العمارة والتشييد > التشييد

سد سانت فرانسيس: أسوأ كارثة هندسية أمريكية خلال القرن العشرين

على بعد 40 ميلاً تقريباً (64 كم) شمال غرب لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا يقع سد سانت فرانسيس، وهو من السدود الخرسانية الثقلية المقوسة (سد يتم إنشاؤه من الخرسانة يعتمد على وزنه ومقاومته الداخلية من أجل البقاء مستقراً) تم إنشاؤه بين عامي 1924 و 1926 من أجل توفير خزان مائي لشبكة المياه في لوس أنجلوس. وهو كان ثاني سد خرساني يتم إنشاؤه من ضمن تسعة سدود بناها مكتب لوس أنجلوس لمحطات المياه والإمدادات المائية بدءاً من عام 1921. بلغ ارتفاع المنشأ الرئيسي 205 قدم (62.5 متر) بامتداد 700 قدم (213 متر) على طول قمته المقوسة. نتج عن انهيار السد عام 1928 مقتل ما يزيد عن 400 مدني، ويعود ذلك الانهيار إلى سلسلة من الأخطاء البشرية وسوء الحكم الهندسي. وبسبب تلك الخسائر الفادحة في الأرواح والممتلكات تم تقدير الأضرار الواقعة بـ7 مليون دولار. اعتبر البعض ان انهيار سد سانت فرانسيس هو "أسوأ كارثة أمريكية بمجال الهندسة المدنية خلال القرن العشرين".

قام بتصميم السد منفرداً مكتب لوس أنجلوس لمحطات المياه والإمدادات المائية فقط تحت إشراف كبير المهندسين في المكتب ويليام مولهولاند William Mulholland، تعلم مولهولاند مهارات الهندسة بنفسه خلال عمله الطويل في المكتب، وحصل على الاعتراف الوطني والإعجاب بين عامي 1906 و1913 عندما قاد مشروع تصميم وإنشاء القناة النهرية لوس أنجلوس-أوينز، وهو أطول نظام نقل مياه في ذلك الوقت. بالإضافة لذلك، خلال فترة توليه منصب مهندس الإشراف، قام مولهولاند بالإشراف على إنهاء العديد من السدود الردمية. لكن خبرة مولهولاند كانت قليلة في تصميم السدود الخرسانية. فقبل قيامه بتصميم وإنشاء سد سانت فرانسيس، كان قد شارك فقط في تصميم سد خرساني ثقلي آخر فقط.

سد مولهولاند (والذي قد سُميَّ على اسمه تكريماً له) هو سد خرساني ثقلي مقوس على ارتفاع مماثل، أُنشئ بين عامي 1923 و1925. وعلى الرغم من أن خبرته تكمن أساساً في السدود الردمية، إلا أن مولهولاند قد اقترح أن السد الخرساني الثقلي سوف يكون هو المنشأ المناسب للإنشاء خلال تضاريس وادي سانت فرانسيس.

تعدد حالات سوء الحكم من مولهولاند والعديد من مرؤوسيه قد ساهمت بدرجة كبيرة في انهيار سد سانت فرانسيس. والمخططات التي وضعها مولهولاند لسد سانت فرانسيس كانت مُعدة مسبقاً بناءً على سد مولهولاند مع عدم الاهتمام بالتحريات الحقلية بشكل جيد. عند الانتهاء من وضع المخططات وبعد أن بدأت عملية التشييد، ازداد ارتفاع السد بـ10 اقدام (3 متر) أخرى في مكانين منفصلين من أجل توفير مستودع تخزين إضافي ضروري من أجل الحفاظ على النمو الاجتماعي المحيط بالسد وتلبية احتياجاته. وعلى الرغم من أن إجمالي هذه التعديلات زادت من ارتفاع السد بـ20 قدم (6 متر) ، إلا أنه لم يتم إجراء أي تغييرات على عرض قاعدة السد. ونتيجة لذلك، انخفض عامل الأمان بشكل ملحوظ، وهو عبارة عن هامش أمان يتم وضعه أثناء مرحلة التصميم للحفاظ على ثبات واستقرار المنشأ. وقد اعترف فريق مولهولاند بهذا الأثر. ومع ذلك فإن عملية التحليل الهندسي، ومواد البناء الإضافية، وزيادة المدة الزمنية للتنفيذ من أجل مراعات زيادة ارتفاع السد؛ كانت مكلفة جداً بالنسبة للمشروع ولأصحاب المصالح الذين استثمروا مالياً في بناء وتشغيل السد.

انهار سد سانت فرانسيس في منتصف ليلة 12-13 آذار عام 1928، بعد 12 ساعة فقط من آخر تفتيش قام به مولهولاند. بعد مرور فترة طويلة وأثناء إجراء التفتيش الأخير، لوحظ وجود تسريبات بسبب شروخ داخل السد الرئيسي وعلى دعاماته ولكنه صرف النظر عنها باعتبارها من الظروف النموذجية المرافقة بهذا النوع من السدود.

أثناء التحقيق في سبب الانهيار، كان من الواضح أن التصميم المقترح لسد سان فرانسيس لم يتم مراجعته من قبل أي طرف مستقل. وكان من الواضح أيضاً أنه قد تم تصميمه لمقاومة الضغوط الصغيرة على الأساسات فقط، وليس القدرة على الاستيعاب الكامل للارتفاع المائي (وهي القوة الهيدروستاتيكية للمياه التي تؤثر على الهيكل أو من تحته وتميل إلى التسبب بإزاحة المنشأ من مكانه). وتشير التقديرات إلى أن التصميم أظهر معامل أمان أقل من 1، في حين ادعى مولهولاند أن معامل الأمان الذي استخدمه في تصميمه من 4

وعلى الرغم من اختلاف الآراء، تشير الكثير من التحقيقات الأخيرة والأكثر شمولاً أن الفشل النهائي حدث بسبب ضعف في الدعامة الحجرية اليسرى، وذلك نظراً للحالة المُشبعة التي أنشأها خزان المياه، والذي بدوره أعاد تنشيط انهيار أرضي ضخم ترافق مع قوة الرفع مزعزعاً ثبات السد الرئيسي ومسبباً بذلك انهيار بدأ حدوثه في النهاية اليسرى للسد. وتوالت الأحداث بسبب الفشل الذريع الذي حدث في النهاية اليسرى للسد، فقد تسبب ذلك بحدوث ميل واستدارة لأعلى جزء في السد مما سبب ضعف في النهاية اليمنى للجسم الرئيسي للسد، مسبباً بذلك انهيار كارثي في النهاية اليمنى أيضاً.

في أعقاب ذلك الانهيار، تحمّل مولهولاند كامل المسؤولية عن الحادث خلال جلسة الاستماع لاعترافاته وصرّح قائلاً: "لا تلوموا شخصاً آخر، تعلمون أنكم تستطيعون أن تُلصقوا التهمة بي. إن كان هناك خطأ بشري، فأنا هو صاحب ذلك الخطأ" وقال أيضاً: "أنا أحسد أولئك الذين لقوا حتفهم" وأنهيت حياته المهنية بالتنحي عن منصب رئاسة مكتب مدينة لوس أنجلوس لمحطات المياه والإمدادات المائية بعد فترة وجيزة من الانهيار.

المصادر:

هنا