الكيمياء والصيدلة > صيدلة

بات ممكناً إعادةُ الحركةِ للمشلولين نتيجةَ أذيةٍ في الحبلِ الشوكيِّ!

للاستماع للمقال:

بعدَ الإصابةِ بأذيَّةٍ في الحبلِ الشوكيِّ يُصابُ الشخصُ بالشللِ كنتيجةٍ لتشكُّلِ نسيجٍ ندبيٍّ يوقفُ ارتباطَ الخلايا العصبيةِ مع بعضها. فالمحاويرُ، والتي هي الأجزاءُ الطويلُة من الخلايا العصبيةِ التي تنقلُ الرسائلَ من جسمِ خليةٍ عصبيةٍ إلى خليةٍ أخرى، تُحاول عبورَ مكانَ الإصابةِ، لكنَّ تتكدّسَ جزيئاتٍ تُعرفُ باسمِ البروتيوغليكان Proteoglycans في النسيجِ الندبيِّ وتُشكّلُ شبكةً غيرَ قابلةٍ للاختراقِ.

ممَّا يعني أنَّ الأعصابَ والتي هي حزمٌ من هذه المحاويرِ، تصبحُ غيرُ قادرةٍ على نقلِ النبضاتِ الكهربائيةِ بعدَ ذلكَ، فتنقطعُ الوظائفُ الجسميةُ الاعتياديةُ مثلُ الحركةِ والتحكمِ بالمثانةِ.

قامَ العلماءُ بتطويرِ مركبٍ كيميائيٍّ جديدٍ، تمكّنَ من علاجٍ إصاباتِ الحبلِ الشوكيِّ لـِ 80% من الحيواناتِ التي جُرِبَ عليها.

جُرّبَ هذا المركبُ الذي دَعَوه بالببتيد سيغما داخلِ الخلويِّ (ISP) على 26 حيواناً كانوا مصابينَ بالشللِ بسببِ أذيةٍ في الحبلِ الشوكيِّ، وتمكّنت الحيواناتُ في 21 حالةٍ من التبولِ أو الحركةِ أو الاثنين معاً بعدَ سبعةِ أسابيعٍ من المعالجةِ. وهو من حالاتِ الشفاءِ غيرُ المسبوقةِ، فاستعادةُ واحدةٍ من هذه الوظائفِ، وخاصةً وظيفةُ المثانةِ، بالنسبةِ لأيِّ مريضٍ مصابٍ بأذيةٍ في الحبلِ الشوكيِّ تُعتبرُ شيئاً خارقاً.

ويعملُ هذا الببتيدُ الجديدُ من خلالِ إبطالِ فعاليّةِ المستقبلاتِ المسماةِ (تيروزين فوسفاتاز سيغما) في الخلايا العصبيةِ، والتي تتداخلُ مع البروتيوغليكان، وهذا بدورهِ يوقفُ التصاقَ الخلايا العصبيةِ بالنسيجِ النُدبيِّ وبالتالي تُتابعُ النموَ.

فعندَ التجربةِ كان ببتيدُ الـ (ISP) قادراً على دفعِ المحوارِ للنموِّ حتى عندما كان مثبّطاً بالنسيجِ النُدبيِّ. وطالما أنّ الببتيدَ قادرٌ على اختراقِ النسيجِ الندبيِّ الذي يغطي مكانَ الإصابةِ، يمكنُ ببساطةٍ حقنُهُ في مجرى الدمِ، بدلاً من حقنِهِ مباشرةً في الحبلِ الشوكيِّ، عندها تمَّ اختبارُ هذا الببتيدِ على الـ 26 جرذاً المصابين بأذياتٍ شديدةٍ في الحبلِ الشوكيِّ.

أُعطيت هذه الحيواناتُ حقناً يوميةً لسبعةِ أسابيعَ، بينما حُقنت مجموعةٌ أخرى بحقنٍ وهميةٍ (حقنٌ لا تحوي هذا الببتيد). وخلالَ هذهِ المدةِ استعادَ 21 حيواناً من الحيواناتِ المعالجةِ بالببتيدِ واحدةً من وظائفِ المشيِ والتوازنِ والتحكمِ بالمثانةِ أو جميعها. أما الحيواناتُ التي أعطيت الحقنَ الوهميةَ لم تتغيرْ.

ورغمَ أنَّ هذه النتائجَ مثيرةٌ جداً، لا زالَ العلماءُ لا يعرفون بعدُ الكثيرَ عن سببِ استجابةِ بعضِ هذه الحيواناتِ للعلاجِ أفضلَ من بعضها. وسببِ استعادةِ حيوانٍ معيّنٍ وظيفةً محددةً. إنّها من الأسئلةِ الكبيرةِ الباقيةِ.

يشكُّ العلماءُ أنَّ لذلك علاقةٌ بالسُبلِ العصبيةِ التي بقيت في الحبلِ الشوكيِّ لهذهِ الحيواناتِ بعدَ الإصابةِ، والتي هي الخلايا العصبيةُ المتطاولةُ التي تربطُ أجزاءً مختلفةً من الجهازِ العصبيِّ ببعضها، حيث وجد العلماءُ أنّ الجرذانَ التي امتلكت سبلاً عصبيةً تحوي أليافاً عصبيةً سيروتونينيةً، وهي الألياف التي تحررُ النواقلَ العصبيةَ في الحبلِ الشوكيِّ، تجاوبت بشكلٍ أفضلَ للببتيدِ (ISP) حيث كان لكلِّ حيوانٍ في هذه الدراسةِ نموذجٌ مختلفٌ لعودةِ نموِّ هذه الأليافِ، وهذا قد يفسرُ تجاوبَها بأشكالٍ مختلفةٍ للعلاجِ.

حيث أنّ عودةَ نموِّ الأليافِ ظاهرةٌ حاسمةٌ، فحتى إنْ بقي القليلُ فقط من الأليافِ السليمةِ بعد الإصابةِ يمكنُ أن تكونَ البابَ لاستعادةِ الوظائفِ المهمةِ.

ويتحرى الباحثونَ الآن الآلياتِ المحدَّدةَ لجودةِ تجاوبِ الحيوانِ لببتيداتِ الـ (ISP)، ويبحثونَ في إمكانيةِ مساعدةِ هذا العلاجِ البشرَ الذين لديهم حالاتٍ تعودُ لتشكلِ النسيجِ الندبيِّ مثل التصلبِ المتعددِ.

لكن يكمنُ التركيزُ الأساسيُّ الآن في مساعدةِ الأشخاصِ المصابين بالشللِ على استعادةِ بعضِ الحركيةِ على الأقلِ. فمن المثيرِ جداً أن يتمكنَ ملايينُ الأشخاصِ يوماً ما من استعادةِ حركاتٍ فقدوها خلالَ إصاباتِ الحبلِ الشوكيِ.

المصدر:

هنا