البيولوجيا والتطوّر > منوعات بيولوجية

النباح، من ضجيجٍ مزعجٍ إلى ظاهرةٍ سلوكيّة للتواصل

نباحُ الكلابِ مِن أكثرِ الأصواتِ التي تُسَبِّبُ الإزعاج لباقي الكائنات وخاصةً الإنسان، ولكن بالإضافة إلى كونها عاملُ إزعاجٍ كبير إلا أنّها لُغُزٌ مثيرٌ يستحقُّ البحثَ على اعتباره ظاهرةً سلوكيةً هامةً.

ويدورُ الجدلُ حولَ دورِ هذه الأصوات في عمليةِ التواصلِ بين أفراد النوع؛ حيث تشيرُ الدراساتُ إلى أنّ هذه الإشاراتِ الصوتية تَحمِلُ في طيّاتها معلوماتٍ مختلفةً يمكن للإنسان أنْ يحلّ شيفرتها.

في الدراسة التالية، تم اختبار ردّ فعلِ كلابٍ متنوعةٍ عند سماعها لتسجيلاتٍ مُسبقة لنباحِ كلابٍ آخرين؛ وذلك عند وجود الكلاب المُخْتَبَرة في بيتها (بيتٌ تقليديٌ في الضواحي، ذو حديقة وسياج).

كيف كانت التجربة:

تم وضع جهازٍ صغيرٍ قُرب بوابةِ سياج المنزل لإصدار أصواتِ نباحٍ مُسجّلٍ مُسبقاً من كلابٍ مألوفة للكلب المُطبّق عليه البحث وأخرى غريبةٍ عنه. وكانت هذه التسجيلات مأخوذة من الكلاب في وضعين مختلفَين، حين كانت الكلابُ وحيدةً في المنزل أو وقت نباحها على غريب قُرب السياج.

المثير للاهتمام أنّ الكلابَ التي سمعت هذه الأصوات أبْدت ردودَ فعلٍ مختلفةٍ سواءً على درجة التعرّف على الصوت المسموع أو بالنسبة للسياق الذي كانَ الصوت صادراً منه. حيث كان لسياق النباح وأُلْفَتها له تأثيرٌ واضحٌ على مكان الكلاب، فقد وجدت الدراسة أنّ بقاء الكلابِ قرب السياجِ لفترةٍ أطول عند سماعها لأصوات كلابٍ غير مألوفة تنبح على وجود غريبٍ قريب، مقارنةً ببقائِها قرب المنزل عند سماعِ أصواتِ الكلاب الغريبة المتروكة وحيدةً. وكذلك اقترابُ الكلاب من المنزل عند سماع صوتِ كلبٍ مألوف.

وكانت هذه التجربة الأولى التي أوجدت دليلاً على قّدرة الكلاب أنْ تُميّز أصواتَ كلابٍ أخرى وتتستخرج معلومات منها.

في أواخر القرنِ الماضي استطاعت هذه الأصواتُ أنْ تَستَدْرِج اهتمام الكثيرين من العاملين والخبراء في مجال علم سلوك الحيوان، كما طُبِّقت دراساتٌ عديدةٌ على الخصائص الصوتية ودورها في التواصل داخل النوع.

وبالإضافة إلى القيمةِ العلميّة لهذه الظاهرة، نجد أنّ لها خصائصَ أخرى لا تُعَدُّ جيدةً. حيث يتظاهرُ أغلبُها بما يدعى بحالة النباح المفرط، التي يمكن أنْ تخدم في الحالات المتعلِّقة بالتشخيص المرضي للكلاب مثل حالات قلق الانفصال أو حين يُصبح هذا النباح مزعجاً بشدّة.

ويحتل النباح المزعجُ عند الكلاب المرتبة الأولى في المشاكلِ السلوكيِة المسببةِ لمشاكل كبيرة في المناطق الكثيفة السكان ولا سيّما المدن منها. وعلى الرغم من أهمية آثار ظاهرة النباح السلبيّة على كلٍّ من الإنسان والحيوان إلّا أنّ الدراسات التي تتناول هذه الظاهرة و خصائصها البيولوجية كمسببٍ للإزعاج في البيئة التي يعيشها الإنسان لا تزالُ قليلةً جداً.

ويُثَارُ الجدلُ كثيراً حِيال تفسير النباح باعتباره من الأصواتِ غير المفهومة للإنسان بشكلٍ واضحٍ.

تختلف الفرضيات حول النباح في كميةِ ودرجةِ تعقيد المعلومات التي قد يحمله. فبحسب Coppinger وFeinstein فمن غير المرجّح ظهور مثل هذا الكم الكبير من أنواع النباح بسبب عاملٍ انتقائيٍّ واحدٍ خلال المسيرة التطوريّة للكلاب. وأشاروا إلى أنّها ليست أكثر مِنْ مجرّدٍ أصواتٍ لا معنى لها، ذات سياقٍ تخصصيٍ صغيرٍ جداً.

في حين أشار خبراءٌ آخرون إلى ارتباط هذه الأصوات باختلاف السياق الذي ساهم بظهورها.

بحسب Feddersen-Petersen فإنّ اختلاف المكانة البيئية للكلاب وزيادةَ تعقيد حياتها الاجتماعية أدّى إلى تحسُّنْ مهارات التواصل الاجتماعي عبر تمايز وتنوّع نباحها.

انطلاقاً من هذه الفرضية، قام كلٌّ من Pongrácz وMolnár بعَمَل تجاربَ صوتية على أشخاصٍ من فئات عمريّة متفاوته وخبراتٍ مختلفة مع التعامل مع الكلاب، وحتى اختلافات في القدرة البصرية، حيث يقومون بمحاولة تقييم الحالةِ الداخليةِ للكلاب النابحة وتصنيفهم بحسب الحالة التي يقوم بها الكلب بإطلاق نباحه.

كانت النتيجة تشيرُ إلى تمكّن الناس العاديين أنْ يتعرّفوا على حالة الكلب بحسبِ نباحه كالفرحِ أو الغضب. وبالتالي فقد يستفيد الإنسان من النباح لمعرفةِ الحالة الداخلية للكلاب والسياق الذي سَبّبَه، ولكن لا يوجد إلى الآن دراسات مؤكدة تُعلمنا إنْ كان الكلاب أنفسهم قادرين على ترجمةِ ومعالجةِ المعلومات التي يصدرونها ضمن التواصل بين النوع الواحد.

في حين كشفت دراسةٌ أخرى على الكلاب غير المملوكة في أثيوبيا أنّ الكلابَ عندما تكون وحيدةً تنبح بنسبةٍ أكبر منها عندما تكون في مجموعة، ممّا يعطي إشارات إلى أنّ هذا النباح يمكن أنْ يَخْدُمَ كوسيلةِ نداء.

وللأسف لا يوجد أبحاثٌ تدرس خصائص نباح الكلاب التي وُلِدَتْ لكلابٍ أليفة ولكنّها تعيش في الطبيعة لوحدها، مما جعلَ أمرَ تفسير التواصلِ بين النوعِ نفسه مُبهماً إلى الآن. وفي دراساتٍ أخرى وجد الباحثون أنّ الكلابَ ليست قادرةً على التعرف على الأصواتِ في حالات مختلفة فقط، بل حتّى عندما تصدر من أفراد مختلفة.

المصدر: هنا