التاريخ وعلم الآثار > التاريخ

فينيسيا (البندقية)... مدينة عائمة على صفحة التاريخ

شاهدتَ صورَها، سحَرَتْكَ بقواربها وألوانِها، حلمتَ ربّما بأنكَ تجوبَها مع حبيبٍ أو صديقٍ؟

حسناً، ربّما لو عرفتَ بعض المعلومات عن تاريخِها وكيف نشأت هذه المدينة الساحرة، ستحبّها أكثر.

تابعوا معنا هذه الإضاءة على البندقيّة لتزيدَ ربّما من دهشتكَ أو شغفِكَ أو حلمِكَ بزيارتها. وإلى حين زيارتها شخصياً تعالوا نزورها في هذا المقال...

فينيسا، أو البندقية كما يعرفها العديد بهذا الاسم، هذه المدينة العائمة المكوّنة من 118 جزيرة تتصلُ ببعضها البعض عبر جسورٍ وقنواتٍ مائيّة عدّة، بدأت قصّتُها في القرن الخامس بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربيّة، حيث بدأ برابرةُ الشمال بغزو أراضي الإمبراطورية السابقة، وهروباً من هذه الهجمات كان عددٌ من سكان البندقية يتجهون نحو الأهوار المجاورة حيث أقاموا ملاجئ في الجزر الرملية تورتشيلّو و ليسولو و مالاموكّو.

وعلى الرغم من أنّ هذه المستوطنات كانت مؤقتةً في البدايةِ، إلا أنهم أصبحوا يسكنوها تدريجياً بشكلٍ مستقرٍّ أكثر ودائم. وكي يحصلوا على أساسٍ متينٍ لأبنيتهم استخدموا الأوتادَ الخشبيّةَ وغرزوها في الأرض الرملية ثم تمّ تشييد منصّاتٍ لتقومَ عليها المنازل.

يشرحُ كتابُ (القرن السابع عشر) بالتفصيلِ إجراءات البناء في البندقية، ويوضح كمّية الخشب المطلوبة، ووفقاً لهذا الكتاب فقد تمّ بناء منصّة كنيسة "سانتا ماريّا دي سالوتي" مثلاً، من 1106657 وتداً خشبياً، طولُ كلٍّ منها أربعة أمتارٍ، وقد استغرق بناؤها سنتين وشهرين حتى اكتملت المنصّة، وعلاوةً على ذلك فقد كان الخشب يُنقَلُ من غابات سلوفينيا وكرواتيا والجبل الأسود. ولكم أن تتخيلوا حجم وضخامة هذا العمل.

قد يبدو مفاجئاً وصادماً بعض الشيء استخدام الخشب كهيكلٍ، لأنّ ديمومة الخشب أقل نسبياً من الحديد والحجر، ولكن يكمنُ سرّ طول عمر الخشب في البندقيّة إلى أنه كان مغموراً في الماء مما أدى لتحوّله إلى أساسٍ صلبٍ بفعل البكتريا والفطريات والأعشاب البحرية.

كمدينةٍ تحيطُ بها المياه، كانت البندقية تمتازُ عن جيرانها بأنها آمنةً من الغزوات، فعلى سبيل المثال حاول ببّين ابن شارلمان غزوَ البندقيةِ ولكنّه فشل لأنه لم يتمكّن من الوصول إلى الجزر التي بُنيت عليها المدينة.

أصبحت البندقية في نهاية المطاف قوّةً بحريّةً كبيرةً لا يُستهانُ بها في البحر الأبيض المتوسّط. ففي عام 1204 م تحالفت مع الصليبيين ونجحوا معاً بالاستيلاء على العاصمة البيزنطيّة القسطنطينيّة.

وكما حمت المياهُ هذه المدينة من الاعتداء عليها إلا أنّها كانت نقطة ضعف فيها. حيث أن منسوب المياه يرتفع حوالي عشر مراتٍ في السنة فيما يُعرف بظاهرة (acqua alta) أو ارتفاع منسوب المياه، إذ يتشكّل المدُّ والجزرُ بفعل العواصف والرياح والأمطار الداخلية الشديدة، وفي الآونة الأخيرة باتت تحدثُ هذه الظاهرةُ بشكلٍ متكرّرٍ بسبب ارتفاع مستوى البحر الناجم عن الاحتباس الحراري والتغيّر المناخي.

لذلك تمّ اقتراح عدة حلولٍ لإنقاذ البندقية من الغرق، وكمثالٍ عن هذه التدابير هو (MO.S.E ) وهو اختصار لـ (التجربة الكهرو ميكانيكية) إذ ينطوي على بناءِ ما يشبه البوابات أو (المصراع) لتفصل البحيرة عن البحر الأدرياتيكي عندما يتجاوز المدّ متراً واحداً فوق الارتفاع المعتاد عليه.

ومع ذلك فإنّ بعض المراقبين قد شككوا بمدى فعالية وجدوى مثل هذه الإجراءات إذ أن المدينة سوف تغرق في نهاية المطاف تماماً كما حدث للمدينة الأسطورية أتلانتيس.

يبقى أن نقول سواءً غرقت هذه المدينة -وهو ما لا نتمنّاه- أو بقيت شاهدةً على التاريخ، فإنّه من حُسنِ حظّنا أننا عشنا في زمنٍ استطعنا فيه أن نشاهد هذه المدينة إن كان شخصياً أو من خلال الصور.

المصدر:

هنا