الفيزياء والفلك > فيزياء

إكتشاف جُسيمات عديمة الكتلة قد تُحدث تغيرات ثوريّة في صناعة الالكترونيات.

بعد خمسٍ و ثمانين سنة من البحث العلمي, أكد العلماء وجود جُسيم عديم الكتلة يسمّى "فريميون فايل" Weyl fermion. لدى هذا الجسيم قدرة فريدة على التصرف كما لو أنه مادة و مادة مضادّة في نفس الوقت داخل بلورة, ويمكن لهذه الجسيمات الغريبة إنتاج الكترونات عديمة الكتلة.

أهمية هذا الإكتشاف لا تكمن فقط في أنه لدينا أخيرًا دليل على أن هذه الجسيمات التي كانت بعيدة المنال موجودة فعلاً، بل و يمهد ذلك الطريق أمام إلكترونيّات أكثر كفاءة، وأنواع جديدة من الحوسبة الكمومية.

يقول الباحث الرئيسي والفيزيائي م. زاهد حسن من جامعة برنستون في الولايات المتحدة : "يمكن أن تُستخدم فرميونات فايل لحلّ حالات الاختناق التي تحصل في الأجهزة الالكترونية على مستوى الالكترونات (عند توقف الجهاز عن العمل بسبب الضغط الناتج عند القيام بعمليات متعددة). حيث أنّ حركتها تتفوق على الإلكترونات من ناحية فعالية هذه الحركة و تنظيمها. لذلك فقد يقود اكتشاف هذه الفرميونات إلى الحصول على نوع جديد من الأجهزة الالكترونية يدعى ( الفايلكترونيات)."

فما هو "فرميون فايل" بالضبط؟

بالرغم من أننا نتعلم في مناهج العلوم في المرحلة الثانوية بأن الكون يتكون من ذرّات, لكن و وفق وجهة نظر فيزياء الجسيمات, فإن كل شيء في الواقع يتكوّن من الفرميونات و البوزونات. ببساطة جداً، الفرميونات هي اللّبنات الأساسية التي تُشكِل المادّة مثل الإلكترونات، أما البوزونات فهي الجسيمات التي تحمل القوى، مثل الفوتونات (التي تحمل القوّة الكهرمغناطيسية). (لمعلومات أكثر عن الجسيمات الأوليّة هنا )

الإلكترونات هي حجر الأساس للأجهزة الإلكترونية اليوم، وعلى الرغم من أنها تنقل الشحنة بشكل جيّد، إلا أنّ لديها ميلٌ للإصطدام ببعضها البعض والتبعثر، و بالتالي تؤدي إلى فقدان الطاقة و ضياعها بشكل حراري.

لكن في عام 1929، قام فيزيائي ألماني يدعى هيرمان فايل بطرح نظريّة تفترض وجود فرميونات عديمة الكتلة تحمل الشحنة بشكل أكثر كفاءة بكثير من الإلكترونات العادية.

و اليوم أثبت الفريق في جامعة برينستون أنّ فرميونات فايل موجودة بالفعل. في الواقع أثبتت الدراسة أنّ إلكترونات فايل قادرة على نقل الشحنة في وسط الاختبار أسرع من الالكترونات العاديّة بـ1000 مرّة على الأقل في أشباه الموصلات العاديّة, و أسرع مرتين في مادة الغرافين (المعروفة بمادة العجائب).

كما أثبت فريق الدراسة أن فيرميونات فايل تفوق الالكترونات العادية كفاءةً, ويكون عزم اللّف الذاتي لفيرميونات فايل حول نفسها بنفس اتجاه حركتها، الذي إما يكون باتجاه اليد اليمنى أو باتجاه اليد اليسرى المعاكس. هذا يعني أن جميع الفرميونات تتحرك بنفس الطريقة تماما ، الأمر الّذي يمكنها من الإلتفاف حول العواقب التي تؤدي إلى تبعثر الإلكترونات العادية.

يضيف حسن في البيان الصحفي: "إن الأمر أشبه بامتلاك الفرميونات نظام ملاحة (GPS) الخاص بها يوجهها في الوجهة الصحيحة متجاوزة كل العقبات الّتي تؤدي إلى تبعثرها, متحركة في اتجاه واحد فقط إما اتجاه اليد اليمنى أو اليسرى بدون نهاية و ذلك لأنها تتفادى العقبات وفق خاصية الأثر النفقي الكمومية (مفعول النفق الكمومي هنا ). انها الكترونات سريعة جدّاً تتشابه مع أشعّة الضوء من حيث أحاديّة الاتجاه. الأمر الّذي يبشّر بإمكانية تطوير أنواع جديدة من الحوسبة الكموميّة.

ما يجعل الأمر رائعاً حقّاً هو أنّ الباحثين وجدوا فرميونات فايل في بلورة اصطناعيّة في المختبر, خلافاً لمعظم اكتشافات الجسيمات الأخرى مثل بوزون هيغز الشهير, والذي لا يمكن رصده إلا في تبعات تصادمات الجسيمات. مما يعني أنه بالإمكان تكرار التجربة مجدّداً بسهولة و سيتمكن العلماء من المباشرة بدراسة كيفيّة توظيف فرميونات فايل في تطوير الإلكترونيات.

تمكن الفريق من العثور على هذه الجسيمات بعد تشكيل بلورات خاصّة شبه معدنيّة من مادّة تدعى "زرنيخ التانتاليوم" و الّتي توقّع الباحثون في الصين احتمال احتوائِها على فرميونات فايل. بعد عثور العلماء على آثار لهذه الجسيمات المراوغة, أخذ العلماء البلورات إلى مختبر لورانس بيركلي الوطني في كاليفورنيا و أطلقوا حزماً لفوتوناتٍ عالية الطاقة من خلالها. حيث أثبتت آثار الحزم على الجانب الآخر أنّ البلورات تحتوي فعلاً على فرميونات فايل.

فرميونات فايل هي ما يعرف بأشباه الجسيمات، ما يعني أنها لا يمكن أن توجد إلا في وسط صلب مثل البلورات، و ليس بصورة جسيمات قائمة بحد ذاتها.

ولكن المزيد من الأبحاث سوف تساعد العلماء في التوصل إلى تحديد مدى فائدتها و كيفيّة تصرفها, يضيف حسن فيقول: "ان فيزياء فرميونات فايل غريبة جداً ، يمكن أن يكون هناك الكثير من الامور التي تتوضح عبر هذا الجسيم و الّتي لا نستطيع حتى تخيلها حاليا".

المصدر: هنا