الفلسفة وعلم الاجتماع > علم الاجتماع

بين أن نكون بشرًا أو كائنات بشرية

لماذا ليس الجميع متشابهون؟ لماذا نختلف في طرق مأكلِنا وملبسِنا وتحيِّتنا؟ كما نختلف في لون شعرنا وعيوننا؟ وثمَّ لماذا تختلف لغاتنا؟ لطالما شغلت مثل هذه الأسئلة البشرية لوقت طويل. ومن المؤكد أن الذين عاشوا قبل آلاف السنوات سألوا نفس الأسئلة: لماذا لا يفعل هؤلاء الأشخاص ما نفعله بنفس الطريقة؟ ما خطبهم؟ ومن المؤكد بأن المجموعات الأخرى من البشرية سألت نفس الأسئلة عن أنماط المعيشة للأشخاص الآخرين. تطرقنا في مقالٍ سابق عن تعريف الأنثربولوجيا ومجالاتها، أما اليوم سنخوض أكثر في معرفة الأنتربولوجيا الماديّة والثقافيّة وكذلك علاقتها مع علم الآثار واللغات. إليكم هذا المقال.

لفترة طويلة جاءت الإجابات عن هذه الأسئلة العميقة والمحيّرة من النصوص الدينية. ولكن منذ القرن التاسع عشر ظهر منظورٌ آخر للإجابة، وذلك عن طريق الدراسة العلمية للإنسان والبشرية وهو علم الأنثروبولوجيا. في البداية كان علم الإنسان أو الأنثروبولوجيا أمرًا غريباً و تتم دراسته دراسةً بسيطةً. فكان نوعًا من الهوايات للمهتمين بأمور الطبيعة. وسرعان ما بدأ العلماء يأخذون الأنثروبولوجيا بشكل جديِّ عندما أدركوا كم يمكن لهذا المجال أن يُعلِّم البشرية عن نفسها. فالآن، أصبحت دراسة الأنثروبولوجيا مَهمَّةً ضخمةً، لذلك قام العلماء بعدة تصنيفات تساعد على الفصل بُغية تجزئة الكل لسهولة الدّراسة والملاحظة.

• الأنثروبولوجيا المادية:

يمكننا ملاحظة الفروق البدنية والجسدية بين مجموعات البشر بسهولة. فيُمكن تفرقة الأوربيون ببشرتهم الفاتحة عن الأفارقة ببشرتهم الداكنة.

فإنَّ هدف دراسة الأنثروبولوجيا المادية دراسة هذه الفروق البيولوجية، ودراسة العرق البشري باعتباره نوعًا بيولوجيًا، وذلك لنفهم لماذا وجدت هذه الاختلافات.

وبالإضافة إلى ذلك فإن الأنثروبولوجيا المادية تدرس الأحافير وتحليل الحمض النووي، كما وتشرح وتوَّثِق لماذا تستطيع بعض المجموعات البشرية تحمل البرودة أو الحرارة ومجموعاتٍ أخرى لا تستطيع.

ويدرس هذا المجال الأمراض التي أصابت البشرية وعلم الوراثة السكانية وغيرها.

• علم الآثار:

من الصعب أن تعرف شخصاً ما دون أن تعرف القليل عن ماضيه. و الشيء نفسه ينطبِقُ على البشريّةَِ ككل. الكثير مما نقوم به اليوم يعتمد على قرارات وأعمال أسلافنا. ولنفهم البشرية علينا أن ننظر إلى الماضي بشكلٍ مُعَمَّق و هذا ما يفعله علماء الآثار. ولكن يمكن للماضي أن يكون ضبابيًا، لأن التاريخ مقيّدٌ بما سجلته النصوص التاريخية فقط، وبالطبع فإن للمؤرخين تحيّزاتهم المختلفة، هذا فضلاً عن أنّهم لم يُدوِنوا كلّ شيء. ولذا يحاول علماء الآثار سدَّ الثغرات في التاريخ، وذلك عن طريق دراسة القطع الأثرية المتبقية من الحضارات القديمة. فإنَّ العثور على قطعةَ فخّارٍ قديمة يُعدُّ أمرًا مهمًا للغاية وذلك ليس فقط لقيمتها الجمالية بل لما يمكن لهذه القطعة إخبارنا عن أسلافنا.

• الأنثروبولوجيا الثقافية:

تقوم الأنثروبولوجيا بالإجابة عن أسئلةٍ أُخرى غير المتعلقة بسؤال "من أين أتينا؟"، فتجيب عن، كيف نشأت الحضارات؟ وكيف انهارت؟ لماذا تختلف ملابسنا؟ لماذا يستخدم الآسيويون العيدان في الأكل بينما تستخدم حضارات أخرى الشّوكة والسِّكين؟ لماذا يمكن للرجل في حضارة أُخرى الحصول على عدة زوجات؟

للأسف فإن معظم الإجابات التي قد نعتقد بأنها منطقية غالبًا ما تكون خطأً. فالعيدان ليست أسلافًا للشوكة والسكين، بل مُجرد طريقةٍ مختلفةٍ لوضع الطعام في الفم. والزيجات في الهند نجدها مختلفة تماما عما هي عليه في المجتمع الألماني. لذلك يهدف هذا المجال إلى دراسة الاختلافات الثقافية وكيف تمت المحافظة عليها وممارستها كجزء من هَوّية هذا الشعب أو غيره.

• علم اللغة:

يستخدم البشر حوالي 6000 لغة للتواصل فيما بينهم. يهدف هذا المجال إلى دراسة تطّور اللغات في مكان ما. بالإضافة إلى ذلك، فإن علماء اللغة يقومون بمقارنة طرق تواصل البشر مع طرق التواصل لدى الأنواع الأخرى. لماذا تنقرض بعض اللغات وتظهر غيرها؟ يحاول هذا المجال الإجابة عن جميع الأسئلة المتعلقة باللغة كوسيلة للتواصل.

تساعد الأنثروبولوجيا البشرية على البقاء على قيد الحياة. تواجه البشرية تحديات هائلة مثل انقراض اللغات، الاكتظاظ السكاني والتغير المناخي. فإذا قمنا بفهم البشرية بشكل صحيح، لماذا هي ما عليه الآن يُمكننا إيجاد الحلول لهذه المشكلات والتحديات الملائمة لهذه التغيرات.

تكمُن روعة الأنثروبولوجيا بأنها أعطت للأشخاص العادين من العصور القديمة صوتًا. فأغلب التاريخ سُجل ليُمجّد القادة والملوك. ولكن الأنثروبولوجيا ساعدتنا على معرفة حياة العمُّال الذين بنوا الأهرامات، وحياة العبيد في أميركا وغيرهم من المسحوقين.

المراجع: