الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

مصير النباتات في مناخ أكثر تقلباً

تتنبأ النماذج المتوفــّـرة للتغير المناخي بزيادةٍ في تباين الهطولات المطرية نتيجةً للاحتباس الحراري. حيث يـــُـــتوقع زيادة تكرار القيم العظمى من الهطولات المطرية حتى في المناطق التي يتوقع فيها انخفاض معدل الهطول المطري السنوي؛ بمعنى أن تهطل الأمطار بغزارة شديدة في المناطق منخفضة الهطول عادةً. كما أن عدد الأيام الممطرة سيتناقص مما يتسبب بمناخ شديد التغير مع احتمالات كبيرة للجفاف والهطولات الشديدة.

تتباين الهطولات المطرية ضمن السنة الواحدة وبين سنةٍ وأخرى وبين عــَــقـــْــدٍ وآخر وتختلف التفسيرات والأسباب تبعاً للمقياس الزمني الذي نتحدث عنه. فضمن السنةِ الواحدةِ ترجع الاختلافات الكبيرة في الهطولات المطرية إلى ارتفاع قدرة الغلاف الجوي الأكثرَ دفئاً على حمل بخار الماء، مما يؤدي إلى هطولاتٍ مطريةٍ كبيرة تفصلها فتراتٌ من الجفاف. أما في مجال زمنيٍ يمتدّ من سنواتٍ إلى عقود؛ فإن التغير المناخي يتسببُ بزيادة التباين في الهطولات نتيجة التغيـــّـــرِ في الدورانات المناخية والتي تغير أنماط الهطول المطري التي تحفظها وترويها خلال هذه السنوات ذاكرة الشعوب.

ركـــّـــزت الدراسة على قياس أثر التباين في الهطولِ على الإنتاجِ الرئيسيِ الصافي فوق الأرضي من النباتْ Aboveground net primary production (ANPP). دُرِسَ تأثر صافي إنتاج النبات بكمية الهطول لكن أثر التباين في الهطول هو ما لم تسبق درسته.

خلال ست سنوات من الدراسة، تمّ التحكم بكميةِ الأمطارِ الهاطلةِ على حقولِ التجربةِ صناعياً ولوحظَ انخفاضُ الكتلة الحيويةِ للنباتاتِ نتيجةَ غــَــلــَــبــَــةِ التأثيرِ السلبي للسنوات الجافة على التأثير الإيجابي للسنوات الرطبة. خاصةً الأعشاب التي لم تعوض في السنوات الرطبة ما فقدته في الجافة. أما الشجيرات فعلى العكس؛ أظهرت استجابةً أقلَّ للتأثيرِ السلبي للسنوات الجافة وازدادَ نمّوها عند توفر هطولات إضافية. تباين الهطولات إذاً، سببّ استجابةً إيجابيةً ضئيلةً في نموّ الشجيراتِ حيث ازدادت إنتاجيتها بنسبة 67% في حين انخفضت إنتاجية العشبيات بنسبة 81%. تتضخّم الاستجابة المذكورة في نهاية التجربة؛ بمعنى أن استمرار التباين لفترة طويلة يضرّ الأعشاب أكثر فأكثر ويؤدي لتفوق الشجيرات عليها.

يفسر العلماء اختلاف استجابة الشجيرات والأعشاب لتباين الهطولات المطرية باختلاف توزع الجذور والتفاعل التنافسي بين الأنواع النباتية؛ حيث تمتلك الشجيرات جذوراً أعمق قادرةً على استخدام المياه في الطبقات الأدنى من التربة مقارنةً بالأعشاب ذاتِ الجذور السطحية التي تقتصرُ قدرتها على جمع المياه من الطبقات القريبة من سطح التربة. ومع اختلاف توزّع المياه بين طبقات التربة المختلفة، تختلفُ نتيجةُ التنافسِ بين هذه النباتات، ففي السنوات الجافّة تكون الشجيرات وحدها قادرةً على استغلال المياه المختزنة في الطبقات الأعمق من التربة والمتبقية من السنوات الرطبة السابقة، أما في السنوات الرطبة، لا تستطيع الأعشاب إلّا استغلال جزءٍ من المياه المتوفرة بينما يتسرب المتبقي إلى الطبقات الأدنى حيث تنتشر جذور الشجيرات.

وفي معرض تفسيرهم لأثر التباين المطري؛ يرجّح العلماء أن السنوات الجافة التي تتعرض لها الأعشاب ستؤدي إلى ضعف بنيتها والتأثير على طبقة التربة السطحية التي تصبح أكثر نفاذيةً للمياه التي تهطل في السنة التالية وتتسرب بشكل أسرع إلى الطبقات الدنيا من التربة حيث تكون متوفرة فقط للشجيرات، ومع الزمن وتكرار هذه العملية سيزداد الأثر السلبي على نمو الأعشاب ويزداد كذلك الأثر الإيجابي على نمو الشجيرات. من الجدير بالذكر أخيراً أن النظمَ البيئية الجافة وشبه الجافة تحتل مساحاتٍ واسعةً من اليابسة على كوكبنا مما يعني أن الآثارَ القاسيةَ للتباين الحاصل في الظروف المناخية ستحمل مع الزمن عواقباً ذات أثرٍ عالميّ لا يستهان بها.

قد تعتقد بعدم أهمية المروج والسهول لك شخصياً لكن تغير الغطاء النباتي سيؤثر عليك بشكلٍ غير مباشر شئت أم أبيت. تحوّلُ النــَــبـْــتِ الطبيعي من الأعشاب نحو الشجيرات سيحرم كثيراً من القطعان من مصدر غذائها كما سيترك الأراضي عاريةً ومعرضةً للحت الريحي، لا بل إنه سيحرم النظم البيئية من العديد من الكائنات التي كانت تجد في النباتات العشبية الكلأ والمأوى مما يعني حرماننا من خدماتها البيئية؛ الحشرات المفيدة التي تهاجم آفات المحاصيل والتي تعيش على هذه الأعشاب على سبيل المثال لا الحصر.

أن ينحبس المطر طويلاً ثم يهطل بغزارةٍ مرةً واحدة ليس مكافئاً بحالٍ من الأحوال لتوزع كمية الأمطار ذاتها على فتراتٍ أطول. ستنمو حديقتك وتزدهر إن رويتها باعتدال كلّما عطشت، لكنها ستموت لا محالة إن حرمتها أشهراً من الماء ثم أغدقته عليها دفعةً واحدة. قد تنجو أشجار حديقتك فقط إن أنت فعلت ذلك. لكنها ليست وحدها ما يلزم للحفاظ على جمال حديقتك. هذا ما يفعله التغير المناخي اليوم بكوكبنا وهذا ما يجب أن نجد له حلّاً قبل فوات الأوان.

المصدر:

هنا