الفيزياء والفلك > علم الفلك

محطة الفضاء الدولية.

تعتبرُ محطة الفضاء الدولية والتي يُرمز لها اختصاراً بـ ISS من أعقد المشاريع الهندسية والعلمية التي قام الإنسان بإنجازها على مدار التاريخ، وهي بلا شك أكبرُ كيانٍ قامَ الإنسانُ بإرسالهِ نحوَ الفضاء الخارجي حتى يومِنا هذا، هذا الكيانُ الشبيه بالقمر الصناعيّ و الذي يدورُ حولَ الأرض يعملُ كمختبرٍ للتكنولوجيا الحديثة وكمنصةِ مراقبةٍ تساعدُ في الأبحاثِ الفلكية والبيئية والجيولوجية. و كموقعٍ قابل للسكن من قِبَلِ البشر و موجودٌ بشكل دائم في الفضاء الخارجي فإنها تُعتبرُ حَجَرَ الأساس في استكشاف الفضاء بشكلٍ أكبرَ و أعمقْ.

تُحَلِّقُ محطةُ الفضاء الدولية على ارتفاعِ يُقّدر بـ 400 كيلومتر فوقَ سطح الأرض، و تُكمل دورة كاملة حولَ الكرة الأرضية كل 90 دقيقة بسرعة تقدّر بـ 28000 كم/ساعة. حيث تقطع المحطة خلال يوم واحد ضِعف المسافة بين الأرض والقمر.

يستطيع المُشاهد في أن يرى محطة الفضاء الدولية بشكلٍ واضحْ في السماء أثناء دورانها حولَ الأرض كجسم متلألِئ، وهي تُضاهي بلمعانها لمعان كوكب الزهرة. ولا يحتاجُ الشخص إلى تلسكوبات خاصة لرؤية المحطة أثناء عبورِها ليلاً فوق منطقة معينة، حيث يُمكن رُؤيتها بالعين المجردة، وكُل ما يحتاجه الراصد هو معرفة الزمان و المكان المناسبين الذين تظهر فيهما المحطة. وهذا الأمر أصبح متاحاَ عبرَ موقع(iss.astroviewer) هنا الذي يقوم بِتتبُّع دقيق لِمدار المحطة الفضائية لحظةً بلحظة.

قامتْ خمس وكالات فضاء تُمثل 15 دولة مختلفة ببناء محطة الفضاء الدولية والتي كلّف بناؤها 100 مليار دولار وهذه الوكالات هي من تقوم بإدارة المحطة إلى اليوم، و هذه الوكالات هي وكالة ناسا الأمريكية ووكالة الفضاء الفيدرالية الروسية المعروفة اختصاراً بـ(روسكوزموس) بالإضافة إلى وكالة الفضاء الأوروبية ووكالة الفضاء الكندية ووكالة استكشاف الفضاء اليابانية هي الوكالات الخمس المشاركة في المشروع.

-البناء والتركيب:

إن بناء هذا الهيكل الضخم تَطَلَّب أن يتم بناء أجزاءْ المحطة هنا على الأرض ومن ثم أخذها إلى الفضاء وتركيبها هناك قطعة قطعة، وبالتدريج تم بنائها لتسير في المدار، تتكوّن محطة الفضاء الدولية من وحدات تربط بينها عُقد تحوي فيما بينها مهاجع معيشة ، إضافةً إلى مختبرات علمية كما يوجد دعامات خارجية تحافظ على استقرارْ التركيب و توجد ألواح شمسية لتزويد المحطّة بالطاقة اللازمة لتشغيلها.

أول وحدة تركيبية تم إطلاقُها هي وحدة زاريا الروسية “Zarya” وذلك في عام 1998. وبعد ذلك استمر ارسال باقي القطع وتركيبها مع وحدة زاريا. ومنذُ الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2000 إلى يومنا هذا، هناك تواجد مستمر لروّاد الفضاء في محطة الفضاء الدولية.

ومع بداية عام 2015، تم إجراء بعض التغييرات على المحطة لإعدادها من أجل استقبال مركبات فضائية تجارية مأهولة، والتي يُتوقع أن تبدأ بالوصول مع حُلول عام 2017. حيث سيتم إضافة مُهيِّئين إضافيين لالتحام السفن الفضائية مع المحطة الدولية. إضافة إلى ذلك، سيتم إضافة وحدة قابلة للتمدد تقوم وكالة Bigelow ببنائها ومن المتوقع أن يتم إرسالُها هذا العام نحو المحطة الدولية.

وفقاً للخطط الحالية، سيستمر تشغيل محطة الفضاء الدولية حتى نهاية عام 2020 على الأقل. لكن وكالة ناسا الأمريكية طالبت بتمديد هذهِ الفترة حتى عام 2024 إلا أن طلبها كان مُعقداً نتيجة لتدهور العلاقات الأمريكية الروسية منذ عام 2014، إلا أنَّ النقاشات لا تزال مُستمرة بين الشركاء الدوليين من أجل تمديد العمر الزمني لمحطة الفضاء الدولية.

و تبعاً لمرحلة الإنشاء الطويلة لمحطة الفضاء الدولية فإنَ بعض الوحدات الروسية و مهيئات الإلتحام للسُفُن الفضائية التي تمَّ تصنيعُها في روسيا تم إطلاقُها بشكل مباشر إلى المحطة، بينما العتاد التابع لناسا و بعض الوكالات الأخرى (بما فيها وكالة الفضاء الروسية) يتم إرساله على متن سُفن الفضاء الأمريكية.

تفوق مساحة محطة الفضاء الدولية مع ألواحها الشمسية الكبيرة مساحة ملعب كرة القدم الأمريكية، ويبلغ وزنها 391،000 كيلوجرام دون الأخذ في عين الإعتبار المركبات الزائرة. وتحتوي المحطة على مساحة ملائمة للمعيشة بشكل أكبر من منزل تقليدي مكوّن من خمس غرف نوم. كما يتوفر في المحطة دورتا مياه وصالة للتمارين الرياضية، بالإضافة إلى نافذة بارزة تتيح الرؤية بزاوية 360 درجة، كما يشبه طاقم المحطة المساحة القابلة للعيش في محطة الفضاء الدولية بكابينة طيارة بوينغ من نوع 747.

-طاقم المحطة:

يتكون طاقم محطة الفضاء الدولية عادةً من ستة أشخاص يمكثوا بداخل المحطة لِفترة تتراوح بين أربعة إلى ستة أشهر. أوائل البعثات التي تم إرسالها إلى محطة الفضاء كانت تتكون من فِرق من ثلاث أشخاص، إلا أنه وبعد كارثة مكوك كولومبيا الأليمة تم خَفضْ هذا العدد إلى شخصين بدل ثلاثة لكل فريق. وقد وصلت المحطة إلى سعتها الكاملة لأول مرة عام 2009 حيث تواجد فيها ستة أشخاص في نفس الوقت، بعد أن تم تركيب وحدات ومختبرات ومرافق جديدة.

ومع اكتمالِ الطاقم المكوّن من ستة أشخاص تعمل المحطة كمنشأةِ بحثيةِ متكاملة،و في السنوات الأخيرة تم إضافة بعض التقنيات المتقدمة إلى المحطة كالطباعة ثلاثية الأبعاد، والتصوير الآلي للكرة الأرضية، واستخدام الليزر في عمليات الاتصال، إضافةً إلى تقنية إطلاق أقمار صناعية مصغرة من المحطة. بعض هذه التقنيات يتم التحكّم بها من خلال طاقم المحطة، والبعض يتم التحكم به من مراكز تحكم موجودة على الأرض. كما يتم إجراء العديد من الدراسات البحثية التي تدرس صحة رواد الفضاء وأثرَ مكوثهم لعدة أشهر في المحطة على صحتهم.

لا تقتصر مهمة طاقم المحطة على العلمِ فقط، بل يقعُ على عاتقهم أيضاً الحفاظ على المحطة، وقد يتطلب الأمر القيام بعمليات سير في الفضاء للقيام ببعض الإصلاحات. وفي بعض الأحيان تكون هذه الإصلاحات طارئة كما هو الحال عندما حدثَ فشلٌ في نظام غاز الأمونيا المستخدم في التبريد، و قد حدث ذلك مرتين من قبل.

وقد تم إجراء بعض التغييرات على إجراءات الأمان المتعلّقة بالمشي في الفضاء بعد أن تعرّض أحد أعضاء الطاقم لوكا بارميتانو إلى حادثة كادت أن تقضي عليه عام 2013 أثناء قيامه بإحدى المهام خارج المحطة عندما امتلأت خوذته بالماء. تقوم ناسا كذلك باختبار بعض التقنيات التي تغني روّاد الفضاء عن السير خارج المحطة. وأحد الأمثلة على هذه التقنيات Robonaut، وهو نموذج مبدئيّ موجود على متن المحطة حالياً، وهو قادر على القيام بتدوير المفاتيح إضافة إلى القيام بحركات أخرى بتوجيهٍِ معين. ومن الممكن أن يتم تعديله في مرحلة معينة بحيث يصبح قادر على السير خارج المحطة.

في حال احتاج طاقم المحطة أن يقوم بإخلائها، يمكنهم العودة إلى الأرض عن طريق مركبتيّ سويوز “Soyuz”الروسية المرسوّة في المحطة. وتُستخدم مركبة سويوز الروسية لنقل الطاقم إلى المحطة كذلك. وقد تم استخدام أسطول المكوكات الفضائية التابع لوكالة ناسا الأمريكية لنقل العديد من رواد الفضاء من وإلى المحطة قبل أن يتقاعد الأُسطول عن العمل عام 2011. وتتوقع وكالة ناسا أن يتم استبدال أغلب رحلات مركبة سويوز برحلات تقوم بها مركبة" Dragon spacecraft " التي يتم إنتاجُها من قبل شركة "Space X" و مركبة "CST- 100"التي تُنتِجها شركة بوينغ.

و يتم التواصل مع طاقم محطة الفضاء الدولية والتحكم بالمحطة من خلال مراكز التحكم بالبعثة المتواجدة في كل من هيوستن وموسكو إضافة إلى مركز التحكم المتواجدة في هانتسفيل، ألاباما. وتقوم مراكز تحكم دولية أخرى بدعم المحطة من اليابان وكندا وأوروبا.

في شهر آذار/مارس من عام 2015 تم إطلاق أول بعثة من المقرر أن تمكث في المحطة لعام كامل، تتكون البعثة من رائديّ الفضاء، الأمريكيّ سكوت كيلي والروسيّ ميخائيل كورنينكو. هذه الفترة هي ضعف الفترة التقليديّة للمكوث في المحطة الدولية، وتهدف إلى دراسة التحديات الطبيّة والنفسيّة و الحيويّة التي تواجِه رواد الفضاء أثناء المكوث المطوّل في المحطة الدولية. ويبدو أن فكرة إطلاق بعثات تمكث في المحطة لعام كامل قد حازت على اهتمام الوكالات الدولية حيث أظهرت الوكالات اهتمام بإطلاق مزيد من هذه البعثات في المستقبل، إلا أنهُ لا توجد التزامات مؤكدة إلى الآن.

-حقائق حول محطة الفضاء الدولية:

- المساحة السطحيّة للألواح الشمسية التابعة لمحطة الفضاء الدولية تغطي مساحة قاعة مجلس الشيوخ الأمريكي 3 مرات.

- يصل الحجم الداخلي للمحطة إلى 935 متراً مكعباً أو نفس حجم طائرة بوينغ 747.

- المسافة بين طرفيّ المحطة المكونين من ألواح الخلايا الشمسية يصل إلى 73 متراً وهو بذلك أكبر من المسافة بين جناحيّ طائرة بوينج 777 طراز 200/300.

- يتم التَّحَكُّم بالأنظمة الموجودة في المحطة من خلال 52 حاسوباً.

- يصلُ حجم محطة الفضاء الدولية إلى أربعة أضعاف حجم محطة الفضاء الروسية مير (MIR)، وخمسة أضعاف محطة الفضاء الأمريكية Skylab.

- هناك 3.3 مليون سطر من الأكواد البرمجيّة في مراكز التحكم على الأرض تقوم بدعم 1.8 مليون سطر من الأكواد البرمجيّة الخاصة برحلة المحطة.

- يصل طول الأسلاك التي تصلُ نظام الطاقةِ الكهربائية ببعضها إلى 12.8 كيلومتر.

-في القسم الأمريكيّ من محطة الفضاء الدولية وحده تتم معالجة 1.5 مليون سطر من الشيفرات البرمجية المتعلِّقة بالرحلة من قبل 44 حاسوباً متصلة ببعضها عبرَ 100 شبكة بيانية لنقل 400،000 إشارة تتضمن معلومات عن الضغط و درجة الحرارة و وضعية الصمامات،إلخ...)

-الحاسوب الرئيسي في القسم الأمريكيّ يحوي على قرص صلب بمساحة 1.5 غيغا بايت فقط، بينما الحواسيب المنزلية الحديثة تحوي على الأقل 500 غيغابايت من المساحة في أقراصها الصلبة.

- الذراع الآليّة المركبة على متن المحطة والتي يبلغ طولها 55 قدماً قادرة على حمل 220،000 باوند أي ما يقارب 100،000 كيلو جرام وهي كتلة المكوك الفضائي.

- يتم تزويد المحطة بالطاقة اللازمة لها والتي تتراوح بين 75 إلى 90 كيلووات عن طريق مساحة تعادل 4046 متر مربّع من الألواح الشمسية.

المصدر: هنا