البيولوجيا والتطوّر > التقانات الحيوية

لغزُ زراعة الأعضاء| لماذا يُعدُّ الخنزير أفضل الحيوانات لنقل الأعضاء وزراعتها؟

يعاني الكثيرُ من البشر فشلاً في أعضائهم، وقد ينتج هذا الفشل من حالات مَرَضيَّة أو نتيجة حوادث السير أو حوادث العمل أو لأيٍّ من الأسباب الأخرى. في العقود الأخيرة تزايدت أعداد المُحتاجين أعضاء جديدة، ومع تناقص عدد المُتبرعين من البشر، توجَّه العلماء والباحثون إلى الحيوانات لنقل الأعضاء، وبعد عقودٍ من العمل المُضني توصَّل العلماء إلى نتيجة مفادها أنَّ أكثر الحيوانات ملاءمةً لعمليات نقل الأعضاء هو الخنزير... وقد تحدثنا في مقال سابق ( هنا) عن عمليات نقل الأعضاء من الخنزير وتساءل الكثير منكم: "لماذا الخنزير؟...

قبل أن نجيب عن هذا السؤال، علينا الإجابةُ عن سؤال أهم... لماذا بدأت الحاجة لمصدر بديل عن الإنسان لنقل الأعضاء؟

في العقود الأخيرة تزايدت أعداد المُحتاجين لأعضاءٍ جديدة، وقلَّ عدد الأعضاء المتوفرة من المُتبرعين البشريين (إذ لا يغطي هؤلاء ٠.٠٤ ٪ من الأعضاء اللازمة)، فضلاً عن أنَّ غالبية هذه الأعضاء مأخوذة من جثثٍ بشرية؛ ممَّا يحمل تأثيراً سلبياً على العضو كما سنرى لاحقاً. وهذا ما وجَّه الباحثين والجراحين للبحث عن مصدرٍ بديل للبشر، مصدر وافر وواعد وخالٍ من العقبات، يغطي العَوز للأعضاء لمن يحتاجها.

بين عامي ١٩٨٣ و ١٩٩٣ أُجرِيت دراسة للمساعدة في السيطرة على مرض السكري وتعقيداته، وقد أظهرت هذه التجارب أنَّ مرضى السكري الذين استخدموا علاج الإنسولين من مصدر خارجيٍّ عانوا من بعض المضاعفات وتعرَّضوا لزيادة خطر الإصابة بانخفاض سكَّر الدم. وكان البديل هو زراعة بنكرياسٍ بشريٍّ أو استخدام جزر خلايا بنكرياس تُزرَع في جسد المريض، ولكنَّ هذه الطريقة تحتاج إلى علاجاتٍ مضادَّةٍ لرفض الأعضاء التي تحمل آثارها الجانبية غير القليلة. بالإضافة إلى صعوبة توفير بنكرياس بشري لكل مريض، إذ أنَّ هذه الأعضاء محدودةٌ جدَّاً بسبب نقص توفر المتبرعين البشريين.

" لقد تمَّ إتمام ١٠٠٠ عملية زراعة حول العالم ما بين عامَي ٢٠٠٥-٢٠٠٩ ومع ذلك، هناك أكثر من ٢.٥ مليون مريض سكري من النوع الأوَّل في الولايات المتحدة" كما نص كوبر، " الحالة تزداد سوءاً أكثر مما يبدو لأننا عادةً نحتاج بنكرياسَين أو ثلاثة لكلِّ مريض."!

إذاً يبدو واضحاً لنا الآن استحالة الاعتماد على المتبرعين البشريين لتغطية احتياجاتنا من الأعضاء، فلنتعرف الآن على تجارب نقل الأعضاء من الحيوان إلى الإنسان.

- نقلُ الأعضاءِ من الخنزيرِ إلى جسمِ الإنسان:

لقد أُجرِيت تجاربُ كثيرةٌ في محاولة زرع أعضاء من حيوانات مختلفة في الإنسان، ومن المعروف أنَّ التشابه الجيني عالٍ جداً بين الإنسان وحيوانَي البابون والخنزير؛ مم:َا يوفر توافقية أعلى وتقارب من ناحية أداء العضو ووظائفه وحجمه. ولقد فُضِّلت نتائج تجارب زراعة الخلايا وأعضاء الخنزير عن رديفها في البابون لعدة أسباب؛ أهمها:

- توفر تخصيب الخنزير حول العالم وسهولته.

- الوقت المُحتاج لنشوء أعضاء ناضجة جاهزة للزراعة هو ٦ أشهرمنذ الولادة، أمَّا في البابون فتستغرق العملية ٩ سنوات، ثمَّ إنَّ الخنزير لديه فترة حمل أقصر وتنتج ٥ إلى ١٢ خنزيراً، على عكس البابون؛ ففترة الحمل تحتاج وقتاً أطول وتُنتِج واحداً أو اثنين فقط بعد فترة الحمل.

- بالإضافة إلى ذلك، هناك خطورة عالية في نقل أعضاء البابون، وتتمثل هذه الخطورة في انتقال الأمراض المُعدية من الحيوان للإنسان بعد نقل العضو، وفي حالة الخنزير تقل هذه الاحتمالية على نحوٍ كبير بسبب بُعده عن الإنسان من ناحية تطوُّرية بينما البابون قريب جداً للإنسان ويشترك الاثنان في العديد من الأمراض. الجانب الإيجابي الوحيد في أعضاء البابون أنها أكثر تماثلاً من الناحية التشريحية لأعضاء الإنسان من نظيرتها في الخنزير، ولكن كما رأينا فإنَّها الميزة الوحيدة التي تُفضِّل أعضاء البابون عن الخنزير.

- إذاً، للأسباب السابقة توجَّهت الأبحاث وتركزت عن الخنزير بوصفه حيواناً مرشحاً بقوة لنقل الأعضاء إلى الإنسان، فما فائدة هذه الأبحاث؟ وكيف ستساعدنا البشر في تجاوز المشكلات الصحية؟

- أولاً، سيتوفرُ لدينا مصدر غير منتهٍ من الأعضاء المتبرعة، وقد يحل المشكلة الحالية في الازدياد الحاد لعوز أعضاء الإنسان.

- ثانياً، ستكون الأعضاء متوفرة بانتقاء وجاهزة عند الحاجةِ إليها. وهذه نقطة مهمة، فالمريض ينتظر فترةً طويلةً للعثور على مُتبرِّعٍ مناسب، وكلما عُجِّلَ نقل العضو منذ بداية المرض تحسن مُعدَّلُ النجاة.

- ثالثاً، نقطةٌ هي غالباً ما تخفى؛ وهي أنَّ نقل الأعضاء البشريّة من الجثث المتوفية يحملُ تأثيراتٍ سلبية على الشخص المُستَقبِل للعضو. فعند موت الدماغ تحدث تأثيرات حادة متعددة على أعضاءِ المتَبَرِّع كالكلية، وبالأخصّ القلب، ممَّا يؤدِّي إلى تعطل الزراعة أو إصاباتٍ أُخرى. فعند موت الدماغ يرتفع ضغط الدم في الجسم على نحوٍ حاد، ممَّا يُؤدِّي إلى تخريب القلب والكليتين وتدميرهما، مما يؤثرسلبياً على أداء العضو بعد النقل. عند استخدام عضو الخنزير، سيكون هذا مُتَجَنَّباً بما أن العضو سيكون مأخوذاً من خنزير في صحة جيدة تحت التخدير.

- رابعاً، غالباً لا تمر سنة إلَّا وتُنقل مخلوقات مجهرية من المُتَبَرِّع للمستلم في الزراعة وكانت هناك نتائج قاتلة تتفاوت ما بين 0.1 ٪ إلى 0.8٪ . بينما هناك قلقٌ من انتقال بكتيريا من عضو خنزير للإنسان، وقطيع الخنازير المُعَدُّ لنقل الأعضاء سيكون مُهَيَّأ لظروف مثالية ومراقباً على فترات اعتيادية لعوامل معدية، وذلك يُعطي فرصة أكبر لتبرع الحيوان الخالي من الجراثيم المُمرِضة مقارنةً بالعضو المأخوذِ من الإنسان المتوفَّى.

ومن الجدير بالذكر أنَّ أحد الأسباب الأخرى لتفضيلِ جزر خلايا البنكرياس من الخنزير أنَّها ستكون مُقاوِمة لمناعة الجسم التي تدمر جزر خلايا البنكرياس البشرية وتسبب مرض السكري النوع الأول من الأساس، وفقاً ل "بيرنهارد هيرينج"، بروفيسور في الجراحة في جامعة مينيسوتا في منيسوتا، أمريكا يقول:" الدراسات التجريبية تقترح أنَّ جزر خلايا بنكرياس الخنزير قد تكون ممانعة للتدمير من قبل المناعة المهاجمة".

وأخيراً نتمنى أن نكون قد أجبنا عن تساؤلاتكم بهذا الخصوص، ونتمنى السلامة للجميع.

المصادر:

هنا

هنا