كتاب > الكتب الأدبية والفكرية

أن تكون فرداّ في جماعة الأسود.. خيرٌ لك من أن تقودَ النّعاج.

يُقدّمُ هذا الكتاب عرضاً عميقاً للوجودية، ويحلّلها بصدقٍ وأمانة، ويبدّدُ كثيراً من الأوهام التي ارتبطت بهذا المَذهب. ويعَدُّ هذا الكتاب فرصةً لمعرفةٍ متعمقةٍ للحديث عن هذا التيار الفكري الحديث مع ذكر مزاياه وعيوبه شأنه شأن أي إنتاج للعقل الإنساني.

لقد اتّبع المؤلف الأسلوبَ العرضيّ في كتابة هذا الكتاب، حيث يتناول المفاهيم والأسس وأهم الأفكار في هذا المذهب. ويُركّز تركيزاً خاصّاً على المفاهيم الوجوديّة الشهيرة كالحريّة، القرار، المسؤولية، الاختيار، الوجود، الماهية، التناهي، الموت، الزمانية والدّين، دون أن ينسى التعرض إلى الوجود مع الآخرين والعلاقات بين الأشخاص وكذلك المشاعر.

يعالج أيضاً موضوعاتٍ جديدة مثلَ نظريّة المعرفة عند الوجوديّة، الفكر، اللغة، التاريخ ،المجتمع ونقد الوجوديّة الاجتماعي والسياسي، وكذلك تأثير الوجوديّة في العلوم والفنون المختلفة.

ترجع أهمية الكتاب إلى الطريقة التي يعالج بها المؤلف الوجوديّة، والتي تعد طريقةً مبتكرة حيث لم يتناول هذا المذهب الفلسفي بالطريقة الكلاسيكية، والتي هي عبارةٌ عن عرضِ أهم أفكار روّاد ومفكري الوجوديّة، بل اتّبع طريقة تصنيفها حسب المواضيع مع ذكر رأي كل مفكر.

فهذا الكتاب يقدّمُ دراسة وتقويماً شاملاً وذلك عن طريق دراسة الموضوعات لا الأشخاص، فكلُّ فصلٍ يَدرس موضوعاً رئيساً في هذه الفلسفة، ويرتاد جون ماكوري في كتابه هذا مجالاتٍ جديدة توضّحُ بعض الأفكار المشوّهة عن الوجوديّة والتي كثيراً ما روّجها أعداؤها، ويُوضح العلاقة بين الوجوديّة وعلم النفس والأدب والفن واللاهوت، ومن ثمَّ يُركّز المؤلف على الجوانب الروحية التي تُبرزها الوجوديّة بوصفها التعبير الوحيد عن الوجود الإنساني الأصيل. ويناقش ما أُشيع عن الوجوديّة من أنها تُحلِّل كل القيم وتُنفِّر من الأخلاق، فيُبيّن لنا أن هدف الوجوديّة هو إبراز شخصيّة الفرد في مجال الأخلاق، بحيث يكون القانون داخلياً ذاتيّاً يَنبع من أعماقهِ وليس خارجيّاً مفروضاً عليه.

يتناول الكتاب الفلاسفة الوجودييّن من كيركجورد إلى كامي. ويرتِّب موضوعات الفلسفة الوجوديّة في نظام الجدل الوجودي. فيبدأ الفصل الأول بتعريفنا عن الوجوديّة، ويحاول الإجابة على التساؤل التالي: ما هي الوجوديّة ؟ ثم يشير إلى الفلسفات الأخرى والتي قد تبدو مُتاخمةً للوجودية كالمذهب البراغماتي والإنساني والتجريبي والعدميّ والمثالي. ثم يَتطرّقُ الكتاب للوجودية في تاريخ الفلسفة موضّحاً المكان والزمان اللذين ساعدا على نشأتها، ومن ثم يتناول فكرة الوجود ويفرّق بين الوجود والماهيّة، حيث تُعدُّ الأولى واقعةَ تَمثُلٍ أمامي، أما إذا تحدثت عن الشكل الذي تُعرض عليه فتكون قد بدأت بالفعل في الانتقال من الوجود إلى الماهيّة. ثم يتعرّضُ إلى مفاهيم عدّة وعلاقتها بالوجوديّة وصولاً لمفهوم الجسد، والذي تعتبره الوجوديّة مكوّناً للوجود الإنساني في العالم فهو طريقنا للمشاركة، ثم يتطرّق للزمان والمكان اللذبن يكتسبان بُعديهما وأهميّتهما من تنظيم الإنسان لهما ضمن إيقاع حياته. ليتحدث بعدها ماكوري عن الوجود مع الآخرين بوصفهِ سمةً أساسية للوجود البشري، كون الموجود البشري يعيش في حالة تفاعلٍ مستمر مع غيره من الموجودات البشرية فلا يوجد بشري بدون العالم.

ثم ينتقل الكتاب للعلاقة الارتباطيّة بين الوجوديّة ونظرية المعرفة، فإنَّ الفلسفة الوجوديّة تبدأ من الواقع وهو الوجود البشري، وبالتالي إشكالية المعرفة لا تنشأ إلّا بعد ذلك وتكون تابعًة لمشكلة الوجود، فيقول هيدجر:"المعرفة لون من الوجود ينتمي إلى الوجود في العالم" . فعلى عكس ديكارت يقول الوجوديون، أنا موجود. إذن، أنا أفكر.

ويتطرّق ماكوري فيما بعد لموضوع الحقيقة والتفكير واللّغة والمشاعر والفعل والحرية. فيرى كيركجور أن الوجود البشري والحرية تعبيران مترادفان، وأن الحريّة سبّاقة على وجود أي شيء حتى الفعل.

ويتطرق كذلك إلى القرار والاختيار وللحديث عن الميتافيزيقيا والأنطولوجيا الوجوديّة ومصير الفرد، وصولاً إلى الموت.

ولا ينسَ ماكوري أن يذكر التاريخ ورأي الفلاسفة الوجوديين المتضاربة لحد ما حوله، والذين يتفقون عند نقطة أساسيّة واحدة وهي أنه لا يجب أن نكتفي من أيّ عرضٍ للتاريخ إلّا من خلال الاندماج به. ومن ثَمَّ ينتقل الكتاب إلى الوجوديّة بوصفها نقداً اجتماعياً وسياسيّاً، فيدرس إشكاليتّين أساسيّتين أولهما العلاقات الوجوديّة مع المجتمع المعاصر، وثانيهما المضامين السياسية للوجودية.

وأخيراً ينتقل إلى التأثير الوجودي في ميداني الفنون والعلوم، فيتحدث عن الفلسفة والثقافة وعلاقتهما من وجهة نظر الوجوديين، كونها علاقة متبادلة، أيضا يركّز على علاقتِها مع علم النفس العام والطب النفسي ونشأة ما يسمى الطب النفسي الوجودي. ويذكر كذلك العلاقة بين الوجوديّة والتربية والأدب، فهناك روايتان عظيمتان في القرن التاسع عشر قدمتا بعض موضوعات الوجوديّة وهما بحث "تولستوي" للموت في رواية " موت إيفان إيلفتش"، وبحث "توجنيف" للعدمية في رواية "الآباء و الأبناء"، و لكن لا شك أنَّ أعظم عرضٌ أدبي للوجودية هو ذلك الذي قدّمه في عصرهما "فيودور دوستويفسكي" في"الإخوة كرامازوف" و" مذكّراتٍ في باطن الأرض".

ويتطرّق فيما يتطرّق له إلى علاقة الوجوديّة والفنونِ البصريّة، فينظر إلى "بول سيزان Paul Cezanne" على أنّه أعظم شخصيّةٍ مؤثرة في العصر الحديث، فقد أثّرت الوجوديّة في الفن الحديث تأثيراً مباشراً كالفن التكعيبي و السريالي و بقية المذاهب الفنيّة الموازية لظهور الوجوديّة. وآخر ما يتم التعرض له في الكتاب هو مراجعة بعض الانتقادات لهذه الفلسفة، فوَصفها البعض أنّها مفرطة في فرديّتها تارةً وأنها لا عقلانية تارةً وتشاؤمية تارةً أخرى.

إن الوجوديّة، وإن لم تتّخذها وتؤمن وتُحبّ مبادئها تبقى مهمة، ونحن بحاجة لدراستها. من الصعب على أيّ كتاب أن يحصي جميع ما أتت به فلسفة ما، فكيف إن كانت الوجوديّة والتي هي عُرضةٌ للتطوير والتحديث والتكيف تبعاً لعواملَ عدّة، ولكن هذا الكتاب يُعتبر لحدِ ما أشمل ما كُتب عن الوجوديّة وأكثر مرجعِ مؤتمن في هذا الصعيد.

معلومات الكتاب:

العنوان: الوجودية

المؤلف: جون ماكوري

ترجمة: إمام عبد الفتاح إمام

الناشر: عالم المعرفة، 1978

عدد الصفحات: الكتاب يقعُ في خمسة عشر فصلاً، في 332 صفحة من القطع المتوسط.