الكيمياء والصيدلة > كيمياء

كيمياء سم العناكب Chemistry of Spider Venom

للاستماع للمقال:

بدايةً، تقسم سموم العناكب إلى مجموعتين رئيستين، سموم عصبية، و سموم تسبب نخراً خلوياً. السموم الخلوية Cytotoxic Venoms، أو التي تسبب نخراً خلوياً Necrotic، تُحدث أذية للخلايا والأنسجة بعد دخول السم إليها، مما يؤدي بدوره إلى ظهور مناطق إلتهابية، وآفات، وتقرحات. من ناحية أخرى، تؤثر السموم العصبية Neurotoxic على الجهاز العصبي للفريسة، وتتدخل في إرسال الإشارات بين الأعصاب، وقد تسبب في الحالات القصوى الفشل القلبي و التنفسي.

من المهم أن نعلم أن سموم بعض العناكب قد تحتوي على مركبات من كلا النوعين السابقين (سموماً عصبية وأخرى خلوية).

لنتحدث الآن عن مكونات سم العناكب، تصنف هذه المكونات في مجموعات بحسب وزنها الجزيئي وتقسم إلى: مركبات منخفضة الوزن الجزيئي (<1000)، الببتيدات (1000-10000)، والبروتينات (>10000). قد تحتوي أي مجموعة من هذه المجموعات على المكون الأساسي للسم في أنواع العناكب المختلفة. وعلى الرغم من العدد الكبير لأنواع العناكب في الطبيعة، تم اكتشاف وتحديد تركيب نسبة ضئيلة من سمومها، وغالباً ما تحتوي هذه السموم على عدد كبير من المركبات التي تنتمي إلى المجموعات الثلاث السابقة.

تشمل المركبات ذات الوزن الجزيئي المنخفض: الأملاح، السكريات، المركبات العضوية الصغيرة كالأمينات والحموض و مركبات أسيل عديد الأمين. يعتقد أن شوارد البوتاسيوم في الأملاح تسهل وصول الأجزاء السامة الموجودة في سم العناكب إلى الخلايا الهدف في الفريسة. تؤثر التراكيز المرتفعة من شوارد البوتاسيوم أيضاً على الإشارات بين الأعصاب في الجهاز العصبي للفريسة. تشمل مجموعة الأمينات نواقل عصبية مثل السيروتونين و النورأدرينالين، وتتفاعل هذه المركبات أيضاً مع الجهاز العصبي للحشرة، وتساعد على نشر السم في جسمها.

أما مركبات أسيل عديد الأمين فهي مركبات هامة ذات وزن جزيئي منخفض موجودة في سم بعض العناكب، عُرف منها حتى الآن 100 مركب. غالباً ما تحتوي سموم العناكب على عدد من هذه المركبات وليس على مركب واحد فقط، ويعتقد أن مهمتها الأساسية هي إصابة جسم الحشرة بالشلل عن طريق إحصار قنوات الغلوتامات.

بالنسبة للببتيدات، فهي المكون الأساسي في سموم أغلب العناكب، وحسب وزنها يعتقد أنها تحتوي على 25% من عديدات الببتيد. تشير التحاليل إلى أن سموم بعض العناكب قد تحوي حوالي 1000 ببتيد مختلف. بعض هذه السموم يضم ببتيدات ذات بنية خطية، وهي من السموم الخلوية (التي تسبب نخراً خلوياً). إن التأثيرات المحللة للخلايا التي تتمتع بها هذه الببتيدات غير محددة، و يمكنها أن تعمل تآزرياً مع المكونات السمية العصبية، ويعتقد أنها تساعد في الهضم الخارجي للفريسة.

من جهة أخرى، تعتبر الببتيدات الحاوية على كبريت ثنائي هي المركبات الأهم في سموم العناكب، والمكون الأكثر سمية فيها (مع بعض الاستثناءات). إن هذه المركبات هي أكثر فعالية من الببتيدات ذات السمية الخلوية و أكثر انتقائية لأهدافها، والتي عادة ما تكون قنوات الأيون في الأعصاب (قنوات نقل الشوارد). وبسبب طبيعة بعض أهداف هذه السموم يعتقد بأن لها مهمة أخرى إلى جانب كونها مبيدة للحشرات، هي قدرتها على المساعدة في تجنب الحيوانات المفترسة الأخرى.

نصل أخيراً إلى المركبات ذات الوزن الجزيئي المرتفع، والتي تشمل الإنزيمات والبروتينات. نبدأ مع الإنزيمات، والتي لها دور واضح في المساعدة على الهضم الخارجي للفريسة حالما يدخل إليها السم وقد تم التعرف على عدة إنزيمات مختلفة في سم العناكب. بالإضافة إلى ما سبق فإن تحطيم هذه الإنزيمات للبنية الخارجية للفريسة يساعد على نشر السم داخل جسمها. يعتقد أن إنزيم هيالورونيداز hyaloronudase يلعب أيضاً دوراً دفاعياً لأن المركب الهدفي له وهو هيالورونان hyaloronan موجود فقط في الفقاريات و لا يوجد في اللافقاريات.

أما البروتينات، وهي المركبات ذات الوزن الجزيئي الأعلى، غير شائعة في سموم العناكب، مع بعض الاستثناءات مثل عنكبوت الأرملة السوداء حيث يحتوي سم هذا العنكبوت على مركبات سامة تدعى لاتروتوكسينات Latrotoxins كانت موضوعاً لدراسات عديدة. إحدى هذه المواد وهي ألفا-لاتروتوكسين latrotoxin-α ترتبط بالنهايات العصبية مسببةً تحرراً للنواقل العصبية بشكل كبير إلى المشابك مؤدياً بالتالي إلى حصر نقل الإشارات العصبية. إن تأثير لسعة عنكبوت الأرملة السوداء يستمر لمدة تصل إلى 5 أيام و نادرا ما يسبب الموت.

وفي الختام، قد نتساءل جميعاً، لماذا يعطي العلماء كل هذا الوقت لدراسة سموم العناكب بغض النظر عن موضوع الفضول العلمي؟!

إنها الرغبة في إنتاج مبيدات حشرية قادرة على القضاء على حشرات معينة دون التأثير على الكائنات الحية الأخرى. أي أننا نبحث عن سم ما من العناكب يكون فعالاً في إنتاج المبيدات الحشرية. إضافة إلى أن التنوع الكبير للعناكب وسمومها يجعلها موضوعاً هاماً للدراسة من أجل اكتشاف بعض المواد الدوائية.

كما ذكرنا لكم سابقاً، فإن سموم غالبية العناكب غير مؤذية للإنسان، بالرغم من ذلك هنالك بعض الاستثناءات مثل عنكبوت الأرملة السوداء(Black Widow spider)، العنكبوت الناسك البني (Recluse spider)، عنكبوت القمعية الوتراء (Funnel Web spider)، هذه العناكب تسبب تأثيرات مؤذية مهددة لصحة الإنسان.

المصدر

هنا