الفنون البصرية > فن وتراث

حكايةُ ورق ِاللّعب، رفيقُ ليالي السّمر

يمكنكم الاستماع للمقال عوضاً عن القراءة

يعدّ ورقُ الّلعب من أكثرِ التّسالي انتشاراً في العالم، وهو تقليدياً عبارةٌ عن بطاقاتٍ مستطيلةٍ من الورق المقوّى (بعضها يدخلها البلاستيك أو تصنع بالكامل منه) وهي موحدةُ الوجه الخلفي والقياس بحيث تكون قابلةً للامساك بها كالمروحة بيدٍ واحدة حيث تعتمد ألعابُ الورقِ المختلفةُ عادةً على رؤية اللاعب لبطاقاته فقط وهي نفس الصّفة المميّزة لأحجار الدومينوز. ويطلق البريطانيون اسم بطاقات على أحجار الدومينوز أيضاً، وفي الصين لا يوجد ما يميز ورق اللعب عن الدومينوز حيث تُصنعُ الأخيرةُ من الورقِ المصقولِ أيضاً.

ورق اللعب عبر التاريخ:

أما تاريخياً فلورق الّلعب حكايةٌ غامضةٌ غير واضحةٍ تماماً، ويعود ذلك لفكرة أن الورق الذي كانت تصنع منه سريع الفناء مما صعّب تعقّب تاريخه. تعودُ النّماذجُ القديمة لورق الّعب إلى الصّين والهند ومصر، إلا أن معظم الخبراء يعتقدون أن أصل أوراق اللعب صيني حيث تظهر أقدم إشارة إلى ورق الّلعب في الأدب الصيني في القرن العاشر لكن دون توضيح لأشكالها أو الألعاب التي لعبت بها. ومن ناحية أخرى يعتقد بعض المؤرخين الآخرين أنها نشأت في بلاد فارس ثم انتقلت شرقاً إلى الهند ثم إلى الصين، كما انتشرت غرباً إلى مصر ومنها إلى أوروبا في القرن الرّابع عشر عن طريق تجارة الأوروبيين مع السّلالة المملوكية التي تمركزت في مصر في ذلك الوقت. وكالنّسخ الأصلية منها، فإن أولى أوراق اللعب الأوروبية كانت مرسومةً باليد مما جعلها سلعةً فاخرةً اقتصرت على الأغنياء. وتدريجيّاً انتشر ورق الّلعب على طول طرق التجارة الأوروبية الدّاخليّة خلال القرن الخامس عشر كتسليةٍ مفضّلةٍ للطبّقات الرّاقية. لكن بعد الاختراع الألماني للطّباعة باستخدام القوالب الخشبية انخفضت كلفة ورق الّلعب ثم ازدادت انخفاضاً في فرنسا في ثمانينيات القرن الخامس عشر لاستخدام المرسام Stencil (وهي طبقة رقيقة تستخدم للطباعة المتكررة) مما جعلها متاحة للنّاس بشكل أوسع .

تصميم ورق اللعب :

أما من ناحية التّصميم فتستمدّ البطاقاتُ الأوروبيّة تصميمها من بطاقات الّلعبِ المصرية ِفي القرن الرّابع عشر والتي تُشبِه بشكل كبير بطاقات الّلعب التي نلعب بها اليوم. ومن الملفت أن كلّ ثقافةٍ صبغت مجموعة الّلعب الخاصة بها بصبغتها الخاصّة فظهرت مجموعاتُ ورقِ لعبٍ مختلفةٍ في عدد البطاقات، كما صورت أشكالاً جذابةً سهلةَ التمييز ومستمدةٌ من واقعها، كالمجموعة الألمانية التي ظهرت فيها رسوماتٌ على شكل جوزٍ، وصقورٍ، وقلوبٍ، وأوراقٍ وغيرها من الرّموزِ التي عكست افتخارَ الألمان بأنفسهم وحبّهَم للطبيعةِ المحيطة بهم:

أما في هذه الصورة فتظهر مجموعة ورقِ لعبٍ فرنسية يظهر فيها جنودٌ يحملون راياتٍ تظهر عليها منزلة البطاقة ولأي منظومةٍ تعود:

كما لم تحتو مجموعات لعب الورق القديمة على بطاقةٍ تحملُ صورة الملكة، إنما تظهر بطاقةٌ واحدةٌ للملك وبطاقتي مارشال مما يوحي بأن البلاطَ كان يحكمُ بسلطةٍ ذكوريّة. وحتى الآن تحتوي مجموعات ورق الّلعب الإيطالية والإسبانية والألمانية على ثلاثِ بطاقاتِ بلاطٍ مذكّرة، عدا المجموعة الفرنسيّة التي تحتوي بطاقةَ تظهِرُ الملكة. وخلافاً للمتوقع فإن أول من أظهر صورة الملكة على ورق اللعب هم الألمان ثم عدلوا عنها بعد ذلك.

(الصورة لمجموعة ورق اللعب الفرنسية في القرن التاسع عشر وتظهر فيها بطاقات تحمل صورة الملكة)

مجموعة ورق اللّعب العالميّة:

يعدّ الأحمر والأسود اللّونين المألوفين لمنظومات ورقِ الّلعب، وهما ابتكارٌ فرنسيٌّ سهّلَ قراءة البطاقات وأصبح أساسَ مجموعةِ ورق الّلعب الأنجلو-أميريكيّة الحديثة. أما العوامل الأساسيّة في مجموعة ورق الّلعب فتأسست في نهاية القرن الخامس عشر ولا تختلف عن البطاقات التي نلعب بها إلا بمقدارٍ ضئيل. إذ تتكوّنُ مجموعةُ ورقِ الّلعبِ المعترف عليها عالمياً من 52 بطاقة تقسم ل 4 منظومات تحتوي كل منها 13 مرتبة مميزة بنوعها وقيمتها ( أوراق مرقمة 1-10) و3 بطاقات تظهر شخصيات البلاط هي الشاب Jack ويرمز له بـ J ، الملكة Queen ويرمز لها بـ Q ، والملك King ويرمز له بـ K، (ويعرف عربياً أيضاً ب الختيار –الشيخ – الشّايب...). وكانت رسوم شخصيات البلاط ترسم بالطول الكامل حتى القرن التاسع عشر حيث تم استبدالها برسومٍ مزدوجة الرأس تسمح بحمل الورقة بطريقتين للسهولة، كما وضع رمز كل ورقة على الزوايا الأربع لنفس الغرض. وتحمل بطاقة الرّقم 1 اسم Ace (الآص) ويرمز له بـ A ، وتختلف قيمته بين الألعاب كما يوجد في مجموعة ورق اللعب النموذجية ورقتان إضافيتان هما الجوكرز Jokers وتظهر عليهما صورة مهرجي بلاطٍ تقليدييّن وتستخدمان في القليل من الألعاب وبطرقٍ مختلفة. أما رموز الأنواع الأربعة فهي:

- البستوني (spades)

- الديناري (diamonds)

- الاسباتي (clubs)

- الكبة أو القلوب (hearts)

وقد تختلف تسمياتها حسب البلد والمنطقة، كما توجد أيضاً سلاسلٌ مختلفةٌ عن هذه المجموعة العالميّة وهي مجموعات وطنية محلية لا تزال تستخدم في بلدها الأم. كما ظهر في القرن الخامس عشر امتدادٌ للمجموعةِ الإيطالية يحتوي على منظومةٍ خامسةٍ عُرفَ بعدها بورق التارو واستُخدم لألعاب التارو وبعدها للتنجيم.

الموقف الحكومي والكنسي اتجاه ورق اللعب:

وقد كان للعب الورق جاذبيّةٌ خاصةٌ لدى النّساء كما انتشر الرّبطُ بين لعبِ الورق والإغراء في الأدبِ والرسمِ الأوروبي وهذا العامل بالإضافة إلى انتشار ألعاب القمار باستخدام ورق الّلعب نتج عنه شجبٌ من قبلِ السّلطات الدينية الكنسيّة وتمَّ اعتبارُه أمراً سيئاً ومشئوماً فتمَّ منعُ بعض الألعاب من قبل السّلطات المدنيّة مع فرض غراماتٍ على القمار كما كان الأمر عليه في ألمانيا. أما في إنكلترا في القرن الخامس عشر فقد مُنِع ورق الّلعب من قبل البرلمان ما عدا في عطلة الإثنى عشر يوماً في عيد الميلاد! حتى أن الملك هنري الثامن في القرن السادس عشر شعر أن ورق الّلعب يُلهي رماة سهامه عن التّدريب.

وفي القرن السّابع عشر التمس صنّاع ورق الّلعب من الملك ميثاقاً ملكياً لدعم صناعتهم وكانت النتيجة تأسيس شركة لصناعة الورق هيThe Worshipful Company of Makers of Playing Cards التي لا تزال موجودةً حتى الآن. وحينئذٍ توقفت إنكلترا عن استيرادِ ورق الّلعب من فرنسا لحماية هذه الصّناعة النّاشئة ولكون ورق الّلعب شائعاً ومسبباً للإدمان فقد سارع الملك تشارلز الأول إلى فرض ضريبةٍ عليه ارتفعت سريعاً لتصلَ إلى 6 بنسات لكل مجموعة (ما يكافئ اليوم 5 دولارات) لتزداد الضريبة تدريجياً حتى وصلت شلنين و6 بنسات للمجموعة الواحدة (ما يعادل 25 دولار اليوم)! ولمنع التّهربِ الضريبي فقد كان إصدار "آص البستوني" تحت سلطة الجمارك حيث لا يسمح بإصداره حتى دفع الضرائب المتوجبة من قبل صانع الورق وكان يظهر عليه الختم.

استخدامات أخرى لورق اللعب:

لم يقتصر استخدام بطاقات ورق الّلعب على الألعاب فقط فحتى وقتٍ طويل كانت تُطبع البطاقاتُ من جهةٍ واحدةٍ وتترك الجهةُ الخلفية فارغةً مما جعلها مصادرَ للورق في متناولَ اليد فاستُخدمت لرسائل الحب، والدعوات، والقسائم وحتى أنها استخدمت كعملة ! وفي القرن الثامن عشر في هولندا استخدمت الأمهات بطاقات ورق اللعب لتميّز أطفالهن حين يتركهن لسبب أو لآخر فكانت الأم تمزق ورقة لعب لنصفين تضع واحدة مع الطفل المتروك وأخرى تحتفظ بها كدليل على أنها أمه أي أن ترك نصف الورقة كان يعني أنها ستعود يوماً ما للمطالبة بطفلها أما ترك ورقة كاملة كان يعني أنها تركت الطفل إلى الأبد ولن تعود .

نظرياتٌ حول ورق اللعب:

ولأن أصلَ ورقِ الّلعب غيرُ معروفٍ بدقةٍ حتى الآن فقد شاع حوله الكثير إذ يعتقد بعض النّاس أن الصّور التي تظهر عليه هي من عمل بعض الجمعيّات السّرية وأن منظوماته وقيمها ورموزها تحمل معانٍ خفيّة. ترتبط إحدى هذه النّظريات بالطبيعة إذ تربط المنظومات الأربع لورق اللعب بعدد فصول السّنة وعدد بطاقات مجموعة الورق العالمية (52) بعدد أسابيع السّنة وال 13 بطاقة في كل منظومة بعدد دورات القمر حول الأرض في السّنة.

وهكذا لطالما كانت مجموعات ورق الّلعب بسيطةً ومعقدةً في الوقت ذاته، وهي ملونةٌ سهلةُ الحمل (بل وأصبحت متوفرة الكترونياً بسهولة أكبر) كما أنها مرتبطةٌ بميل النّاس لحب الأسرار فالأوراق التي في يدك هي سرّك وفكرة التّغلب على الخصم تعزز من شعور التحدي، كما أن التفسيرات المختلفة للبطاقات زادت من الأساطير المحاكة حولها، كل هذه العوامل جعلت من أوراق الّلعب تسليةً مفضّلةً لدى كثير من النّاس حول العالم.

المصادر:

هنا

هنا