البيولوجيا والتطوّر > شخصيات في عالم البيولوجيا

جين غودال Jane Goodal| المرأة التي أعادت تعريف البشرية

"جين غودال"، فتاةٌ عاشت مع والدتها بعد انفصال والديها، وعلى الرَّغمِ من غرابَةِ حُلمها في الوقت الذي كانت تعيش فيه؛ وابتعادهِ عما هو مألوفٌ بين أحلامِ الفتياتِ في مُجتمعها، إلا أنَّ والدتَها كانت أكبرَ نصيرٍ ومشجِّعٍ لنجاحِها. تفوَّقت “غودال” بفضل شَغَفِها وإصرارها على تحقيق التميُّز، فأصبحت واحدةً من بين تسعَةِ أشخاصٍ فقط حولَ العالم مِمَّن يحظَوْنَ بشهادةِ الدكتوراه دون دراسةِ أيَّةِ مرحلةٍ جامعيةٍ قبلها...

الطفولة المبكرة :

العالمة "جين غودال Jane Goodall"، ولِدَت في لندن، إنكلترا عام 1934. بدأ شغَفُها بالسُّلوكِ الحيوانيِّ منذ طفولتها المُبكرة، فكانت، في أوقات فراغها، تقوم بمراقبة الحيوانات، تُسَجِّلُ الملاحظاتِ تارةً وتَرسُمُ خربشاتٍ تارةً أخرى بالإضافة لهوايتها الخاصةِ بالقراءة عن علمِ الحيوان والسلوكِ الحيواني. كان حلمها وهي طفلةٌ صغيرةٌ أن تنتقِلَ للعيشِ في أفريقيا وتراقِبَ الحيواناتِ الغريبةِ والنادرةِ ضمن المناطق القريبة من مكان سكنهم.

قام والد "جين"، خلال مرحلة طفولتها، بإهدائها دميةً على شكلِ شمبانزي، وذلك بسبب حُبِّها الكبير للحيوانات، وقامت بتسميتها "جوبيلي". كان جوبيلي مرافِقاً لِـ "جين" في كل مكان. اليوم، وبعد 73 سنةٍ، يجلسُ "جوبيلي" متربِّعاً على خزانةِ جين الخاصة ولكنَّهُ أصلعٌ تماماً بسببِ كثرةِ العناقِ عندما كانت "جين" طفلة.

أفريقيا:

كانت "جين" القارئَة النَّهِمة في عائِلَةٍ يَغلِبُ عليها وُجودُ النِّساء على الرجال، وعلى الرَّغمِ من أنَّ حُلمها لم يَكُن متاحاً لكثيرٍ من الفتياتِ في وقتها؛ إلا أنَّ والِدَتَها كانت من أكبرِ المشجِّعين لها بالرَّغم من وضعها الصحي الحرج، حيث كانت تعاني من حالة عصبيَّةٍ تجعلُ تعرفها على الوجوهِ أمراً صعباً للغاية.

لم تكن عائلة "جين" - أو بالأحرى أُمَها، حيث كانت تعيش معها بعد طلاقها- قادرةً على تحمُّلِ النَّفَقات الجامعيَّة الخاصة بابنتهم، مما أجبر "جين"، فيما بعد، على العمل كسكرتيرةٍ لشركةِ أفلامٍ وثائقيةٍ. قام بعدها أحدُ أصدقاءِ "جين" المقيمين في "كينيا" بدعوتِها لزيارتِهِم هناك، حيث عادت فوراً إلى "بورنموث" لتعملَ كنادلَةٍ في أحد الفنادق المحليَّةِ فتقومُ بجمعِ بعضِ المالِ الذي يكفيها لتغطية نفقَةِ السَّفر.

بدايةُ تحويلِ الحلمِ إلى واقع:

هناك في "كينيا"، جمعتها الصدفةُ معَ بروفيسور علمِ السلوكِ الإنسانيِّ "لويس ليكي" الذي قام فوراً بتوظيفِ "جين" كمساعدةٍ له وسكرتيرةٍ مرافقةٍ له ولزوجته في رحلتِهما للتَّنقيبِ في Olduvai Gorge. وكمشرفٍ مُصَرَّحٍ به في مجال التطوُّرِ البشريِّ، كان يُدرِكُ "ليكي" أنَّ هنالك نقصاً شديداً في المعلوماتِ المثْبَتَةِ في ذلك المجال وخاصةً فيما يتعلَّقُ في سلوكِ السَّلفِ الأقربِ للبشرِ وهوَ أحدُ أنواع القردةِ العُليا.

مع أنَّه كانَ ينقُصُ "جين" الكثيرُ من مهاراتِ البحثِ العلمي - وحتى أنَّها لم تكن حائزةً على شهادةِ الدراسةِ الجامعيةِ ـ إلَّا أنها كانت دوماً منقادةً بشغفها وحبها للبحث. لكن ثقةُ "ليكي" بإمكانياتها وإصرارها لم تكن كافيةً لجعلها قادرةً على الخوضِ في ذلك الحقل، حيث قام العديدُ من الخبراء بمعارضةِ مشاركتِها، وخاصة كونها امرأةً متمدِّنةً من بريطانيا؛ تعيش بمفردها في ذلك المكان الخطير، حيث كان عمرها ستةٌ وعشرون عاماً فقط.

إنَّ رفضَ السلطاتِ البريطانيةِ سفرها لوحدها والعيشَ بالقرب من الشمبانزي قربَ بحيرةِ Tanganyika، لم يجعل "جين" تفقد الأمل، فقامت بإقناع والدتها بالبقاء معها. وفي صيف عام 1960، وصلت "جين غودال" مع والدتها إلى ما يعرف بـ "تانزانيا" اليوم.

كان الشمبانزي يخافُ البشرَ في البداية، لذلك لم تستطِع جين إلا أن تراقِبَهُم عن بعدٍ بوساطة المنظار. واستطاعت "جين" مع مرور الوقت، أن تحظى بثقةِ أحدِ القردة والذي أطلقت عليه فيما بعد "دايفيد غراي بيرد".

أسماءٌ تُعطى للقردة:

كانت من إحدى هوايات "جين" الغريبة، محبتها لأن تُطلِقَ أسماءً على القردة، والذي كان خروجاً عن قاعدة تعريفِ الحيوانات بأرقامٍ لا بأسماء؛ مما حدَّ من تطورِ المشاعرِ بين الباحثِ والحيوان. مع ذلك فإن العالمة "غودال" كانت مقتنِعَةً أنه لكي تفهمَ سلوكَ الحيوانِ بشكلٍ صحيح، عليك أن تنظرَ إلى الحيوان على أنَّه فردٌ وليس مجردَ عينةٍ مختبريةٍ للبحث.

الحيوانات تستخدم الأدوات أيضاً:

في إحدى أيامِ تشرين الثاني من العام 1960، لاحظت "جين" أن "دايفيد غراي بيرد" يقوم باستخدام أغصان الأشجار لصنعِ سنارةِ صيدٍ أثناء تواجدهِ مع قطيعِ "غولياث".

حتى ذلك الوقت، اعتقد العلماء أنَّ البشرَ هم الوحيدونَ القادرونَ على صنعِ الأدواتِ والأسلحةِ حتى أعلنت "جين" عن ملاحظتها المضادَّةِ لاعتقادهم. فقال عندها ليكي:" اليوم علينا أن نوجد تَعريفاً جديدا للأداة، و لكن ليسَ فقط للأداة بل للإنسان أيضاً، أو أنَّه علينا أن نسلِّم أنَّ القردَةَ هم من البشرِ أيضاً". وسُجِّلَت هذه الملاحظة كأحد أهمِّ الاكتشافاتِ التي قامت بها "جين".

وكانت "جين" أيضاً أولَ من اكتشف أنَّ بعضاً من القردةِ كان يتغذى على الأحياءِ الصغيرةِ، فكان ذلك أحد الاكتشافات الجدَليَّة حيث اعتُبِرَت القرودُ من الكائنات النباتيَّة حتى ذلك الوقت.

الحصولُ على شهادةِ الدكتوراه دونَ المرورِ على ما قبلها من الشهادات:

من المعتادِ أن ينالَ الطالبُ درجةَ الدكتوراه بعد حصولِهِ على البكالوريوس والماجستير. لكن في العام 1965 حازت "جين" على شهادةِ الدكتوراه في علم السلوكِ من جامعة داروين في كامبريدج، لتكونَ واحدةً من تسعَةِ أشخاصٍ فقط يحظَونَ بشهادةِ الدكتوراه دون الحيازةِ على شهادة التعليم الجامعية الابتدائية (البكالوريوس).

في عام 1977، قامت "غودال" بإنشاء مؤسسةِ أبحاثٍ في الحياةِ البريةِ. كانت في بدايتِها تركزُ على دعمِ الأبحاثِ المتعلقةِ بحياةِ الشمبانزي حتى توسَّعَ عملُها فيما بعد ليشملَ المساهِمَةِ في دعمِ وحمايةِ كلِّ أشكالِ الحياةِ البريَّة. تدير "غودال" اليومَ مؤسسةً تضمُّ تسعَ عشرةً مكتباً، وتقيمُ العديدَ من المشاريع التنموية المتركِّزة غالباً في أفريقيا، لتقوم بعدها بإنشاء مؤسسةٍ للشبابِ أسمتها "الجذورُ والبراعم" والموزَّعةُ اليومَ في مئةِ مدينةٍ حول العالم.

إنجازات "غودال":

نالتِ العالمةُ "غودال" الكثيرَ من شهاداتِ الشرفِ العالمية، بما فيها ميدالية "تانزانياّ، وجائزةُ أميرِ "أستورياس" للبحوث العلمية والتقنية، ميدالية "هوبارد" من الجمعية الجغرافيةِ الوطنيةِ، جائزة "كيوتو" اليابانية، جائزة "بينجامين فرانكلين" في علومِ الحياة، جائزةُ "غاندي" لـ اللا عنف.

أما في عام 2002، تم منحها لقبَ سفيرة السلام من قبل هيئة الأمم المتحدة. وفي عام 2004، وخلال حفلِ قصر "باكنغهام"، مَنَحَتِ الملكة "إليزابيث" الثانية العالمةَ "جين" لقب سيدة الإمبراطورية البريطانية، وهو لقبٌ يوازي لقب الفارس. كما عملت كثيراً مع مساعديها لإنشاء محميَّةٍ في "غومبي".

حالياً، تسافر "جين" إلى بلدانٍ عدةٍ في السنة الواحدة، لتجوبَ العالمَ وتشاركَ رسالتها حاملةً الأمل والتشجيع للشباب بجعل العالمِ مكاناً أفضل.

تقول "جين": "عندما يتلقى الشباب الدعم الكافي والمعرفة، فإنَّهم سيعلمون تماماً ما هو التغيير المطلوب وعندها فقط سيتمكَّنون من تغييرِ العالمِ بأسره، فهم قد بدأوا بذلك مسبقاً".

المصادر:

هنا