التعليم واللغات > اللغويات

تطور اللغة: لغة أصيلة نادرة تُظهر أنَّ البشر يدركون الألوان بالطريقة نفسها

يُعدُّ استخدامُ اللغات استخدامًا معقدًا أهم ما يميز البشر الذين يتحدثون آلاف اللغات، لكننا لا نمتلك الكثير من المعلومات والأفكار الأكيدة عن كيفية تطور استخدام هذه اللغات حتى وصلت إلى شكلها الحالي؛ هناك لغة نادرة وأصيلة تتحدثها مجموعة صغيرة من الناس لا يزيد عددها على الألف قد غيرت نظرة الباحثين إلى تطور اللغات البشرية، وخصوصًا فيما يتعلق بمقدرة البشر على فهم الألوان وتسميتها. إنَّ متحدثي هذه اللغة هم قبيلة بدوية يطلق عليها اسم (هادزا) تعتمد في حياتها اعتمادًا أساسيًا على الصيد وتعيش شمال تنزانيا، وقد استطاعت هذه القبيلة الحفاظ على ثقافتها المحلية في مأمن من الاحتكاك مع العالم الخارجي، ما أبقى لغتها فريدة من نوعها، وهذه اللغة غنية بالمفردات لكنها تفتقر إلى عدد من الكلمات الضرورية التي نستخدمها في وصف الألوان.

اعتمادًا على هذه المعطيات، أوجدت دراسةُ المفردات المتعلقة بالألوان في هذه اللغة فرصةً مهمة للمساعدة على فهم كيفية تطور اللغة، لا سيما أن العلماء لم يتوصلوا بعد إلا إلى كمية قليلة من المعلومات عن آليات إدراك الألوان؛ فقد طلب فريقٌ من الباحثين من بعض أفراد قبيلة (هادزا) أن يُسمُّوا ألوانًا معينة وفي أثناء ذلك لاحظوا الأنماط المنبثقة عن الألوان التي تمكن أفراد القبيلة من تسميتها وصنفوها، وأظهرت النتائج أن المشاركين كانوا قادرين على إدراك اللون الأبيض والأسود والأحمر بدقة، في حين واجهوا بعض الصعوبات في تسمية الألوان الأخرى واكتفوا بقول "لا أعرف". واستنتج الباحثون أنَّ النمط الذي يستخدمه أفراد هذه القبيلة تطابق تطابقًا كبيرًا مع الأنماط التي يستخدمها المهاجرون المتحدثون باللغة الصومالية ومتحدثو اللغة الإنكليزية، بالإضافة إلى تطابقها مع أكثر من مئة لغة أخرى حول العالم.

وعلى الرغم أن هذا الاكتشاف أشار إلى افتقار أفراد قبيلة (هادزا) إلى المفردات القادرة على وصف الألوان، فقد أوضح أنهم يملكون الآلية اللغوية الضرورية لتأدية هذه المهمة؛ وتقول (دلوين ليندسي)، إحدى القائمين على هذا البحث، إنه يمكننا فهم الكلمات على أنها سلالات قيد التطور؛ إذ تتنافس هذه السلالات فيما بينها في سبيل الحصول على حيز داخل عقولنا، وأضافت أيضًا إنه يمكن عدُّ هذه الدراسة مثالًا يعكس تطورنا الثقافي الذي يعكس بدوره تطورنا البيولوجي.

 

ومن الجدير بالذكر أنَّها ليست المرة الأولى التي يلاحِظ فيها العلماء ترابطًا بين الألوان واللغة. وعلى الرغم من قدرتنا المتماثلة على إدراك الألوان بالشكل نفسه، كشفت دراسةٌ أجريت عام 2008 على أفراد قبيلة (هيمبا) في ناميبيا أن معرفة مصطلحات الألوان تنمِّي مقدرتنا على إدراك تدرجات الألوان المختلفة؛ فالشعب الناميبي على سبيل المثال ليس لديه في لغته كلمةٌ تشير إلى اللون الأزرق، لكن سلسلةً من التجارب أظهرت أن مثل هذه الحالة قد ساهمت في تعديل مقدرة هذه القبيلة على التمييز الدقيق بين الأزرق والأخضر المتقاربين جدًا بعضهما من بعض على طيف الألوان.

المصدر:

هنا