الهندسة والآليات > التكنولوجيا

سلسلة التكنولوجيا في الرياضة الجزء الثالث: بدلات Fastskin-3 من سبيدو Speedo

بعد دورة الألعاب الأولمبية في بكين 2008 والنتائج المدوية التي شهدت تحطيم أغلب الأرقام القياسية العالمية في السباحة بدأت الشكاوي تتزايد حول مدى تأثير بدلات السباحة على مستوى السباحين،كانت النتيحة قراراً بمنع البدلات التي تغطي كامل الجسم مع مجموعة من التشديدات على عوامل أخرى. هذه التشديدات كان لها تأثير على شركة “speedo” الرائدة في عالم بدلات السباحة دعتها للانتقال خطوة إضافية إلى المستقبل. للتعرف على مواصفات بدلة السباحة الجديدة وطريقة تطوريها تابعوا معنا المقال التالي:

المقال:

في عام 2009، بدأ فريق البحث في شركة "سبيدو" بتبادل الأفكار لإيجاد طرق مبتكرة لمساعدة الرياضيين كي يتمكنوا من السباحة بشكل أسرع. حدث ذلك بعد حظر بدلات السباحة المصنوعة من "بولي يوريثين" والتي ساهمت في تحطيم الأرقام العالمية في الأشهر الـ 18 التي سبقت هذه الأبحاث. وانطلاقا من مبدأ التفكير خارج الصندوق، قام ممثلو الشركة بالإنطلاق خارج مختبراتهم وانضموا لنقاشات مع أكاديميين، مدربين، وباحثين في أماكن متعددة حول العالم.

يقول "جو سانتري" مدير البحث في المختبر المائي للشركة في بريطانيا: " تم خوض العديد من المناقشات التي تضمنت أفكاراً بعضها جريئة ومعتوهة، حتى أن بعض التصاميم المبدئية التي قُدمت كانت تشابه بدلات الأبطال الخارقين التي تظهر في أفلام Marvel. "

وكان الهدف الرئيسي هو استبدال بدلة "LZR" المطاطية سيئة السمعة والتي تعمل بشكل يضغط جسم السباح فيما يشبه حبس الهواء ضمن الأنبوب، مضافاً إليها عوامل لتقليل السحب وزيادة الطوفان. وتقول "سبيدو" أن 98 % من الميداليات في دورة الألعاب الاولمبية عام 2008 مُنحت لسباحين ارتدوا LZR. حتى أن مايكل فيلبس استطاع تحقيق 7 أرقام قياسية في بكين عندما كان يرتدي هذه البدلةـ إلا أنه صفق لحظرها.

وأتت القوانين الجديدة عام 2010 لتسمح للسباحين الرجال بارتداء بدلات من السرة إلى الركبة، ومن الأكتاف إلى الركبة للسيدات. كما يجب أن يَسمح القماش بنفاذ الهواء ولا يُسمح أن يكون للبدلة أي نوع من أدوات التثبيت مثل "السحاب". في نهاية المطاف، قررت "سبيدو" إعادة بناء " نظام متكامل" بدلاً من البدلة فقط وذلك بالدمج بين البدلة والنظارات وغطاء الرأس وذلك لخلق انسجام بينها يساعد على تحسين الأداء وتخفيف الاحتكاك.

استغرق هذا الأمر من الباحثين في "المختبر المائي" ما يقارب 4 سنوات من العمل المتواصل وعدد ساعات عمل أكبر 55 ألف ساعة عمل لإنتاج ما أسمته الشركة بنظام " Fastskin 3 ". ولم يتوقف العمل على الطاقم المؤلف من 19 شخصاً بل تم رفدهم بمجموعة من الخبراء الخارجيين المختصين في عدة مجالات انطلاقاً من الهيدرويناميك وهندسة الطيران مروراً بمنتجي أنسجة النانو وإنتهاءاً بخبراء في علم الحركة والميكانيك الحيوي وديناميك السوائل وحتى علم النفس الرياضي -الذين اقترحوا إضافة طبقة ذات لون مزيج من الأزرق والرمادي للعدسات مما يساهم في غرس الشعور بالهدوء والتركيز لدى السباحين. كما قاموا بتطبيق إحدى تقنيات العصف الذهني والمسماة " قبعات التفكير الستة" و طريقة " العصف الذهني العكسي" متخيلين أن الهدف هو إنشاء بدلة تجعل السباحين أبطأ ما يمكن فكانت النتيجة استخدام نظارات ضخمة وبدلة ضيقة جداً تضغط جسم السباح وتنشئ احتكاكاً كبيراً. علَّق مدير الأبحاث سانتري أنه كلما كانت الأفكار أكثر جنونية كانت تؤدي لنتائج أفضل.

وقام الباحثون بمسح أجسام الرياضيين ضمن فضاء ثلاثي الأبعاد بهدف إنشاء نماذج Avatars يتم إدخالها لبرمجيات خاصة بديناميك السوائل للكشف عن الاضطراب و الاحتكاك الناتج، وذلك بآلية مشابهة لما يتم القيام به في النمذجة الهوائية المستخدمة في سباقات السيارات. وكانت النتائج مفاجئة نوعاً ما حيث أنه قد تم اكتشاف وجود كمية كبيرة من الاضطراب في الجزء العلوي من الجسم والناجم عن الرأس والنظارات. مما يؤدي لتباطئ السباح، لذلك كان الهدف تزويد السباح بآلية مماثلة لما هو موجود في سيارات الفورميلا 1 والتي تسمح للمتسابق بتعديل تدفق الهواء.

هذه النقطة شكلت الجانب الأكثر ثورية في نظام السباحة وهو إعادة تصميم النظارات والقبعة. فقاموا بمسح شكل رؤوس الرياضيين من مختلف أنحاء العالم ودمج المعلومات الناتجة في برمجية خاصة لتشكيل نموذج متوسط لشكل الرأس، مما يسمح بجعل النموذج المنتج ملائما ل 95 % من السباحين حول العالم. وأضاف مدير الأبحاث والذي كان مسؤولاً فيما سبق عن تطوير شكل خُوَذ الرأس لدى سائقي الدراجات، أنه في ذلك الوقت قد استخدم شكل الدمعة لتلائم ديناميكية الهواء، وأن قبعة الرأس يجب أن تنطلق من المبدأ ذاته وذلك بإنشاء منطقة لشعر السيدات لتشكل ما يشبه الذيل في الجزء الخلفي من الرأس.

وعلق أيضا أن النتائج هذه قد تم الوصول لها سابقا خلال الأبحاث التي أجرتها الشركة في بكين سابقاً، ولكن هذه المرة كان لديهم الخبرة داخل الشركة إضافة للزمن اللازم لإعادة إنتاج النظارات والقبعة من الصفر. وهذا ما سمح بالحصول على فرصة للتلاعب وتجريب كل الأفكار حتى تلك التي تقارب قصص الأبطال الخارقين أكثر من الواقع.

وقامت الطابعة الجديدة الثلاثية الأبعاد في المختبر المائي بإنتاج نماذج عن القبعات والنظارات خلال ساعات مما وفر الكثير من الزمن الذي كان ستستغرقه عملية تصميم الرسوم ثم إرسالها إلى المصنعين وانتظار أسابيع أو شهور. هذه التقنية ساعدت الشركة على إيجاد مساحة حرية كبيرة لإعادة التصميم من الصفر في الوقت الذي كانت التعديلات سابقا تقتصر على إضافة وتعديلات على النموذج القديم فقط.

أما بالنسبة للبدلة فقد أمضى الفريق عاماً كاملاً في اختراع نسيج جديد يستطيع أن يَخلِق فرق ضغط على سطحه بحيث يتضمن مناطق تحتوي على نسيج " ليكرا" بنسبة أكبر. والنتيجة كانت أن "Fastskin" تضغط الجسم بمقدار ثلاثة أضعاف ما كانت تقوم به LZR. بحيث أن الضغط يكون أقل ما يمكن في الصدر والمعدة وأكثر ما يمكن في الأرداف والوركين. وذلك في محاولة لتحويل السباحين إلى ما يشابه الأنبوب.

وكنتيجة لتلك النتائج فإن الشركة قامت بالتقديم على 9 براءات اختراع لنظامها "Fastskin-3". وقالت الشركة أن 6 مصانع فقط تستطيع إنتاج هذا النوع من النسيج الضاغط وهي تملكها كلها.

وفي المراحل الأخيرة من التجارب، تمت دعوة مجموعة من السباحين لارتداء البدلة والسباحة في حوض السباحة المتطور ضمن مختبرات "InnoSportlab De Tongelreep" في هولندا وتسجيل التجارب بكاميرات تعمل تحت الماء وأنظمة قياس السحب. وقالت سبيدو أن Fastskin-3 بالمقارنة مع البدلة التقليدية استطاعت تقليل السحب السلبي والمقاومة المنتجة من جسم السبَّاح أثناء السباحة بشكل منبسط بمقدار 16.6 بالمئة والسحب الفعلي والمقاومة من السطح بمقدار 5.2 بالمئة. وبمقارنة معدلات الأوكسجين الداخلة والخارجة من جسم السباحين أثناء سحب أنفسهم فوق مستوى الماء فإن التقارير أشارت لتحسين في عملية توفير الأوكسجين بمقدار 11 بالمئة.

وأضاف سانتري أن الأمر مشابه لما هو في السيارات كمعدل استهلاك الوقود في كل كيلومتر، فالسباح الآن يمكنه السباحة بنفس السرعة ولكن باستخدام وقودٍ " هواء" أقل. أي أنها تسمح له بالسباحة بشكل أقوى ولمدة أطول.

وقامت الشركة أيضا بمسح أجساد الرياضيين لتشكيل نماذج ثلاثية الأبعاد تسمح لها بموازنة حجم البدلة. فمجرد ارتداء Fastskin يحتاج لجسد رياضي. فبعض السباحات إدَعين أن محاولة ارتداء البدلة في المرة الأولى استغرقت ساعة كاملة. إلا أن سانتري أكد على أن الأمر مع التدريب لن يستغرق ارتداؤها أكثر من 10-15 دقيقة. وقال أنها بالطبع في المرة الأولى ستكون شاقة فهناك قدرٌ كبيرٌ من الضغط في البدلة مما يجعلك تشعر ببعض الغرابة.

ولم تتوقف الشركة عند هذا الحد بل قامت بالعديد من التطويرات وصولاً إلى الوقت الراهن لتقدم العديد من النماذج الجديدة المطورة ولكن ما زالت تعتبر “fastskin-3” العلامة الفارقة لأنها نقلت بدلات السباحة إلى مرحلة جديدة.

المصدر:

هنا