجيا في باسادينيا، وذلك عند رصدِهم إشارةً ضوئيةً ملفتةً للنظرِ قادمةً من مركزِ المجرّةِ باستخدامِ التلسكوبِ الأرضي Catalina Real-Time Transient Survey ورجّحوا أن تكونَ هذه الإشارةُ متولدةً عن حركةِ زوجٍ من الثقوبِ السوداءِ التي تتأرجَح حولَ بعضها كلّ خمسِ سنوات. لا تُصدرُ الثقوبُ السوداءُ بطبيعتها أيّةَ إشارةٍ ضوئيةٍ، لكنّ هذهِ الإشارةَ قادمةٌ من الموادِّ المحيطةِ بالثقوبِ السوداءِ وتتأثّرُ بها.

وجدَ الباحثونَ في دراسةٍ جديدةٍ نُشرت في مجلة Nature المزيدَ من الأدلةِ الحاسمةِ التي تؤكدُ وجودَ زوجِ الثقوبِ السوداء، وقد تمكنَ العلماءُ من رصدِ نمطِ تغيّرِ الإشارةِ خلالَ السنواتِ العشرينِ الماضيةِ باستخدامِ بياناتِ الأشعّةِ فوقِ البنفسجيَةِ من تلسكوبِ GALEX و بياناتِ تلسكوبِ هابل للأشعةِ فوقَ البنفسجيةِ وتحتَ الحمراءِ.

يقول David Schiminovich المساهمُ في الدراسةِ من جامعةِ كولومبيا في نيويورك: "لقد كنا محظوظينَ عندما راجَعنا بياناتِ تلسكوبِ GALEX المؤرشفة، إذ صادفَ أنّهُ التقطَ صوراً لهذا الجسمِ ستَ مراتٍ سابقاً" وقد تبين أنّ تلسكوبَ هابل قد رصدَ ذلكَ الجسمَ من قبلُ أيضاً.

إنّ الأشعةَ فوقَ البنفسجيةِ مهمةٌ لاختبارِ أيةِ فرضيّةٍ عن كيفيةِ توليدِ الثقبِ الأسودِ لأنماطِ الضوءِ الدوريّةِ. تكمنُ الفكرةُ في أنّ أحدَ الثقبينِ الأسودينِ يولّدُ ضوءاً أكثرَ من الآخرِ لأنّهُ يبتلعُ كمياتٍ أكبرَ من المادةِ، ما يؤدي لرفعِ درجةِ حرارةِ المادةِ حولَهُ فتتوهجُ وتُصدرُ الأشعّة. يختلفُ ضوءُ الثقبِ الأسودِ ويزيدُ لمعانُهُ عندما يتحرّكُ باتجاهنا خلال دورانهِ حولَ مرافقهِ كل خمسِ سنواتٍ.

يشرحُ لنا Daniel D'Orazio، الذي يترأسُ فريقَ الباحثينِ من جامعة كولومبيا : "يمكنُ اعتبارُ الثقبِ الأسودِ كمصباحٍ باستطاعةِ 60 واط. عندما يقتربُ منّا نشعُرُ أنّهُ يضيءُ كمصباحٍ باستطاعةِ 100 واط. و عندما يبتعدُ يصبُحُ معتماً كمصباحٍ باستطاعةِ 20 واط."

ما الذي يسببُ هذا التغيّرَ في الضوء؟

أحد أسبابِ التغيّرِ هو ظاهرةُ الانحرافِ نحوَ الأزرق؛ إذ يُضغَطُ الضوءُ إلى موجاتٍ ضوئيةٍ أقصرَ عندما يقتربُ المصدرُ منّا، تماماً كما يُضغطُ صوتُ صافرةِ سيارةِ الشرطةِ عندما تتجّهُ نحونا فنسمع صوتاً أعلى تواتراً. أمّا السببُ الأخرُ فهوَ السرعةُ الهائلةُ للثقبِ الأسودِ؛ فالثقبُ الأسودُ الأكثرُ إضاءةً يتحرّكُ بسرعةٍ كبيرةٍ تصلُ إلى 7% من سرعةِ الضوء، ويحتاجُ مع ذلكَ خمسَ سنواتٍ ليدورَ حولَ رفيقهِ بسببِ المسافاتِ الشاسعةِ بينهما.

قام D'Orazio وزملاؤهُ بوضعِ نموذجٍ عن هذا التأثيرِ بناءً على الورقةِ البحثيةِ من معهدِ كاليفورنيا، وتنبئوا كيفَ يمكنُ أن تبدو الأشعةُ فوقَ البنفسجيةِ. يعتقدونَ أنهُ إذا كانَ هذا التعاقبُ في اللمعانِ الذي رصدوهُ بالأشعةِ المرئيةِ ناتجٌ عن تأثيرِ السرعاتِ الكبيرةِ نسبياً، فيجبُ أن يلاحظوا التعاقبَ ذاتُهُ بالأشعةِ فوقَ البنفسجيةِ، بتضخيمٍ نسبتهُ 2.5 مرة. وهذا يتماشى مع ما تمّ رصدُهُ من هابل و GALEX من الأشعةِ فوقَ البنفسجيةِ.

يقول Zoltán Haiman، أحدُ المشاركينَ في الورقةِ البحثيةِ من جامعةِ كاليفورنيا: "نحن نوسّعُ أفكارنا عمّا يمكنُ أن يحدثَ في ذلك النظامِ، وبدأنا نفهمُه بشكلٍ أفضل."

ستساعدُ نتائجُ هذهِ الدراسةِ العلماءَ على تحسينِ أساليبهم للعثورِ على أزواجِ ثقوبٍ سوداءَ أكثرُ قرباً من بعضهم، وهذا يُعتبر كنزاً ثميناً في الفيزياءِ وفي البحثِ عن الأمواجِ الثقاليّةِ.

في اللحظاتِ الأخيرةِ للدورانِ وقبلَ الاتحادِ الأبديِّ بينَ الثقبينِ الأسودينِ، يُتَوقّعُ أن يُحدِثا أمواجاً في النسيجِ الزمكاني تُسمى الأمواجَ الثقاليّة، وتعودُ فكرتُها إلى أينشتاين الذي تنبّأ بها قبلَ مئةِ عامٍ عندما وضعَ نظريةَ الجاذبية. من المتوقعِ أن تحملَ هذه الأمواجُ الأدلةَ حولَ بنيةِ الكونِ الذي نعيشُ فيه.

كما ستساعدنا النتائجُ أيضاً في فَهمِ الاندماجاتِ الأخرى بين الثقوبِ السوداءِ في الكون.

بدأت تلكَ الأجسامُ الغامضةُ التي تملأ الكونَ بإعطائنا أولَ أسرارها!

المصدر: هنا