البيولوجيا والتطوّر > منوعات بيولوجية

ماذا لو اختفت الحشرات جميعها من حياتنا؟!

الحشرات، حيواناتٌ سداسيّةُ الأرجل، تتّصف لدى معظم الناس بكلِّ ما هو مكروه، فهي رمزُ القرف والتقزُّز، اسمها بحدِّ ذاته يُعتَبر شتيمةً في اللغة المحكيَّة! وإذا عشنا في بيتٍ بلا مضاد للحشرات فكأننا نأكل في مطبخٍ بلا سكاكين، أي لا بدَّ من وجود المبيد قاتل الجيوش الحشريّة البريّة والجويّة -الزاحفة والطائرة- وإذا حدث ولمَستْكَ حشرةٌ فهذا كفيلٌ بإبعاد كلّ الناسِ من حولكِ، وقد يُجبِركَ على الهرب أو ضربِ الحشرةِ بكل ما أوتيت من قوة!

لكن هل هذه نظرةٌ عادلةٌ للحشرات؟! وهل تتّفق النظرة العلميّة إلى الحشرات مع نظرة الناس العاديين؟ سيحاولُ هذا المقال رسمَ سيناريو "انقراض كلِّ الحشرات على الأرض" علّنا نجد الإجابة المقنعة على سؤالنا..

أولاً، إذا حدث لسببٍ ما أن انقرضت أو اختفت كلُّ الحشرات، فإنّ كل الأمراض التي تنقلها إلى الإنسان ستتلاشى تقريباً، ولنْ يكونَ هناكَ بعوضٌ يلسَعُنا ولا براغيثٌ تزعجنا ولا أيَّ نوعٍ من الحشرات التي تُسَبّب الأمراض، وستختفي حمى الضَنك Dengue fever والملاريا وغيرها من الأمراض التي تصيب الملايين وتقتل مئات الآلاف كلَّ عامٍ.

لن تكونَ هذه هي النقطةُ الإيجابيةُ الوحيدة، فعندما يستيقظُ المزارعونَ ويذهبون إلى حقولٍ في عالمٍ بلا حشرات، عندها لن يحتاجوا إلى استعمال المبيدات الحشرية، وفي الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، سنوفّر خمسمائةِ مليونِ طنٍ من هذه المبيدات التي كنّا نستعملها.

أَضفْ إلى الراحةِ النفسيّةِ التي سنجنيها جراء تخلّصنا من هذه الكائنات "المقزّزة".

لقد أخبرناكم الآن بالجانبِ المضيء منَ الصورة، أما الجانبُ المظلمُ فهو في الواقع أشدَّ قتامةً ممّا قد تتوقّعون!

أولاً، فإنّ %80 من نباتات العالم هي من مُغلفات البذور؛ أيْ أنّ لها أعضاءً مذكرةً وأخرى مؤنثة، وحتى تتكاثر يجب أنْ تنْتقل حبّات الطلع من المآبر إلى المياسم في الزهرة.

في بعض الحالات يمكن أنْ تنتقل حبات الطلع عن طريق الهواء أو الماء وحتى عن طريق الطيور أو الخفافيش، لكنْ في معظم الحالات فإنّ "بطلَ" تلقيح النباتات هو الحشرات كالفراشاتِ والخنافسِ والنحل، ولذلك فمعظمُ الأنواع النباتيّة ستختفي من الأرض إذا اختفت الحشرات!

قد لا نبدو محتاجين إذاً إلى المضي قدماً في شرح هذا السيناريو المخيف الذي سينتج عن انقراضِ الحشرات (فكوكبٌ خسر معظم نباتاته لن يكون كوكباً جميلاً بالتأكيد) لكنّ البقية قد تكون أسوء، فـ %50-90 (تختلف هذه النسبة من بلدٍ إلى آخر) من أغذيتنا (سواءً بالحجم أو كميّة الحريرات) تأتي من النباتات المُزْهِرة (مُغلّفات البذور) التي تعتمدُ بشكلٍ كبيرٍ جداً كما أسلفنا على الحشرات من أجل التلقيح.

ولِنُوضّح أكثر: فالفواكهُ والقمحُ والأرزُ كُلُّها نباتات مُزهِرةٌ بحاجة إلى الحشرات، ناهيكم أنّ الحيواناتِ التي نأكلها تعتمد هي الأخرى على النباتات المزهرة، وبالتالي فإنَّ اختفاءَ النباتات المزهرة -أو التناقصَ الشديدَ في أعدادها وأنواعها- نتيجةَ اختفاء الحشرات سيؤدّي إلى اختفاءٍ قسمٍ كبيرٍ من الحيوانات، سواءً تلك التي تتغذّى على النباتات المزهرة أو على الحشراتِ بشكلٍ مباشر.

ولسوء حظنا، فإنّ النتائجَ الوخيمةَ لاختفاءِ الحشرات لن تتوقفَ عندَ هذا الحد؛ فبقايا النباتات الميّتة وأجسامِ الحيوانات المختلفة (ومِن ضمنها الأجسام البشرية) ستأخذ وقتاً أطول لتتحلّل، فعمليةُ تَحلّلِ الجُثَث تعتمدُ على أنواعٍ عديدةٍ من الفطورِ والبكتريا والحشرات. وغيابُ الحشرات، سيُلقي بظلاله على المشهدِ القاتمِ الذي رسمنا صورته قبلَ قليلٍ، فيزيد بذلك الطين بِلّة.

وعندما نتكلمُ عن اختفاءِ الحشرات فإننا لا نفرضُ حالةً تخيليةً بحتةً، فالاستعمالُ غيرُ الرشيدِ للمبيدات الحشرية على سبيل المثال، قضى على مساكنِ النّحل البريّة والتجاريّة (التي نستعملها لإنتاج العسل).

إضافةً إلى ذلك، فإنّ التغيّرَ المناخيَّ الذي يشهَدُه كوكبُنا الآن باتَ يؤثّرُ بشكلٍ واضحٍ على فَقْسِ بيوضِ الحشراتِ وعلى النباتاتِ التي تعتمد على هذه الحشرات، حيثُ أنّ النباتات التي تُزهرُ متأخراً أو باكراً لم تَعُد تُلقّحُ فتتضرّر هي والحشرات التي تُلقحها. ولتتوضّح الصورة أكثر، فقد ذكرت مجلة Biology Current أنّ نبتة الـ spider orchid، أصبحتْ تزهرُ في وقتٍ لا تنشطُ فيه الحشرة التي تلقّحها (هذه الحشرة هي نوع من أنواع النحل) وبالتالي تتضرر الاثنتان (الحشرة والنبتة)، حيث أصبحت الحشرة تنضُجُ بشكلٍ أبكرٍ من إزهارِ النبتة، وذلك نتيجةَ التغيّر المناخي.

ولذلك فإننا لا نتخيل سيناريو، بل نتحدث عن واحدٍ يجري اليوم.

ولنختصر، نقتبس مقولة Goggy Davidowitz، بروفسورٌ في قسم علم الحشرات والبيئة والتطور في جامعة أريزونا في الولايات المتحدة:"إذا اختفت الحشرات فسينهارُ العالم".

وختاماً، فإنّ اختفاء الحشرات كما رأينا سيترك عميقَ الأثرِ على طيفٍ واسعٍ جداً في المحيط الحيوي متضمناً -نحن البشر-، حتى الأغنياء الذينَ يجلسونَ في منازلهم يأكلون العسلَ ويلبسون الحريرَ سيشعرون بمدى الخسارة الجسيمة في حال اختفت الحشرات، أو مهلاً، لن يكون هناك حتى عسلٌ أو حرير على اعتبارِ أنّ النحل ودودة القز اللّتان تنتجان هذه المواد ستختفيان، أليس كذلك؟!

* بعض المصطلحات العلمية:

نباتات مزهرة (مغلفات البذور): Angiosperm

مئبر: Anther

الميسم: Stigma

Spider Orchid= Caladenia

النحلة التي تكلمنا عنها في الفقرة الأخيرة والتي تُلقّح نبتة الـspider orchid:

andrena nigroaenea

المصدر: هنا

مقالات ذات صلة:

- "ماذا لو اختفت الصراصير من حياتنا؟" هنا

- "هل سيؤدي انقراض النحل إلى تدمير الحياة كما نعرفها الآن؟" هنا