الهندسة والآليات > التكنولوجيا الطبية

التنبؤات الطبية للحواسيب هل تنقذ حياة الإنسان عندما يستطيع الحاسوب التنبؤ بالصدمة الإنتانية

يعادِلُ معدّل الوفيّات الناتج عن أمراض الرئتين والإيدز وسرطان البروستات مجتمعين معدل الوفيّات الناتج عن إنتانات الدم، ومن أجل هؤلاء المرضى المصابين بتعفّن الدمّ فإن عدّة ساعات يمكن أن تشكّل فرقاً ما بين الحياة والموت.

خَطَتْ الأبحاث المتعلّقة بالتشخيص المبكر لهذه الحالة حالياً خطوةً نحو الأمام، حيث قامت مجموعةٌ من علماء الحاسب من جامعة جون هوبكينس بالتعاون مع د.ديفيد هاجر – وهو طبيب في مستشفى جون هوبكينس في ميريلاند- بتطوير طريقةٍ فعّالةٍ لمعرفة المرضى المعرّضينَ لخطر الإصابةِ بصدمةٍ إنتانيّةٍ [1] ،وتتضمّن هذه الطريقة خوارزميّةً تستطيع التنبؤ بها وتعطي المعالِجين وقتاً أطول لمعالجة المريض المعرّض للخطر. [2]

تعد الصدمة الإنتانية الدرجةَ الثّالثةَ من تطورات الإنتانات الدمويّة، وينتج إنتان الدمّ عن ردّة فعلٍ شديدةٍ للجهاز المناعي بسبب الإصابة بعدوى ما، وفي حال عدم معالجة هذه العدوى فإنّها يمكن أن تسبب التهابات في كامل الجسم قد تؤدي إلى جلطة قد تسد الأوعية الدمويّة، مما يمكن أن يسبب فشلاً في الأعضاء الحيويّة للجسم نتيجة منع وصول الدمّ إليها. [1]

يعالج الأطباء الصدمات الإنتانيّة عن طريق توسيع الأوعية الدمويّة، أو بإعطاء المرضى سوائل مناسبةً للمحافظة على الضغط الطبيعي للدم، وبالتالي إعادة ضخ الدمّ إلى الأعضاء المهمة. يمكن أن تتطور الأعراض التّي تنذر بخطر الإصابة بصدمة إنتانيّة خلال أسابيعَ أو ساعاتٍ قليلةٍ. [2]

يقول أحد الباحثين "نحن نعلم أن التشخيص المبكر لإنتان الدمّ قبل أن يتطوّر إلى صدمة إنتانيّة، يمكن أن يجنب العديد من الوفيّات، إلا أن ذلك لا يتمّ حالياً إلّا عندما يصبح هذا المريض على أبواب الموت، مع العلم أن كلَّ ساعةٍ تمضي دون أن يأخذ هذا المريض المضادات الحيويّة المناسبة تقربّه أكثر من الموت". [1]

لبناء هذا النظام قام نظامٌ حاسوبيٌ بالتدقيق في السجلات الصحيّة الالكترونية لأكثر من 16،000 مريض،حيث تضمنت هذه السجلات معلومات عن ضغط الدم، معدل ضربات القلب، والعديد من القياسات الفيزيولوجية الأخرى. جمعت الخوارزمية 27 قياساً من أكثر القياسات المهمّة لتشخيص الإصابة بالصدمة الإنتانيّة تتيح تقديم نتائجَ تحذيرية لمدى إمكانية إصابة هذا المريض بتلك الصدمة، وفي حال أظهرت النتائج أنّ هذا المريض في خطر فإنّ إنذاراً يرسل إلى الطبيب المعالج لكي يتّخذ الإجراءات المناسبة في الوقت الذي تكون فيه الإنتانات الدمويّة قابلة للمعالجة نسبيّاً.

قامت هذه الخوارزمية بتوقع إصابة المرضى بالصدمة الإنتانية بنسبة 61 بالمئة قبل إحدى منافساتها في هذا المجال وهي طريقة نتائج التحذير المبكّرة المعدّلة، ولا تقتصر ميّزات هذه الخوارزمية على أنّها تقوم بتوقع الإصابة بشكل أبكر فقط بل أنّها أكثرُ دقّةً أيضاً، حيث قامت بتوقع إصابة المرضى بشكل صحيح بنسبة 85 بالمئة من المرّات بينما كانت نسبة منافستها 73 بالمئة. [2]

إنّ إحدى نقاط القوّة المتعلّقة بهذه الخوارزمية هي أنّ كل المعطيات التي تتضمنها هي معطيات تُسجَّل روتينيّاً لأي مريض في المستشفى وبذلك لا تحتاج لأي تحاليل جديدة أو قياسات خاصّة بها. وتتميّز عن سابقاتها بأنّها مبنيّة على قاعدة بيانات أضخم ،وتأخُذُ بعين الاعتبار عوامل ومؤشرات صحيّة أكثر. [1]

يؤكد الطبيب هاجر على أهميّة هذا البحث حيث يقول "يعاني أكثر من 750،000 شخص في الولايات المتّحدة الأمريكية من إنتانات دمويّة شديدة وصدمات إنتانيّة ،وبالنسبة لـ 40 بالمئة من هؤلاء الأشخاص فإنّ هذه الحالة تكون مميتة" .

تقول سوشي ساريا -الباحثة الرئيسية في قسم الحاسوب- أنّ إحدى العقبات التي يجب تجاوزها هي صعوبة التعامل مع المعطيات الالكترونية المتعلّقة بالصّحة، فجزء من المشكلة هو أنّه يمكن حدوث خطأ منتظم في المعلومات الصحيّة المسجّلة. وكمثال على ذلك فإنّ مريضاً تمّت معالجته بنجاح سيظهر على أنّه في خطر ضئيل تبعاً للتسجيلات الالكترونيّة، وذلك لأنّه قد تمّ تجنّب الصدمة الإنتانيّة. مثل هذه الحالات تسبب خللاً في عمل الخوارزميّة.

صورة تُظهر سوشي ساريا وإحدى الباحثات أثناء تحليلهم للبيانات المأخوذة من المرضى

واستطاعت ساريا وفريقها التعامل مع هذه المشكلة بإضافة خوارزميات تتعرّف على الأنماط المختلفة تمكّن الحاسوب من تجنّب الخطأ بين المرضى المعرّضين لخطر كبير والمرضى المعرّضين لخطر ضئيل. ويمكن إعادة تصميم هذا النظام الحاسوبي ليساعد في حالات طبية مختلفة كالإصابات الرئوية الحادة، الالتهابات الرئويّة والأمراض التي تصيب المريض بعد إعادة تأهيله مثل الاعتلال العصبي.

تقولُ ساريا "نحن نمرّ الآن بأوقات مثيرة جدّاً، قاعدة البيانات الّتي تعتمد عليها خوارزميتنا تزدادُ يوماً بعد يوم وهي الآن قد وصلت إلى مرحلة تمكّنها حقاً من أن تكون مفيدة جدّاً للأطباء " [2]

تعطي جميع هذه الجهود المبذولة أملاً بمستقبلٍ أفضل نتمكّن فيه من معالجة جميع الأمراض في أطوارها الابتدائيّة فتصبح الأمراض المهدّدة للحياة أمراضاً يمكن معالجتها ببساطة...

[2]

المصادر:

[1] هنا

[2] هنا