الفنون البصرية > فن المسرح

المسرح الإيطالي في عصر النهضة

يمكنكم الاستماع للمقال عوضاً عن القراءة

أدّت النهضةُ الإيطاليّةُ إلى ولادةِ العديدِ من الابتكاراتِ في فنِّ العمارةِ المسرحيِّ وتصميمِ المَشاهد، كما شهدتْ تلك الفترةُ تبلورَ القواعدِ الكلاسيكيّةِ الحديثةِ للبنيةِ الدّراميّةِ بالإضافةِ إلى نشوءِ الأوبّرا والكوميديا المُرتَجلة. في حوالي العام 1485 بدأ الحُكّام الإيطاليون بتمويلِ إنتاجِ المسرحيّاتِ الرومانيّةِ وتلكَ المشابهة لها، وهو ما أثارَ الاهتمامَ بإعادةِ كتابةِ المسرحيّاتِ الرومانيّةِ بنكهةٍ إيطاليّةٍ كما دفعَ إلى كتابةِ مسرحيّاتٍ جديدة. وتطوَّرَ المسرحُ في عصرِ النّهضةِ في إيطاليا بين القرنين الرابع عشر والسادس عشر معلناً نهايةَ ممارساتِ العصورِ الوسطى والتحررَ من الأساليبِ الرومانيّةِ التقليديةِ في تقديمِ المسرح.

المسرحُ الكلاسيكيُّ الحديث

ظهر النموذجُ الكلاسيكيّ الحديثُ (Neoclassicism) في إيطاليا ومن ثمّ انتشرَ حولَ أوربا، ونشأَ هذا المفهومُ في كتاباتِ الباحثين الإيطاليين في القرن الخامس عشر، وما لبث أن احتلَّ المسرحُ الفرنسيُّ في القرنين السابع عشر والثامن عشر، واتّسمَ هذا النموذجُ باهتمامٍ متزايدٍ بنظريةِ الأدبِ، وبرغبةٍ كبيرةٍ بقراءةِ وفهمِ أعمالٍ مثل "أرس بويتيكا" (Ars Poetica) لهوراس و"فن الشعر" لأرسطو، كما أعطى أهميةً كبيرةً لوحدةِ الزمانِ (24 ساعة) والمكانِ (غرفةٌ واحدةٌ فقط) وسيرِ الأحداثِ (حبكةٌ واحدةٌ) والتي استنبطها الباحثون الإيطاليون من كتاب أرسطو. واعتمدَ النموذجُ الكلاسيكيُّ الحديثُ على محاكاةِ الحقيقةِ(Verisimilitude) وهو عنصرٌ يهتمُّ بإعطاءِ مظهرٍ يشبه الحقيقة. وبسبب اعتمادِها على هذه التقنيّةِ، تجنّبت المسرحياتُ الكلاسيكيةُ الحديثةُ العناصرَ الخياليّةَ والخارقةَ للطبيعة، كما لم تحظَ الجوقةُ chorus)) والمناجاةُ المسرحيّةُ بالاهتمامِ في هذا النوعِ المسرحيّ، في حين تمّ التأكيدُ على الواقعيةِ في المسرحِ إضافةً إلى المسرحياّتِ التي تقدّمُ دروساً أخلاقية.

فنُّ الإخراجِ المسرحيِّ

(تصميمٌ لمسرحٍ إيطاليٍّ في عصرِ النهضةِ يعتمدُ على العمارةِ المنظورةِ لخلق وهمِ العمقِ والبُعد)

ازدادت شعبيّةُ الإخراجِ المسرحيِّ في إيطاليا لاستخدامِه فنّ العمارةِ المنظورةِ والرسمِ، حيث مَنحت هذه الوسائلُ الحاضرين الإحساسَ بوهمِ البعدِ والعمقِ، ووُضعَت منصاتِ المسرحِ والمشاهدِ بزاويةٍ مائلةٍ لتعميقِ الإحساسِ بالوهمِ وخَلْقِ خلفيّةٍ منظورةٍ، وابتكرَ الإيطاليّون وسائلَ جديدةٍ لتبديلِ المشاهدِ باستخدامِ الأجنحةِ والأغطيةِ القماشيّة الملونة، كما اخترعَ جياكومو توريللي، مصمّمُ المسارحِ الإيطاليِّ، نظامَ العربةِ والعصاChariot-and-pole) (system لتبديل المشاهدِ بشكلٍ عمليٍّ وسريعٍ حيثُ نالت هذه التقنيةُ رواجاً كبيراً وسرعانَ ما تمَّ استخدامُها في باقي المسارح حولَ أوربا.

الكوميديا المُرتَجلة (كوميديا ديلارتي )

تعتمدُ الكوميديا المُرتَجلة (Commedia dell'arte) على ممثلين محترفين، حيث تبتعدُ عن مسرحِ الهواةِ لكونها تتطلّبُ أداءً تمثيلياً عالي المستوى. وتستخدمُ كلَّ جوانبَ العملِ المسرحيِّ فيها أفضلَ الأنواعِ الموجودةِ من النّص وحتى الألبسة. وكما يوحي الاسمُ يتمثّلُ أهمُّ مظهرين للكوميديا المُرتَجلة بالارتجالِ والشخصياتِ المألوفة. ويعود سببُ الأداءِ الارتجاليّ الجيّد للممثلين إلى أنّهم عادةً ما يلعبون ذاتَ الشخصيةِ طوال عمرهم المهنيّ على المسرح. ويعتمد هذا الشكلُ الفنيُّ المسرحيُّ والمبهرجُ على التفاعلِ بين شخصياتٍ مألوفةٍ تقليديةٍ ضمنَ سيناريوهاتٍ مُرتَجلة تسمحُ للحبكةِ الكوميديةِ أن تصلَ إلى ذروةٍ فكاهيةٍ. ويدورُ الموضوعُ عادةً حولَ قصةِ حبٍ قويةٍ بين فتىً وفتاةٍ، يقفُ الأهلُ دون زواجهما فيقدمُ إليهما الخدمُ المساعدةَ وتكونُ النهايةُ سعيدةً.

من أهمّ الشخصياتِ في مسرحِ الكوميديا المرتجلة:

• بانتالوني Pantalone : الرجلُ المسنُّ

• دوتور Dottor : الطبيب، وعادةً يكون سكيراً أو جشعاً

• كابيتانو Capitano : الجنديُّ المغرور

• إيناموراتي Inamorati : العاشقَين اليافعين – وهما الشخصيتان الطبيعيتان الوحيدتان بين الشخصيات

• زانّي zanni : مجموعةُ الخدم الحمقى

• هارليكوين Harlequin: هو أحدُ الخدمِ وهي الشخصيةُ الأكثرُ شهرةً

(المظهر التقليدي لشخصية هارليكوين في مسرحِ الكوميديا المرتجلة في سبعينات القرن السابع عشر)

وأوّلُ ما ظهرَ هذا النوعُ المسرحيُّ في الشوارعِ والأسواقِ في أوائلِ عصرِ النّهضةِ في إيطاليا إلا أنّ أصولَه تعودُ إلى المسرحِ الرومانيِّ والإغريقيِّ القديم. عادةً ما قدَّمَ هؤلاء الممثلون الإيطاليون أدوارَهم في الشوارعِ مُرتدين أقنعةً تحملُ تفاصيلَ كوميديةً مبالغاً بها ليجذبوا الاهتمامَ لأنفسِهم وليستعرضوا مهاراتِهم البهلوانية، وبشكلٍ تدريجيٍّ شكّلوا تجمعاً على شكلِ فِرَقٍ من الممثلين مصحوبين غالباً بمسارحَ متنقلةٍ حيثُ أسسوا للكوميديا كنوعٍ مسرحيٍّ مستقلٍّ حوالي منتصفِ القرنِ السادسِ عشر.

وقدمت هذه الجوقاتُ المسرحيّةُ عروضَها للجميعِ ولم تشكّل اللغةُ حاجزاً مع اعتمادِهم على الإيحاء mime والشخصيات النمطيّةِ المألوفةِ، والأقنعةِ، والإيماءاتِ الجسديّةِ المتنوعةِ، والحواراتِ المرتجلةِ والتهريجِ، حيث حظوا بقبولٍ واسعٍ لدى الجمهورِ أينما تنقّلوا. وفي السنواتِ التاليةِ انتشرَ هذا التقليدُ حولَ أوربا، وظلَّ هذا الشكلُ والأسلوبُ للكوميديا حاضراً حتى نهاية القرن العشرين.

المصادر:

هنا

هنا

هنا