البيولوجيا والتطوّر > التقانات الحيوية

تجنيد البكتيريا في الحرب ضِدَّ السرطان

التحدُّثُ عن القنابلِ الذكية ومُضادّاتِ التجسّسِ وأنظِمةِ التوصيلِ الموجَّهةِ بالأشِعّة تحت الحمراء قد يثير إنتباه أيِّ مارٍّ بجانب غرفة المؤتمرات في جامعة وايومِنغ Wyoming university، ولكنّ نظرةً على الموجودين كانت كفيلةً بإعادة الطمأنينة إلى قلوب السامعين، حيث اجتمع في تلك الغرفة كُلٌّ من عالم الأحياء الجزيئية مارك غوملكسي Mark Gomelsky، وعالم المناعة جيسون جيغلي Jason Gigley، وأخصائي الهندسة البكتيريّة جيل زيلسترا-ريالس Jill Zeilstra-Ryalls.

لقد كانوا يشرحون استراتيجيتهم: سيتمّ بإطلاق قواتٍ خاصّة تحمل أجهزةً مبرمجةً لتتسلَّل عميقاً داخل مستعمرات العدو، ومن ثُمّ، وبإستخدام الأشعة تحت الحمراء، يتمّ تدمير العدو دون إيذاء المحيطين به.

يقول الفريق العلمي: "سوف ننتَصِر في الحرب على السرطان، وسيكون ذلك بإستخدام البكتيريا وجهاز مناعة الجسم نفسه". هذا ليس خيالاً علمياً، إنّما علمٌ حقيقي.

"أعتقد أنّ هذا سيحدث هذا في المستقبل القريب" عبارة قوية قالها العالم غوملسكي، وذلك بعد قوله بأنّ البشريّة قد تكون وللمرة الأولى قاب قوسين أو أدنى من شفاء أغلب السرطانات.

يقول جوملسكي أنّهم يريدون استخدام بكتيريا مهندسة وراثياً لتستهدف الخلايا السرطانية، حيث تعمل كأسلحة يتمّ التحكّم بها عن بعد دون أذية الخلايا السليمة، وهذا على خلاف العلاجين الكيميائي والإشعاعي. ويضيفُ أنَّ هناك عدة شركات قد وصلوا للتجارب السريرية في استعمال بكتيريا اللستيريا الضارة المضَعّفة كعلاج مضاد للسرطان.

ولكن في هذه الاستراتيجية الجديدة، يشرح الأخصائي زيلسترا-ريالس إهتمامه بإستخدام بكتيريا غير ضارّة تدعى رودوباكتر Rhodobacter، والتي تسطيع التسلل عبر رادار جهاز المناعة والوصول لخلايا السرطان دون التسبّب بمرض في أيّ مكان في الجسم. كما أنّ لهذه البكتيريا القدرة على التوهّج عند تعريضها للأشعة تحت الحمراء، وبالتالي كشف أماكن الخلايا السرطانية.

تعتمد نجاة السرطان على قدرته على خداع خلايا جهاز المناعة، فيمكن القول أنّ الخلايا السرطانية تجعل الخلايا المناعية صديقةً وخادمةً لها.

بسبب هذه الظاهرة، تقوم الخلايا المناعية بالهجوم على البكتيريا في الأنسجة الخالية من السرطان عند إدخال البكتيريا داخل الجسم في حين تتغاضى عن البكتيريا الموجودة داخل خلايا السرطان؛ سبب ذلك أنَّ الخلايا السرطانية تُنشئ مثبّطاتِ مناعة تحيط بالسرطان وهكذت تحمي البكتيريا داخلها من الهجوم المناعي عليها. يُريد الفريق أنْ يستخدم هذه الميزة لتسميم الخلايا السرطانية لتتوقَّف عن إصدار مثَبِّطات المناعة. كما يملك العلماء القدرة على تعديل جينات في البكتيريا لتتقوم بهذه العملية وتنبيه الجهاز المناعي للعدو الذي كان غافلاً عنه.

تمّ إجراء تجارب عديدة لإيقاف التأثير المناعي المُثبّط للخلايا السرطانية بإستخدام أجسام مضادة معيّنة، إلّا أنّ خلايا المناعة المُنَشّطة في معظم الحالات لم تتعرف على السرطان ولم تهاجمه. وبرأي جوملسكي، فقد تكون الخلايا المناعية جاهزة للهجوم ولكنّها لا تعرف هدفها. فالخلايا السرطانية هي خلايا جسم المريض نفسه، ومن الطبيعي ألّا تهاجم الخلايا المناعية خلايا جسمها، وهنا تكمن صعوبة التخلص من السرطان.

يعتقد الفريق أنَّ تخطّي هذه المشكلة يكمن بقتل الخلايا السرطانية باستخدام البكتيريا، وإظهارها لجهاز المناعة الذي يجد فيها هدفاً ويبدأ بمهاجمتها.

ستعمل البكتيريا كمركبة لتوصيل الجينات لداخل السرطان، ليس ذلك فحسب، بل يريد الفريق التحكّم في وقت تفعيل هذه الجينات داخل الخلايا السرطانية، وهو ليس بالشيء السهل. يمكن التحكم بهذا التفعيل عن بعد بإستخدام الأشعة تحت الحمراء، ويعمل الفريق على تطوير الأدوات الوراثية اللازمة لهذا العمل.

يضيف استخدام البكتيريا فائدةً أخرى، وهي تخزين الذاكرة المناعية لهذا النوع من الخلايا، فيهاجم جهاز المناعة هذه الخلايا في حال نشوء السرطان مرة أخرى.

هناك الكثير من العقبات أمام نجاح هذا المشروع، مثل الدعم المالي و تردّد الأطباء عن حقن مرضى السرطان ببكتيريا حيّة.

يقول جوملسكي: "ويبقى أمامنا أنْ نُثبِت أنّنا نستطيع التحكّم بالبكتيريا داخل الجسم. لقد طورنا هذه التقنية، ونحن قاب قوسين من إظهار فاعليتها. ليس في الإنسان حاليا، ولكن في الفئران كنقطة بداية".

المصادر:

هنا