الطب > مقالات طبية

التغيراتُ المصاحبةُ للتقدم في العمر (2).. التغيرات في الجهاز العضلي الهيكلي

تكلمنا في المقالةِ السابقةِ على أنَّ التقدمَ في السِّن يصيب الإنسان بدايةً من الخليةِ إلى الأعضاء ومن ثمَّ الأجهزةِ التي تتألف من عدة أعضاءٍ، مما يؤثر على وظائفِ الجسمِ مع التقدمِ بالسِّن، ونوّهنا إلى نقطةٍ هامةٍ حيثُ أنَّ التقدمَ بالسنّ لا يصيب جميعَ أعضاءِ الجسمِ بنفس السوِيّةِ ولا تتأثر جميعُ الوظائفِ بالدرجة نفسِها؛ إذ يبقى المسنُّون الأصحاءُ قادرين على تلبية احتياجاتِهم بفعالية.


التغيرات في الجهاز العضلي الهيكلي المرافقة للتقدم في السِّن:

يتألف هذا الجهاز (Musculoskeletal System) من العظام والمفاصل والعضلات والأربطة والأوتار، ويصاب ببعض التغيرات مع التقدم في السِّن بعضها يعطي صفاتٍ مميزةً أو شكلاً مميزاً لكبار السن.

تتناقص كثافة العظام مع التقدم بالسِّن بشكلٍ واضح، وتصبح أكثر هشاشةً وقابليةً للكسر، وهذا ما يفسر لنا لماذا المسنّون أكثر عرضةً للكسور، وتلاحَظ هذه الظاهرةُ بشكلٍ جليٍّ عند النساء بعد سن الإياس بسبب نقص الإستروجين الذي يلعب دوراً في عملية تشكُّل العظام والحفاظ على متانتها. ومن الأسباب الهامة أيضاً التغيرات في الجهاز الهضمي التي تجعل امتصاص الكالسيوم أقل مما يؤدي لنقص ترسيبه على العظام وبالتالي نقصاً في كثافتها، كما لا تتأثر العظام أيضاً بنفس الدرجة إذ تتناقص كثافةُ العظام بالدرجة الأولى على مستوى رأسِ الفخذِ (عند الورك) وهذا ما يفسر لنا الكسرَ الشهيرَ لدى المسنّين والمسمّى بكسر الموتِ، وكذلك تقلّ الكثافة في عظمَي الزند والكُعْبُرَة إضافةً الى العظام المكوِّنةِ للعمود الفِقْرِي.

ما التظاهراتُ الشكليّةُ الهامة المرافقة للتغيرات على مستوى العمودِ الفِقْرِي؟

تؤدي التغيراتُ على مستوى الفِقرات الرقبيةِ للعمود الفقري إلى انحناء الرأس إلى الأمام وانضغاطِ الحلقِ، وكنتيجة لذلك نجد أنّ بعضَ المسنّين قد يعانون من صعوبة في البلع (توجد أسبابٌ أخرى أيضاً مثل قلّةِ إفرازِ اللعاب)، واحتمالٍ أكبرَ لحدوث الاختناق، ويعتبر الحُدابُ (Kyphosis) كذلك من الظواهر المميزةِ للتقدم في العمر.

يمكن لنقص الكثافةِ العظمية وفقد الأقراص بين الفِقْرِيّة للسوائل أن يسبِّبَ انضغاطَ الفقراتِ لتصبح المسافةُ فيما بينها أقصرَ مما يؤدي إلى قِصرِ العمود الفقري وبالتالي يصبح المُسنّ أقصرَ قامةً مما كان عليه في المراحل العمرية السابقة.

التغيرات على مستوى المفاصل:

تطرأ بعضُ التغيراتِ على بنية المفاصلِ مسببةً العديدَ من المشاكل مع التقدم بالعمر، ولعلَّ أكثرَ هذه التغيرات هي التي تطرأ على مستوى الغضاريف بحيث يتآكل الغضروفُ ويصبح أقلَّ سماكةً مع التقدم في السِّن، فلا تنزلق سطوحُ المفصل على بعضها بسلاسة وهذا ما يسبب احتكاكاً في السطوح العظمية وأذيّةً مترقِّيةً تؤدي الى الإصابة بالفُصَال العظمي (osteoarthritis)* وهو من أكثر الأمراض شيوعاً لدى فئة كبار السن.

التغيرات على مستوى الأربطة والأوتار:

تَطالُ التغيراتُ المرافقةُ للتقدم بالسنِّ الأربطةَ والأوتارَ فتصبح أقل مرونةً بسبب قلة كفاءة الخلايا المكونة لها مسببةً العديدَ من المشاكل الشائعة لدى المسنّين مثل تيبُّس المفاصل، حيث أن الضعفَ الحاصل في هذه الأنسجة يجعل حركة المُسنّ أقلَّ مرونةً، وتصبحُ الأربطةُ أكثرَ عرضةً للتمزق وأكثَرَ بُطءاً في الالتئام عندَ تمزُّقها.

التغيرات على مستوى العضلات:

تطالُ التغيراتُ المصاحبةُ للتقدم بالعمر بنيةَ وكتلةَ العضلاتِ وقوتَها التي تميلُ للتناقص في سن الثلاثين وتستمر بذلك مع التقدم في السن، ومن أسباب هذه التغيراتِ نقصُ مستوياتِ هرمونِ النمو وهرمونِ التستوستيرون الذي يحفّز بناءَ العضلات، وتصبح أيضاً الأليافُ العضليةُ أقلَّ مرونةً وأبطأَ في عملية التقلص، ولكن هذه التغيراتِ لا تطال أكثرَ من 10 - 15 % من كتلة العضلاتِ لدى المُسنّ ذي الصحةِ الجيدة. وأما التغيرُ الأخطرُ وهو ضمورُ العضلاتِ (sarcopenia)* فلا ينتج عن التقدم في السِّن كسببٍ وحيد، ولكن أيضاً بسبب الأمراض الأخرى ونقص النشاطِ البدني.

تلعب العديد من العوامل؛ وأهمّها التغذيةُ والنشاطُ البدني، دوراً في التغيرات التي تطرأ على الجهاز العضليِّ الهيكلي، فيبقى معظم المسنّين قادرين على القيام بوظائفهم كافةً ويمكن للكثير منهم أن يحافظوا على مستوىً مقبولٍ من اللياقة البدنيةِ ويحتفظوا بقدرتهم على ممارسة الرياضة حتى العنيفةِ منها، ولكن سوف يلاحظون تغيراً في لياقتهم البدنية مع الوقت وإن احتفظوا بتلك القدرات. كما يساعدُ التمرينُ المنتظم المُسنَّ على الحفاظ على الكتلة العضلية ومرونتِها وصحةِ المفاصل والعظام، والعكسُ صحيحٌ؛ فنقصُ الفعالية البدنيةِ وملازمةُ السرير أثناء المرضِ تجعل المُسنَّ أكثرَ عرضةً لتناقص الكتلة العضلية والكثافة العظميةِ من الفئات العمرية الأصغرِ سنّاً.


الحاشية:

الفُصالُ العظمي (osteoarthritis): يعتبرُ الفُصالُ العظميُّ النموذجَ الأكثرَ شيوعاً لالتهاب المفاصل الذي يصيبُ ملايين الأشخاص حول العالم، ويحدث بسبب إجهاد الغضاريفِ الموجودة عند أطرافِ العظامِ مع مرورِ الزمن.

المصدر:

هنا

مرض ضمور العضلات (Sarcopenia): هو مرضٌ مترافقٌ مع عملية التقدم في السِّن، وتشمُل العلامات المميزة له تناقص الكتلة العضلية وقوَّتها التي تؤثر بدورها في التوازن والخَطوِ وإنجاز مهام الحياة اليومية.

المصدر:

هنا

المصادر:

هنا

هنا

هنا