الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

بستانٌ من الزهور في صحراءَ قاحلة

من بين جميع ظواهرِ الطقسِ والمُناخِ الشاذّةِ، ربّما تكون النينو El Nino هي الظاهرةُ التي يرجح أن تسبب مخاطرَ طبيعيّةٍ واسعةَ النطاقِ مع احتمالِ أن تؤثِّرَ تأثيراً خطيراً على الجنسِ البشريّ. النينو واللانينا هما مرحلتان متعاكستان لِما يُسمّى بدورة تقلّبات النينو الجنوبيّة El Niño-Southern Oscillation (ENSO) cycle، حيث تمثِّل اللانينا المرحلةَ الباردةَ من دورة التقلُّبات، ويمثّل النينو المرحلةَ الدافئةَ من هذه الدورةِ.

تعرّفَ على النينو مقابلَ سواحلِ أميركا الجنوبيّة صيّادون من البيرو، والنينو هو تيّارٌ بحريٌّ فتيٌّ في المحيطِ الهادي يشتدُّ زخمُهُ ويقوى بشكلٍ غير اعتياديّ حوالي شهرِ كانون الأوّل أي مع اقتراب عيد الميلاد، ومن هنا أتت تسميته بالنينو التي تعني بالإسبانيّة "المسيح الطفل Christ Child" أو "الطفل الصغيرThe Little Boy". إذاً هو تعبيرٌ يُستخدَم لوصف ظاهرةٍ تتمثّلُ بالتسخينِ الشديدِ غير الاعتياديّ للمياهِ السطحيّة في شرقِ المحيطِ الهادي الاستوائيّ لمدّة ثلاثة فصولٍ أو أكثر، أمّا "اللانينا La Nina" -الّتي تعني بالإسبانيّة الفتاة الصغيرة-، فتتمثّلُ بانخفاض درجة حرارةِ مياهِ شرقِ ووسط المحيطِ الهادي الاستوائي إلى أدنى من متوسّط درجات حرارةِ سطح البحر الاعتياديّة.

تُعتبَرُ ظاهرةُ النينو– اللانينا من الحوادث الطبيعيّةِ الغريبةِ الّتي لم يجد لها العلماءُ والخبراءُ أسباباً واضحةً، فهي نمطٌ من تباينيّة المُناخ والّتي تؤدّي إلى آثارٍ ونتائجَ متناقضةٍ من جفافٍ في بعض السنواتِ إلى وفرةٍ مطريّةٍ في سنواتٍ أخرى، والجديرُ بالذِّكر أنَّ هذه الظاهرة ليس لها موعدُ تكرارٍ منتظمٍ، فهي تحدث بشكلٍ عشوائيّ، وغالباً ما يحدث النينو بشكلٍ متكرّرٍ أكثر من اللانينا.

وفي حادثةٍ جغرافيّةٍ نادرة، في وقتٍ سابقٍ من هذه السنة أُتيحت الفرصة لانتشارٍ واسعٍ للأزهار المتفتّحة في صحراء أتاكاما في دولة تشيلي جنوب غرب أمريكا الجنوبية، حيث اكتست الصحراءُ بغطاءٍ مُتألِّقٍ من ملايين الأزهارِ الّتي نمت وأزهرت بعد هطولاتٍ غير اعتياديّةٍ من الأمطار، وتُسمّى هذه الظاهرة بــ"الصحراء المُزهرة Desierto Florido"، والتي بدورها تحدثُ مرّةً كلَّ 5-7 سنواتٍ ويتزامن هذا الإزهارُ مع التسخين الدوريّ للنينو لمياهِ المحيط الهادي مقابلَ ساحلِ شمال تشيلي، فالمياه الدافئة تُغيّرُ مراكزَ الضغوطِ الجويّةِ، وبالتالي تعدِّلُ من اتّجاه تدفُّقِ الهواءِ في المنطقة، ممّا يؤدّي فعلياً إلى تغيُّراتٍ شديدةٍ بأنظمةِ الهطلِ المطريّ، والجدير بالذكر أنَّه في بالحالةِ الطبيعيّةِ فإنَّ صحراء أتاكاما هي واحدةٌ من أكثرِ الأماكنِ جفافاً في العالم، بمتوسّط كميّة أمطار لا يصل إلى 4 مم سنوياً!! ولكن هطولَ أمطارٍ غزيرةٍ وبشكلٍ غير اعتيادي بين ليلةٍ وضحاها كان قد أدَّى إلى فيضاناتٍ كبيرة أودت بحياة سبعة أشخاصٍ على الأقلّ، من الجانب الآخر كانت كافية لاستنباتِ الملايين من بذور النباتات الحوليّة (نباتاتٌ تنمو وتزهر وتعطى البذور خلال عامٍ واحدٍ)، بعضُها أزهرَ في بقعٍ محدّدة من صحراء أتاكاما في شهر آذار/مارس، وأعادت أمطارٌ أخرى في شهر آب/أغسطس استنباتَ المزيدِ من النباتاتِ الّتي أزهرَت في أواخرِ أيلولَ الفائت.

إنّ هذا العرضَ المُزهِرَ المُتألِّقَ يؤكِّدُ الوفرةَ والغِنى الكامنَ الّذي تتمتّعُ به مثل هكذا منطقةٍ قاحلة، حيث تُخفي الظروفُ القاسيةُ والمجحفةُ لهذه الصحراء حوالي 1900 نوعٍ من النباتات والحيوانات، والأهميّةُ تكونُ في أنَّ أكثرَ من ثلث هذه الأنواع لا يتواجدُ إلّا في هذه الصحراء. ولسوء الحظ إنَّ الحدائق الوطنية في تشيلي لا توفِّر إلّا قدراً ضئيلاً من الحماية لمثل هذه المناطقِ النائيةِ على الرغم من التنوُّع الحيويّ فيها. وهنا نقول بلا أدنى شك أنَّ التناقضَ هو السرُّ في إبرازِ جماليّةِ هذه الأماكنِ، حتّى وإن كان كامناً!.

موقع صحراء اتاكاما

صحراء أتاكاما بالحالة الطبيعية:

الظاهرة

اقرأ أيضاً مقالنا السابق عن صحراء أتاكاما هنا

المصادر:

هنا

هنا

Younes, A & Al-Sha'er. J, 2015. "El Niño – La Niña and Their Effect On Temperature and Rainfalls in Syria", Tishreen University.

لقراءة المزيد حول الظاهرة من

هنا

هنا

هنا