الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة

أكثر الأسئلة الفلسفية المثيرة للجدل

كما هو معروف، لا يمكن الإجابة عن أي سؤال فلسفيّ بشكلٍ حاسم. فطرح أي سؤال فلسفي غالبًا ما يؤدي إلى سلسلةٍ من التساؤلات والجدالات التي لا تنتهي. و كلما زادت التساؤلات حول أي طرح، زادت الصعوبة في إيجاد الجواب. في هذا المقال نطرح بعض الأسئلة الفلسفية المؤرقة للبشرية والتي قد تتجاوز حدود استيعاب العقل البشري.

هل عالمنا حقيقي؟

أحد الأسئلة الديكارتية الكلاسيكية التي مازالت تقض مضاجع الفلاسفة والمفكرين. كيف لنا أن نعرف أن ما نراه من حولنا حقيقي و ليس وهمًا كبيرًا لا نعلم به؟ في وقتنا المعاصر، أُعيدت صياغة السؤال إلى: "كيف لنا بأن نعلم بأننا لسنا نتاج تقنيّةٍ متقنة في محاكاة الواقع؟" وهل يمكن أن تكون الحضارة البشرية بأكملها محاكاة لحضارة أخرى في عالم آخر؟ إذا افترضنا أن الأشخاص الذين يديرون هذه المحاكاة مشاركون بها فإن هوياتنا وشخصياتنا سوف تكون معرضة للتغير لتتناسب مع هذه التجربة. وبالتالي تجبرنا هذه المعضلة الفلسفية على إعادة تقييم ما هو "واقعي" أو "حقيقي". يعتقد معظم الفلاسفة الواقعيون بأنّ امتلاك ما حولنا لصفات الواقعية يجبرنا على الإعلان بأنّه حقيقي.

هل يمكننا حقًا أن نكون موضوعيين؟

يوجد فرق بين فهم العالم بشكل موضوعي (أو على الأقل المحاولة) و بين معايشة تجربة وجودنا بشكل موضوعي. يطلق على هذه المعضلة "الكيفيات المحسوسة (Qualia)" و تعني أن محيطنا لا يمكن أن نلاحظه إلا من خلال حواسنا وتأملات عقولنا. كل ما نعرفه و نعلمه تمّ من خلال عمليات إدراكيّة وفيزيولوجية. إذًا، تجربتك في هذا العالم هي تجربة فريدة من نوعها، لا يمكن أن تتكرر مع شخص آخر. على سبيل المثال، يختلف تقدير اللون الأحمر بين شخص وآخر، فماذا عن العالم ككل؟ لا يمكننا ملاحظة الكون إلا من خلال العقل و بحكم ذلك فإن تفسير هذا الكون يعد أمرا ذاتيًا. فإذا افترضنا بأن هذا الكون متماسك وإلى حدٍ ما قابل للمعرفة، فهل علينا أن نستمر في افتراضنا بأن الموضوعية لا يمكن أبدًا اختبارها و عيشها؟

توسعت مفاهيم الموضوعية الفلسفية بشكل كبير مع التطور التكنولوجي من جهة، ومع ثورة ميكانيكا الكمّ من جهة أخرى. فمعالجة مفاهيم الموضوعية في إطار التطور التكنولوجي أدت إلى نتائج مخيفة للفكر البشري، الذي اكتشف شيئاً فشيئاً محدوديته، وعدم قدرته على المعالجة الموضوعية. لتبيان تفاصيل هذا الموضوع لنطرح أمامنا التساؤل التالي: "إلى أي درجة نستطيع قياس الجهد أو التيار في دارة كهربائية بدرجة موضوعية"؟

إن الإجابة الفيزيائية البسيطة عن هذا الموضوع تقرن عملية القياس هذه بدرجة حساسية أو دقة أجهزة القياس. ولكن الحقيقة هي أن عملية القياس نفسها هي عملية غير موضوعية، فحتى نقيس التيار في جزء من دارة نحن بحاجة إلى أن نأخذ عينة من هذا التيار، وبالتالي فإن عملية القياس نفسها أثرت على المقدار المُقاس وتسببت بهذه اللاموضوعية.

إن هذه اللاموضوعية التي توصلنا إليه في إطار ما يدعى اليوم ب "فلسفة القياس" تبرز بشكل أكثر وضوحاً في ميكانيكا الكم، حيث تؤثر عملية القياس نفسها على المقدار المُقاس بشكل دراماتيكي.

ما هو أفضل نظامٍ أخلاقيّ؟

لن نتمكن أبدًا من معرفة ما هو الصواب وما هو الخطأ. في تاريخنا كبشر، ادعى الفلاسفة وغيرهم بأننا وجدنا أفضل طريقة لتقيم أفعالنا وإرساء الأسس لما هو صواب. لكن الأمر ليس بهذه السهولة، فالحياة فوضويّة ومعقدة جدًا ولا يمكن تحديد أخلاقيات عامّة أو أخلاقيات مطلقة. تقول القاعدة الذهبية: عامل الآخرين كما تحبّ أن يعاملوك. تكمن مشكلة هذه القاعدة بأنها قد تستخدم لتبرير قمع الآخرين و تجاهل فرديتهم و تفردهم. بالإضافة إلى ذلك فهي قاعدة مبسطة لا تجاوب على الكثير من السيناريوهات المعقدة، مثل: هل من المسموح قتل البعض لإنقاذ المجموعة؟ أو من يملك قيمًا أخلاقية أكثر: جنين بشري أو قرد بالغ؟ فكما أثبت علماء الأعصاب بأن الأخلاق ليست مجرد قيم ثقافية بل هي أمر متأصل في نفسيتنا. في أحسن الأحوال يمكن القول بأن الأخلاق أمر معياري وبأن إحساسنا بالصواب والخطأ يتغير بتغير الوقت.

ما هي الأرقام؟

نستخدم الأرقام يوميًا وبشكل تلقائي. فإذا فكرنا قليلًا سنتساءل لماذا تساعدنا الأرقام في فهم قوانين الكون بشكل جيد؟ تتكون البنية الرياضية من أرقام ومجموعات ونقاط وحروف ولكن هل الأرقام شيء حقيقي؟ يؤمن أفلاطون بحقيقة الأرقام فيما لا يهمه إن كانت مرئية أم لا. لكن المدرسة الشكلية تصر على أن الأرقام عبارة عن نظم فقط. تشكل الأرقام معضلة وجودية حقيقية محيرة حول الطبيعة الحقيقية للكون والتي لا يمكن للإنسان أن يستكشف منها إلا الجزء المحسوس.

ما الذي يجعلك "أنت"؟

تأمل صورة لك قبل ثمان سنوات، هل الشخص في الصورة هو أنت بالفعل؟ إذا كانت خلايا جسم الإنسان تتغير كلياً خلال سبع سنوات فلن تكون أنت نفس الشخص الذي كنته قبل ثمانِ سنوات.

إذا استبدلنا دماغك بدماغ أينشتاين، فهل ستصبح أنت أينشتاين؟ إذاً فالذي يجعلك أنت هو عقلك! و لكن لماذا لا يمكن القول بأن الطحال أو الكبد هو ما يجعلك أنت؟ قد يجاوب البعض بأن الدماغ يقوم بكافة العمليات الذهنية التي تعكس حالاتك و تتحكم بها. فإن قلنا بأن جراحًا ما قام بنسخ الأفكار من دماغك ووضعها في دماغ رئيس الولايات المتحدة الأمريكية فمن أنت فعلاً؟ وإن وضعها في دماغ شخص آخر فهل تكون أنت في هذه الحالة في مكانين؟

ما الهدف من هذه الحياة؟

غالبًا ما ألقى طلاب الفلسفة هذا السؤال على أساتذتهم. حير هذا السؤال الإنسانيّة منذ أن أصبح الكائن البشري قادرًا على التفكير. و قرنًا بعد قرن، تم تداول هذا السؤال بين الفلاسفة والعلماء والمفكرين، وحاولوا الإجابة عنه كل على طريقته. مع التقدم العلمي والتطور الحضاري أصبح هذا السؤال ملحًا أكثر من أي وقت مضى وأي محاولة للإجابة عليه تزيد المسألة تعقيدًا و تشابكًا. فما المقصود بكلمة "معنى" على وجه التحديد و ما هي "الحياة" التي نقصدها في السؤال؟ كيف يمكن لهذا السؤال بحد ذاته أن يكون ذا معنى؟

المراجع

هنا

Will Buckingham. The Philosophy Book. DK: London. 2011