الطبيعة والعلوم البيئية > عجائب الأحياء

الفيلة.. مجتمعٌ يفيضُ مشاعراً - هل تتفوق الفيلة عاطفياً على الإنسان؟

يختلف الناس حول قدرة الحيوانات على الشعور بالعواطف، حيث اعتقد فيثاغورث أنها تتعرض لنفس عواطف البشر، واليوم، توفر الأبحاث التي تجرى على أدمغة هذه الحيوانات أدلةً على شعورها بمجموعةٍ كاملةٍ من العواطف بما فيها الخوف والفرح والخجل والاستياء والغضب والحب والرحمة والاشمئزاز واليأس.

تَصعُب دراسة العواطف عند الحيوانات خاصةً تلك التي تعيش في البرية، حيث يعترض العديد من العلماء على أن البحث المنهجي في البرية قد يكون مضللاً أو ضعيفاً، كما أننا لسنا من هذه الحيوانات لنفهمها ونفهم مشاعرها. لكن وفي الوقت نفسه، من الصعب مشاهدة فيل يروح يمنةً ويسرى فرحاً بمولود جديد أو سعيداً للعبه مع الآخرين دون أن يُفسَّر ذلك كنوع من العواطف.

يستبعد العلماء أن تكون العواطف الثانوية قد تطورت فقط لدى البشر، وتُشكّل الفيلة مادةً دسمة تُجيب على العديد من التساؤلات، حيث يَثق بول Poole الذي درسها مطولاً من وجود عواطفَ لدى الفيلة لا يمتلكها البشر، والعكس بالعكس، بالإضافة إلى وجود عواطف مشتركة.

الفيلة، أكبرُ الحيوانات البرية على كوكب الأرض، ومن بين أكثرها تعبيراً عن مشاعرها؛ يمكن إيجاد عواطف الفرح والغضب والحزن والتعاطف والمحبة، وأرقى العواطف بين أفراد هذه القطعان الثقيلة. وجد العلماء خلال سنوات من البحث أن الفيلة قادرة على التفكير المعقد والشعور العميق، كما أنها تتعلق عاطفياً بأفراد الأسرة بشكل قد يفوق بعضنا نحن البشر.

وسنحاول فيما يلي الحديث بشيء من التفصيل عن المشاعر التي تحس الفيلة بها، كلٍ على حدى.

الفرح:

إنها العاطفة التي لا تخجل الفيلة إظهارها؛ فهي تعبر عن سعادتها عندما تكون بين أحبائها من أفراد أسرتها أو أصدقائها. كما يثير اللهو واللعب وإلقاء التحية فرحها، إلا أن الحدث الأكثر إثارةً لسعادتها هو ولادة فيلٍ طفل! فقد يسمع خوار الإناث الحماسي والذي لا يمكن تحمله، تعبيراً عن فرحها بولادة دغفلٍ جديد. عدا عن ذلك، فإن لمّ شمل الفيلة اجتماع بهيجٌ أيضاً إذ ترحب الأسرة بعودة الفيل الغائب، وعلى النقيض فإن إبعادها عن بعضها يمثل تراجيديا مؤلمة.

فعند لم الشمل تبدأ الفيلة بدعوة أقرانها من على بعد ربع ميل، وعند اللقاء يمكنك مشاهدة الفرح ينساب على شكل مفرزات من الغدد المؤقتة* على خدودها، وستشاهدها تركض باتجاه بعضها وتصرخ معظم الوقت، وترفرف بآذانها وتعانق أنيابها العاجية.

الحب:

ليس في مجتمع الفيلة حبّ أعظم من حبّ الأمهات، ولا شك أنك ستلاحظ ذلك إن رأيت دغفلاً مع أمّه، فرغم أنه صغيرٌ جداً أمامها لكنه يمشي تحتها دون أن تخطئ وتدوسه. وإذا ما ابتعد عنها فإنها تجلبه مجدداً، ولا تنفك تلمسه بأطرافها أو خرطومها، ترش عليه الماء وتحميه من الشمس والمفترسات. لذلك لا عجب أن تدوم العلاقة بينهما 50 عاماً وأكثر.

الحزن:

تتذكر الفيلة آباءها وأجدادها وتعيش فترات حداد بعد موتهم، حتى أنها تقفُ صامتةً لبضعةٍ من الدقائق إذا ما مرت بمكان فقدت فيه أحد أحبتها. وتقف الفيلة لتلامس رفات أحباءها وليس عظامَ أي نوعٍ آخر، تتحسس رائحته وتداعب بقاياه. ولم يستطع العلماء تفسير هذا السلوك إلا بكونه حزناً ومحاولةً لاسترجاع الذكريات أو التعرف على الفيل النافق. أياً يكن فإن الفيلة ولا شك تُدرك مفهوم الموت. تحزن الأمُّ إذا فقدت صغيرها وتتأخر عن اللحاق بالقطيع عدة أيام، كما تقطع الفيلة الأخرى بعض فروع الأشجار لتلقيها حول الجثة عندما تتأكد من موت الفيل. وأحياناً قد تقف الأمهات حارسةً للطفل الميّت عدّة أيام وآذانها متدلية وتبقى هادئةً لا تكاد تتحرك إلا ببطء كما لو كانت مكتئبة.

الخوف، الضيق والغضب:

للأسف فهذه من مشاعر الفيلة أيضاً، فالفيلة الصغيرة التي رأت أمها تُقتَل، شوهدت وهي تستيقظ كثيراً صارخةً أثناء الليل، ويعتبر الاكتئاب لدى الفيلة اليتيمة ظاهرةً حقيقية، تُفسَّرُ باضطراب ما بعد الصدمة. تعاني الفيلة أيضاً من التوتر المزمن والذي يبقى لعقود بعد فقدانها لمواطنها، ولعلّ ارتفاع مؤشرات الغضب لدى الفيلة البريّة مؤخراً هو نوعٌ من الإجهادات النفسية التي تصاب بها الفيلة، حيث يُقتل 300 شخصٍ سنوياً في الهند بسبب غضب الفيلة، لكن ذلك غالباً ما يرتبط بتواجد الإنسان في مواطنها ومراعيها.

إن بحث الإنسان الدؤوب عن الموارد ومنافسته للكائنات الأخرى قد يتسبب في تعطيل شبكات الفيلة الاجتماعية والأسرية المعقدة، الأمرُ الذي يدفع بالفيلة للعنف تجاه القرى والقرويين.

الرحمة والإيثار:

تقدم الفيلة عطاءاتها للفيلة الأخرى في القطيع حتى لو لم تكن من أبنائها، وقد يتنقل القطيع كاملاً ببطء مراعاةً لأحد أفرادها المُصاب، بل حتى أنها شوهدت وهي تساعد وحيد قرن صغير كان قد علق في الوحل لتقدّم صورةً من الإيثار قلما تُشاهد في الطبيعة.

أخيراً يوجد خلاف كبير حول الحياة العاطفية للحيوانات وهي بحاجة للمزيد من الدراسة التي يجب أن تجيب على أسئلةٍ من قبيل؛ إذا كانت المشاعر تحركنا فلمَ لا تفعلُ الشيء نفسه مع الحيوانات. لابدّ أن الفهم الإضافي والتبصر لأنظمة التشغيل العاطفية في الدماغ أمرٌ ضروريٌّ، ولابدّ أيضاً أننا معرّضون للفهم الخاطئ أحياناً لمشاعر الحيوانات، لكنّ ذلك لا يجب أن يكون حجّةً لإيقاف مثل هكذا أبحاث.


حاشية:

الغدد المؤقتة Temporal glands: غدد مفرِزة تتوضّعُ على جانبيّ وجه الفيلة تتنشط بحالات فيزيولوجية خاصة تدعى musth يثور فيها الفيل الذكر، ويرتفع في مفرزاتها التستوستيرون ومجموعة مركبات كيميائية طيارة ويعتقد بأنها تؤثر في علاقة الذكور بالإناث.

المصادر:

هنا

هنا

هنا