الرياضيات > الرياضيات

صوفيا كوفاليفسكايا... عقل عبقري ومخترع ومفكر!

ولدت كوفالسفسكايا عام 1850 لعائلة روسية من النبلاء "المتوسطين"، وقد ترعرت في أجواء مرفهة نوعاً ما، إلا أنها لم تعش طفولة سعيدة. كانت مهملة من قبل عائلتها لكونها الطفلة المتوسطة بين أختها الجميلة الكبرى و أخيها الأصغر الوريث. كما أنها عاشت معظم طفولتها تحت رعاية مربية كانت تحاول أن تجعلها تتصرف كسيدة مجتمع و قامت بتربيتها تربية صارمة، مما خلق بها طبع العصبية والقلق.

بدأ اهتمامها بعلم الرياضيات في عمر صغير، حيث أنها بدأت تعليمها عن طريق قراءة ملاحظات عن التحليل مثل الاشتقاقات والتكاملات تم تعليقها في غرفتها وذلك بسبب نقص في وجود أوراق الجدران، و كان ذلك في عمر الحادية عشر. كما تقول صوفيا أن لعمها فضل كبير في حث فضولها على تعلم الرياضيات، حيث كان يقوم بإجراء محادثات معها عن العديد من التجريدات والمفاهيم الرياضية. عندما بلغت الرابعة عشر من العمر،تعلمت بنفسها الهندسة المثلثية وذلك للتمكن من فهم قسم البصريات في كتاب تطالعه عن الفيزياء من تأليف جارها البروفسور "تيرتوف" الذي ذهل بإمكاناتها وقام بإقناع والدها بالسماح لها بالذهاب إلى مدرسة في سانت بطرسبورغ لتقوم بإكمال دراستها.

كانت صوفيا مصرة على إكمال دراستها الجامعية بعد انتهائها من دراسة المرحلة الثانوية . إلا أن أقرب الجامعات التي كانت تسمح للنساء بالحضور كانت في سويسرا، وحيث أنها كانت يافعة وغير متزوجة، فكان غير مسموح لها بالسفر وحدها.

ولحل هذه المشكلة ، قامت صوفيا بالزواج من "فلاديمير كوفالفسكي" (الذي اشتهر لاحقاً بأعماله التي قام بإنجازها مع تشارلز داروين) في الشهر التاسع عام 1868. مكث الزوجان في سانت بطرسبورغ لبضعة شهور ثم قاما بالسفر إلى هايدلبورغ، حيث حازت صوفيا على بعض الشهرة بسبب دهشة الناس هناك بقدرات الطالبة الروسية الهادئة.

قررت صوفيا عام 1870 متابعة دراساتها في جامعة برلين تحت إشراف "كارل ويرستراس" ، والذي كان يعتبر من أهم الرياضيين في وقته، وفي ذلك الوقت لم ينظر إلى صوفيا نظرة جدية، لكن بعد أن قام بإسناد بضع مسائل رياضية لها لتقوم بحلها أدرك أنه قد قابل شخصية عبقرية. فقام فوراً بالعمل كمدرس خصوصي لها لأن جامعة برلين كانت لا تزال لا تسمح للنساء بالحضور.

درست صوفيا تحت إشراف ويرستراس لأربعة سنوات، وعن دراستها معه قالت صوفيا " كانت لهذه الدراسات أعمق تأثير على مسيرتي الكاملة في الرياضيات. حيث قررت بحتمية الاتجاه الذي كنت أرغب أن أمشي به لبقية مسيرتي العلمية، كما يمكن إيجاد روح "ويرستراس" في كل أعمالي".

في نهاية الأعوام الأربعة التي درست بها صوفيا تحت إشراف "ويرستراس"، قامت بتحضير ثلاث رسائل "أعمال" متأملة للحصول على شهادة في الرياضيات، الأولى منها كانت "عن نظرية اشتقاق المعادلات الجزئية"، والذي تم نشره في صحيفة "كريل"، ما كان يعتبر شرف كبير لرياضي مغمور.

في عام 1874 حصلت صوفيا على الدكتوراة من جامعة غوتينغن، إلا أنها رغم الشهادة المتميزة ومساعدة "ويرستراس"، لم تتمكن من إيجاد عمل. فقررت العودة مع زوجها إلى عائلتها، وبعد عودتها بفترة قصيرة توفي أباها وفاة غير متوقعة. في تلك الفترة قامت صوفيا بإنجاب فتاة، وخلال مكوثها في المنزل قامت بإهمال أعمالها الرياضيّة، وقامت بصقل قدراتها الأدبية، فقامت بكتابة القصص القصيرة، و من ثم كتابة مقالات علمية .

عام 1880 عادت صوفيا إلى العمل في مجال الرياضيات بحماسة متجددة. فقامت بتقديم عمل عن تكاملات ابل (abel)

وذلك خلال مؤتمر علمي، وقد حظا هذا العمل على التقدير. مع ذلك عادت صوفيا إلى مواجهة مشكلة عدم العثور على وظيفة تسمح لها بممارسة الرياضيات. فقررت العودة إلى برلين مع زوجها الذي قام بالانتحار بسبب انهيار أعماله، فدفعها حزنها إلى الانغماس في أعمالها أكثر من أي وقت مضى.

تحسن حظ صوفيا عام 1883 عندما تمت دعوتها لتحاضر في جامعة ستوكهولم في السويد حيث أطلقت على نفسها اسم "سونيا". كان العمل بالبداية مؤقتاً، إلا أنه مع انتهاء المدة المتفق عليها، كانت صوفيا قد أثبتت قيمتها وأهميتها في الجامعة، وبعدها تلتها سلسلة من الإنجازات الرائعة، فحصلت على منصب دائم في الجامعة. كما قامت بكتابة مسرحية مع صديقتها.

عام 1887 تلقت صوفيا (سونيا) خبر وفاة أختها والذي كان قاسياً عليها بسب علاقتها المتينة مع أختها. بعدها بفترة شاركت صوفيا في مسابقة لجائزة برودين لعملها عن حركة الأجسام الصلبة حول نقطة ثابتة.، وفازت. قبل هذا العمل، كانت الطريقة الوحيدة لدراسة حركة الأجسام الصلبة حول نقطة ثابتة هي في حال كانت الجسم الصلب متناظراً. فقامت في هذا العمل بتطوير نظرية عن حركة الجسم غير المتناظر في حال كان مركز كتلته ليس في محور الجسم. وبسبب أهمية وبراعة العمل تم رفع المبلغ الذي يتم إعطاؤه للفائزبهذه الجائزة.

في هذا الوقت، وقعت صوفيا في غرام ماكسيم كوفالفسكي، وكانت علاقتهما صعبة جداً، حيث كان كلاهما محباً لعمله ويصعب عليه تركه من أجل الآخر، وحاول ماكسيم دفعها إلى ترك عملها لتكون معه، و نتاج هذه الخلافات والعلاقة عاد الاكتئاب إلى صوفيا، فعادت إلى الكتابة وقامت بالانتهاء من كتابة مذكرات طفولتها.

في خريف عام 1889 عادت صوفيا (أو سونيا بالأحرى) إلى ستكهولم، حيث بقيت مريضة بالاكتئاب ومن ثم ذات الرئة لتتوفى في العاشر من فبراير/ شباط عام 1891 وليحزن العالم العلمي لوفاتها.

نشرت صوفيا خلال عملها عشرة أعمال في الرياضيات و الرياضيات الفيزيائية، إضافة إلى بعض الأعمال الأدبية. العديد من هذه الأعمال العلمية كانت نظريات متطورة جداً، أو شكلت نواة للاكتشافات الرياضية المستقبلية. لا شك أن صوفيا كوفلسكايا كانت شخصية رائعة، حيث صرح رئيس كليات العلوم في فرنسا التي قامت بمنحها جائزة "برودين" أن زملاءه قد وجدوا أعمال صوفيا ليست فقط مجرد أعمال ناتجة عن العلم الواسع والقوي، إنما عن عقل عبقري ومخترع ومفكر أيضاً.

المصدر : هنا