التاريخ وعلم الآثار > التاريخ

جزيرة إليس... عندما تتحول هجرة الأوطان لأملٍ جديدٍ... (الجزء الثاني)

تحدثنا في مقالنا السابق ضمن سلسلة "جزيرة إليس" عن افتتاح الجزيرة كمحطة هجرة اتحادية للمهاجرين إلی أميركا، ومن ثم بدأنا معكم بتاريخ الجزيرة. وفي مقالنا هذا سنكمل لكم تاريخ هذه الجزيرة فتابعوه معنا...

لمعرفة نظرة عامة عن الجزيرة يمكنك قراءة مقالنا السابق:

هنا

ومن هنا يمكننا متابعة الحديث عن تاريخ الجزيرة:

الفترة الممتدة بين: 1865 - 1892

بعد انتهاء الحرب الأهلية أصبحت جزيرة إليس جزيرة خالية، إلی أن قررت الحكومة الأمريكية استبدال مقر هجرة كاسل جاردن بمقر الهجرة في نيويورك فتم إغلاق كاسل جاردن عام 1890، وتم نقل إدارة الهجرة إلی الحكومة الفيدرالية وتخصيص مبلغ 75 ألف دولار لإنشاء أول مركز اتحادي للهجرة علی جزيرة إليس. ثم تم حفر الآبار الإرتوازية، كما تمت مضاعفة حجم الجزيرة بما يزيد عن 6 فدانات، حيث تمت توسعة الجزيرة عن طريق جلب كميات كبيرة من الحصی نقلتها السفن البحرية إلی مكبات كبيرة، إضافة إلی إخلاء أنفاق المترو في نيويورك من أجل ضمها إلی الجزيرة. وبدءاً من عام 1875 منعت الولايات المتحدة دخول بنات الليل والمجرمين إلی أراضيها إضافة إلی "المجانين" و "الحمقی".

عام 1892:

لقد تم افتتاح أول مركز رسمي للهجرة علی جزيرة إليس في الأول من يناير/كانون الثاني عام 1892، كانت حينها ثلاث سفن كبيرة بانتظار أن تحط رحالها علی الجزيرة، وقد عبر الجزيرة ذلك اليوم 700 مهاجر وتبعهم ما يقرب من 450 ألف مهاجر حتی نهاية ذلك العام. وخلال العقود الخمسة التالية عبر الجزيرة ما يزيد عن 12 مليون مهاجر شقوا طريقهم إلی الولايات المتحدة الأمريكية.

الفترة الممتدة بين: 1893 - 1902

في يوم 15 من شهر يونيو/ حزيران من العام 1897 و أثناء انتظار 200 مهاجر لإتمام إجراءاتهم علی الجزيرة نشب حريق في أحد أبراج المبنی الرئيسي وأدی إلی تهاوي السقف. وبالرغم من عدم وجود ضحيات إلا أن سجلات بيانات المهاجرين التي تعود إلی عام 1840 وأيضاً تلك التي تعود إلی عهد كاسل جاردن أتلفت بفعل النيران. بعد تلك الحادثة تم نقل مركز الهجرة إلی مكتب السفن الواقع في حديقة باتري في مانهاتن.

وقد تم افتتاح منشأة جديدة علی الجزيرة في ديسمبر من العام نفسه تمت فيها مراعاة إجراءات السلامة، واجتاز المنشأة في يوم الافتتاح 2251 مهاجراً. ومن أجل تفادي حدوث كارثة مشابهة قام رئيس الولايات المتحدة آنذاك تيودور روزفلت بتعيين مفوض جديد للهجرة هو ويليام ويليامز وذلك في عام 1902 . ومن أجل القضاء علی الفساد قام المفوض الجديد بمنح عقود علی الجزيرة أساسها الكفاءة والجدارة، كما أعلن عن إلغاء أي عقد إذا تم الاشتباه بعدم الأمانة. وقام بفرض عقوبات لأي انتهاك للقوانين، وكتذكير للعمال علی الجزيرة بحسن التعامل قام بوضع لافتات كتب عليها "اللطف والاحترام".

الفترة الممتدة بين: 1903 - 1910

من أجل إيجاد مساحات إضافية علی جزيرة إليس تم إنشاء جزيرتين أُخريين بواسطة مكبات كبيرة للأتربة، وقد خصصت الجزيرة التي تحمل رقم اثنان لاستضافة إدارة المستشفی وأيضاً قسم الأمراض المعدية، في حين خصصت الجزيرة التي تحمل رقم ثلاثة لاستضافة جناح الأمراض النفسية. ومع قدوم العام 1906 ازدادت مساحة جزيرة إليس لتصل إلی 27 فداناً بعد أن كانت مساحتها الأساسية لا تتعدی الثلاثة فدانات.

وفي العام 1903 تم منع مثيري الفوضی والشغب من دخول الولايات المتحدة، وفي 17 من شهر إبريل/ نيسان من العام 1907 بلغت مستويات الهجرة إلی الولايات المتحدة أعلی معدلاتها حيث استقبلت جزيرة إليس في ذلك اليوم 11747 مهاجراً، كما شهدت جزيرة إليس ذلك العام أيضاً أعلی مستوی لتدفق المهاجرين حيث بلغ عدد الواصلين إلی الجزيرة في ذلك العام وحده 1،004،756 مهاجراً. و قد تم استصدار قانون اتحادي ينص استثناء المرضی النفسيين و المختلين عقلياً من دخول الولايات المتحدة إضافةً إلی الأطفال الذين يصلون الجزيرة بدون مرافقين بالغين.

الفترة الممتدة بين: 1911 - 1919

مع اشتعال نار الحرب العالمية الأولی تباطأت حركة الهجرة إلی الولايات المتحدة الأمريكية بشكل كبير جداً، فقد شهدت جزيرة إليس انخفاضاً حاداً في أعداد المهاجرين حيث انخفض عدد المهاجرين من 178،416 مهاجراً عام 1915 إلی 28،867 مهاجراً عام 1918 . ومع دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الأولی عام 1917 ازدادت حدة التيارات المناهضة للهجرة إلی الولايات المتحدة؛ فقد تم إلقاء القبض علی ما يقرب من 1800 مواطناً ألمانياً علی السفن المتوجهة إلی موانئ السواحل الشرقية لجزيرة إليس حيث تم اعتقالهم علی الجزيرة قبل أن يتم ترحيلهم إلی بلدانهم.

وفي العام 1917 تم استعمال الجزيرة كمشفی لجنود الجيش الأمريكي، وكمحطة طريق لأفراد البحرية الأمريكية، إضافة إلی استخدام الجزيرة كمركز احتجاز للأعداء والمخالفين.

وفي تلك الفترة تم الإعلان عن اختبار محو الأمية، إلا أنه بقي حبراً علی ورق حتی عام 1952 ، حيث لم يعد يسمح لأولئك الذين تجاوزوا عمر السادسة عشر وغير القادرين علی اجتياز اختبارعبارة عن 30 أو 40 كلمة بلغتهم الأم بالعبور إلى جزيرة إليس. كما تم منع جميع الآسيويين تقريباً من عبور الجزيرة.

وفي العام 1918 سيطر الجيش علی معظم جزيرة إليس، وجعل منها محطة طريق مؤقتة لمعالجة مرضی وجرحی أفراد الجيش الأمريكي.

ومع انتهاء الحرب العالمية الأولی أصاب شعار "الخوف الأحمر" ذعر الأميركيين، وذلك علی أثر انتصار الثورة الروسية. حيث تم استخدام جزيرة إليس لاعتقال المهاجرين المتطرفين المتهمين بأعمال شغب وتم ترحيل العديد منهم.

الفترة الممتدة بين: 1920 - 1935

قام الرئيس وارن جورج هاردنغ بتوقيع قانون الحصص للهجرة في العام 1921، وذلك بعد انتعاش الهجرة مرة أخری في فترة ما بعد الحرب، حيث وصل عدد المهاجرين عبر جزيرة إليس 590،971 مهاجراً. وبحسب القانون الجديد لا يجب أن تتجاوز نسبة المهاجرين سنوياً من أي بلد 3 بالمئة من مجمل مهاجرين تلك البلد إلی الولايات المتحدة في عام 1910 ، ويذهب قانون الأصول الوطنية الذي صدر عام 1924 إلی أبعد من ذلك، حيث حدد عدد المهاجرين سنوياً بـ 165 ألف مهاجراً، كما جعل حصصاً ثابتة للمهاجرين من بلدان محددة.

لم تعد المنشآت العمرانية علی جزيرة إليس تحظی بالعناية والاهتمام، فقد بدأت أميركا تمر بمرحلة انتهاء الهجرة الجماعية.

في عام 1932 بدأت كارثة الكساد العظيم تنتشر في أميركا ، ولأول مرة في تاريخها أصبحت أعداد المغادرين للولايات المتحدة أكثر من أعداد الواصلين إليها.

الفترة الممتدة بين: 1950 - 1954

في عام 1949 سيطر خفر السواحل الأميريكي علی معظم جزيرة إليس، وقام باستخدامها كمكتب لتسيير الشؤون، إضافة إلی استخدامها كمساحات للتخزين. مع دخول قانون الأمن الداخلي الذي أصدر في العام 1950 حيز التنفيذ، تم استثناء جميع المهاجرين الذين لهم ارتباطات مسبقة بمنظمات شيوعية أو فاشية من دخول الولايات المتحدة، وبذلك عاودت جزيرة إليس نشاطها ولكن بشكل محدود، وقد تم عمل بعض التجديدات والإصلاحات لاستيعاب أعداد المعتقلين الذين وصل عددهم في بعض الحالات إلی 1500 معتقل.

لقد أدی تفعيل قانون الهجرة والجنسية عام 1952 جنباً إلی جنب مع سياسة الاعتقال غير المقيدة، إلی تهاوي أعداد المعتقلين علی الجزيرة إلی أقل من 30 معتقلاً.

وفي شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 1954 تم إغلاق جميع المباني الحكومية رسمياً علی الجزيرة والبالغ عددها 33 مبنی.

وفي شهر آذار/ مارس من العام 1955 صرحت الحكومة الاتحادية أن جزيرة إليس تعتبر ملكاً حكومياً فائضاً، وبالتالي تم وضعها تحت السلطة القضائية لإدارة الخدمات العامة.

الفترة الممتدة بين: 1965 - 1976

في العام 1965 أصدر الرئيس الأمريكي آنذاك ليندون جونسون البيان 3656، والذي ينص علی وضع جزيرة إليس تحت السلطة العامة التابعة لخدمة الحديقة الوطنية، باعتبارها جزءاً من النصب التذكاري لتمثال الحرية. لقد تم افتتاح الجزيرة للجمهور في العام 1976، وقامت بتقديم جولات سياحية للمبنی الرئيسي للمهاجرين الواصلين إلی الجزيرة، وخلال ذلك العام بلغ عدد الزائرين للجزيرة 50 ألف زائر.

كما قام الرئيس جونسون عام 1965 بتوقيع مشروع قانون جديد فيما يتعلق بالهجرة والجنسية، والذي ينص علی إلغاء قانون نظام الحصص السابق للمهاجرين الذي يستند علی الأصول الوطنية، وتأسيس بدلاً منه قواعد قانون الهجرة الجديد للولايات المتحدة. ويسمح مشروع القانون الجديد بدخول عدد أكبر للأفراد القادمين من دول العالم الثالث إلی الولايات المتحدة (بمن فيهم الآسيويين الذين تم منعهم في وقت سابق من دخول البلاد) كما وضع مشروع القانون الجديد نظام حصص منفصل فيما يتعلق باللاجئين.

الفترة الممتدة بين: 1982 - 1990

في العام 1982 وبناءً علی طلب من الرئيس الأميركي رونالد ميجان، ترأس لي لاكوكا -من شركة كرايسلر- مؤسسة جزيرة إليس وتمثال الحرية بهدف جمع الأموال من مستثمري القطاع الخاص، وذلك من أجل إعادة تجديد و صيانة كل من جزيرة إليس وتمثال الحرية. ومع بداية العام 1984 وأثناء البدء بعمليات التجديد والصيانة بلغ عدد زوار جزيرة إليس 70 ألف زائر. وقد بلغت تكلفة التجديد و الصيانة للمبنی الرئيسي للمهاجرين الواصلين إلی الجزيرة 156 مليون دولار، ولدی انتهاء عمليات التجديد والصيانة تم افتتاح الجزيرة للجمهور في العام 1990 أي قبل عامين من الموعد المحدد للانتهاء. لقد تم تخصيص المبنی الرئيسي ليكون متحف الهجرة الجديد علی الجزيرة، حيث أعادت عمليات التجديد والصيانة أقسام وغرف المبنی الرئيسي إلی حالتها الأصلية التي كانت عليها أثناء أعوام ذروة وصول المهاجرين، ومنذ العام 1990 ما يقرب من الثلاثين مليون زائر قاموا بزيارة الجزيرة لتتبع أثر أجدادهم.

وفي تلك الأثناء استمرت عمليات الهجرة إلی الولايات المتحدة عبر رحلات برية من كندا والمكسيك. وقد أصبحت الهجرة غير الشرعية إلی الولايات المتحدة مثار جدل سياسي خلال ثمانينيات و تسعينيات القرن الماضي. حصل أكثر من 3 ملايين مهاجر علی العفو من خلال قانون الإصلاح الخاص بالهجرة الذي تم تعديله في العام 1986، إلا أن الركود الاقتصادي الذي حل بالبلاد بدايات عام 1990 ساعد علی إيقاظ التيارات المعادية للهجرة.

المصدر:

هنا