التاريخ وعلم الآثار > التاريخ

ملوك من الشرق الأدنى القديم... "حمورابي" ملك غرس بصمته في التاريخ إلى يومنا هذا

من ملوك العالم القلائل والذي لم يكتفِ بالحملات العسكرية فقط، بل وضع كامل اهتمامه على المناطق الواقعة تحت حكمه، وانشغل بالقيام بالمشاريع المفيدة لتحسين حياة شعبه. لم تنتهِ الحكاية هنا حيث قدم أحد أشهر الشرائع في التاريخ وكان القانون فوق كل شيء. للتعرف على هذا الملك العظيم تابعوا معنا المقال التالي...

نبدأُ مقالنَا عن الملكِ الشهيرِ حمورابي بتفسيرِ اسمه الذي يعودُ لأصولٍ أكَّادية، حيثُ يُلفَظ Ammurpi"" ويعني "ذو النسبِ الإلهي".

كانَ حمورابي حاكماً مقتدراً و إمبراطوراً حكيماً، عُرِف بمهارتِه في تدبيرِ الأمورِ و صبره في تحقيقِ أهدافه المنشودة. أحبَّهُ النَاسُ لأنَّه ألغى الدِّيونَ المترتِّبةَ عليهم عندَ استلامِه للعرش و لأنَه رمَّمَ المعابدَ في إمبراطوريته. و إلى جانبِ هذا الجزء من شخصيته، كانت لديه صفاتُ الحاكمِ القويِّ عسكرياً خاصةً بعد قيامه بحملةٍ عسكريةٍ قويةٍ دامت خمسة أعوامٍ متتاليةٍ بغرض توسيع أراضيه.

و في استعراضٍ موجزٍ للمناطقِ التي وضعَها حمورابي تحتَ حكمِه فنجدُ أنَّ الملكَ حمورابي يُصنًّف كسادس ملوك بابل و أوَّل ملوك إمبراطورية بابل التي كانت تشمل مدينة بابل، كيش، سيبار و بورسيبا عندما كانَ الحكمُ بيدِ والده سين موباليت الذي أُجبر على التَّخلي عن عرشه لصالحِ ابنه حمورابي. عند تسلُّمه زمام الأمور لم يكتفِ حمورابي بالأراضي التي حكمها والده كحدودٍ لإمبراطوريته بل قرَّر أن يتوسَّع و يُكمل مشروع والده في بناء الإمبراطورية. فقام بتقوية أسوار إمبراطوريته كما شنَّ حروباً كانت نهايتها أن أصبحت بلاد الرَّافدين (قديماً) بأكملها تحت سيطرته عام 1755 ق.م.

أمّا الحديث عن كيفية تمكَّن حمورابي من القيام بتوسُّعاته فنرى أنّهُ قام بتوسُّعاته هذه خلال سلسلةٍ من الحملات العسكرية التي ولًّدت حروباً مع العيلاميين و السومريين و الآشوريين اضطرَّ إلى أن يخوضها في المنطقة.

الشكل (1): حدود الامبراطورية البابلية تحت حكم الملك حمورابي

قامَ الملك حمورابي بعقد تحالفات مع ملوك المنطقة عندما استلزمَ الأمر ذلك، و أشهرها تحالفه مع الملك رم-سن حاكم لارسا و الذي كان على خلاف مع سين موباليت والد حمورابي. إلَّا أنَّ هذا التَّحالف لم يدم طويلاً، فقد قام حمورابي بإلغائه فورَ انتهاء المنفعة التي أرادها منه ومن ثمَّ سيطرَ على جميع المدن التي كانت تتبع لـ لارسا. كما قامَ بتحالف طويل مع حاكم ماري زمري-ليم و كانت نهايته فرض حمورابي نفوذه على ماري بتدميرها بدلاً من احتلالها و الاستفادة من مواردها.

قام حمورابي بهذه السلسة من بناء التحالفات و كسرها عند الضُّرورة مستعيناً بدهائه السِّياسي الذي لطالما عُرِف به ممَّا مكَّنه من السَّيطرة على المناطق التي أراد أن يضمَّها لإمبراطوريته البابلية.

إلَّا أنَّه لم يكتفِ بعقد التَّحالفات وحسب، بل قام باتِّباع سياسة سدِّ مصادر المياه عن المنطقة المراد السيطرة عليها في حال أتيح له ذلك، و من ثمَّ إطلاقها لتغمر المنطقة قبل شنِّ هجومه عليها.

بالانتقال من التّوسع و التحالفات إلى المنجزات التي أنجزها الملك حمورابي فنقول أنّهُ لُقِبَ بـ "Bani Matim" أي "مُعمِّر الأرض" و ذلك لأنَّه لم ينشغل بالحملات العسكرية التي قام بها فحسب بل اهتّم بالمناطق التي سيطر عليها أيضاً.

كما قام حمورابي بمنجزاتٍ كثيرةٍ شملت بناء القنوات و وضع خطط لتوزيع الطَّعام و القيام بمشاريع بناء لجعل امبراطوريته الأجمل إضافة إلى العديد من القضايا القانونية حيث كان معروفاً بمدى رغبته في تحسين حياة شعبه.

كانت "شريعة حمواربي" أشهر ما قدَّمه خلال حياته، حيث لا تزال حتَّى يومنا هذا ذات صيتٍ كبيرٍ، إلَّا أنَّها ليست أوَّل شريعةٍ في التَّاريخ كما هو متداول بين الناَّس.

كانت شريعته لسان حال البيئة الاجتماعية في إمبراطوريته التي شملت أعراق و قبائل متعدِّدة ممَّا يعني وجود مفاهيم مختلفة للصواب و الخطأ من وجهة النَّظر الدِّينية، إذاً كان لا بدَّ من وجود قانون يضع كلُّ جريمةٍ إلى جانب عقابها بوضوحٍ تامِّ وذلك لتسهيل حكم بلادٍ يهدِّد تماسكها نزاعاتٍ قد تحصل بين الأطياف المختلفة.

تقوم شريعة حمورابي على مبدأ "العين بالعين و السن بالسن"، أي الرَّد على أيِّ جريمةٍ بشكلٍ مباشر و مماثل لها. و كان يتمُّ التَّعرف على المذنب و البريء من خلال اختبارٍ يجب على المتَّهم بإحدى الجريمتين الكبرتين ( الزنا أو الشَّعوذة) القيام به، وهو أن يرمي نفسه في "النَّهر المقدَّس" فإن استطاع النجاة فهو بريء وإن لم يستطع فهو مذنب حتماً.

الشكل (2): شريعة حمورابي

وفي أخر أيامه كلَّف حمورابي ابنه سامسو-لونا بإدارة شؤون الإمبراطورية كونه أصبح مريضاً و عجوزاً عام 1755 ق.م، إلَّا أنَّ ابنه لم يستطع أن يتحمَّل هذه المسؤوليات وحده و خاصَّةً بعد انتشار خبر مرض حمورابي و استعداد حكام المناطق الأخرى لغزو امبراطورية بابل.تُوفِّي حمورابي عام 1750 ق.م تاركاً ابنه أمام محنةٍ كبيرةٍ تتجلى في محاربه كل هؤلاء الأعداء وحده.

إنّها نهاية المطاف بعد هذه الرحلة الملكيّة حيثُ الموت يفتح ذراعيه لاستقبال ملك غرس في التاريخ بصمته إلى يومنا هذا.

المصدر:

هنا