كتاب > روايات ومقالات

مراجعة رواية (بيروت بيروت): الحرب التي لا تريد ٲن تنتهي.

عند القول "عقب انتهاء الحرب" هذا لا يعني استقرار الوضع. فرسميّاً انتهت الحرب عام 1977 (بدأت عام 1975) بسيطرةِ قوّات الردع العربية التي تتٲلف غالبيتها من قواتٍ سورية، لكن الاشتباكات لم تتوقف. و إذا كانت بين جانبين متعاكسين،فهي تركّزت في الآونة الأخيرة (1980) بين القوى المختلفة لكل منهما،"بصورةٍ تُعيدُ إلى الأذهان صراع عصابات شيكاغو في العشرينيّات و الثلاثينيّات و المعارك الدموية بين عائلات المافيا". ومما لا يخفى على أحد، تعدّد الأطراف المشاركة في الحرب الأهلية اللبنانية، ٳضافةً إلى تعدّد الضحايا!

من اشتباكات "المرابطين" مع "الحزب القومي" إلى النزاعات بين ميليشيا الكتائب المارونية " أو (الجبهة اللبنانية) كما تُسمي نفسها، والتي تتٲلف من بيار الجميّل (الكتائب) وشمعون (النمور) وفرنجيّة (المردة)، فضلاً عن شربل قسّيس (المجلس الدائم للرهبانيات)، وٳتيين صقر (حرّاس الٲرز)"- الذي دفع بـ كميل شمعون قائد ميليشيا النمور المارونية إلى الإشتراك في المجلس العسكريّ للقواتِ اللبنانية مقابلَ حصولهِ على نصيبٍ من أرباح ميناء ضبية.

ومن الجهة الغربيّة، تدورك معارك مماثلة بين القوّات العديدة "التي تتألف منها الجبهة المُضادّة التي تُسمى أحياناً بالإسلامية ، وأحياناً أخرى بالوطنية، وأحيانًا ثالثة بالتقدمية، وأحياناً رابعة باليسارية".

"وبالإضافة إلى المنظمات الفلسطينية التي يرتبط بعضها ببلاد عربيةٍ متناحرة مثل العراق وسوريا أوالسعودية وليبيا، فإن هذه الجبهة تتألف من أحزاب ناصريّة يتوزّع ولاؤها بين العراق وسوريا وليبيا وتنظيمين بعثييّن يتبع أحدهما العراق، بينما يسير الآخر خلف القيادة السورية، وآخرَين شيوعييَّن يرفعان راية ماركس ولينين، وحزب إشتراكي يُعبِّر عن الأجنحة الليبرالية في طائفة الدروز، وجماعاتٍ إسلامية متفرّقة، يُمثل بعضها الزّعامات التقليدية لطائفتي السّنة والشيعة، هي زعامات شبه ٳقطاعيّة تربطُها خيوطٌ وثيقة بالٲنظمة الملكيّة في العالم العربي، بينما يمثّل البعض الآخر زعاماتٍ جديدة لهاتين الطائفتين، يحظى بعضها بمساندة الخُميني، و يحظى البعض الآخر بدعم القذافي". دون نسيان الإعتداءات الإسرائيلية التي لم تتوقف. وأضحى من السّهلِ جداً أن تَنشبَ صراعاتٌ بين هذه "الجماعات المتباينة"، فإن أيّ شجارٍٍ تافه على الطريق قد يؤدي إلى اشتباك واسع النطاق، فبحكم التفكير العشائري، ستهبُّ تلك الحماعات التي يتبع لها الفرد، بلغة المسدس.

أسلوبٌ تهكميٌّ مُتألم واضح برز في هذا الكتاب، تحدثَ عن سخريّة الحروب وبؤسها والٳعلام اللامنطقي:

"هناك على الٲقل سبع ٳذاعات لبنانية تبثُّ الآن وحتى العاشرة مساء. واحدةٌ للكتائب وأخرى لسليمان فرنجيّة وثالثة تشرف عليها الكنائس الأميركية وتنطق بإسم دويلة سعد حدّاد في الجنوب. ثم رابعة ناصرية تذيع ٲغاني أم كلثوم وعبد الحليم حافظ والشيخ ٳمام ويديرها المرابطون. هذا فضلاً عن الإذاعةِ الرسميّة.

جاءنا صوت فيروز فسٲلته عن هوية الإذاعة.

كل الإذاعات تذيع أغاني فيروز. رغم أنها مارونيّة."- وهستيريا الأخبار. بغيابِ التّركيزِ على الوجه الحضاري والثقافي (كتزويرِ الكتبِ مثلاً) و الوجه الأهم.. الشعب. ٲناسٌ كثر قد تضرّروا إذ أنهم في "البلد" حقاً! تٲثروا برياحهِ وتلوّنوا بدمائه و انتُشلوا من جذوره. ولم يرتدوا الأقنعة السياسية.

" -هل عدنان مرتبط بجهةٍ معينة؟

- الإجابة صعبة. فقد مضى العهد الذي كان الواحد يرتبط فيه بجهة محددّة. الكل الآن يُنوّعون ارتباطاتهم تحسُّباً للمفاجآت."

ستمشي في الشوارع منتظراً الموت، متوجسّاً من ٳخطاء الحياة لك.. الأسطح، السيارات، كل ما حولك ملغوم.

خلال تأخر ٳجراءاتِ نشر كتابه، التقى بالمخرجة أنطوانيت فاخوري -عن طريق صديقهِ وديع- في الاستوديو التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، ليَبتدئ عرض فيلمٍ لم ينتهِ بعد، بعنوانٍ كبير "ماذا يحدث للبنان؟". وقد خرج لاحقاً من الاستوديو محمّلاً بملفاتِ مجلدات تضم تاريخاً كاملاً! ما شٲنه بكل هذا؟ و عم يتحدث الفيلم؟ ماذا تُخبئ تلك المجلّدات في سطورها؟ و ما دور لَمياء في حياته؟ هل كانت ألحان الرحباني.. ٲلحانه حقاً؟

ستدور المافيولا و يكتمل العرض..

"لبنان واحةُ الحرّية" و فيروزُ تنادي "زوروني كل سنة مَرّة حرام تنسوني بالمرة".. ملصقات: "كازينو لبنان يُقدّم كل مساء ٲفخر المازات و ٲطيب المأكولات الشرقيّة استعداداً تاماً لتلبية كافة الطلبات".. جانب من صحيفةٍ يومية: "جريمة برج حمّود".. عنوان: "لبنان أرض التسامح".. ٳعلان: "أمعاء الخروف هي أكل الكلاب المفضّل. و قد أعددناها لكم بعدة طرق تلائم الأمزجة المتنوعة.".. و عنوان آخر: "ياسر عرفات أوأبو عمّار، زعيمُ منظمّة «فَتح»، كُبرى المنظّمات التي تتكون منها منظمة التحرير الفلسطينية، و الأمين العام للمنظمة الأخيرة، و القائد العام لقوّاتِ الثورة الفلسطينية، كما يُلقّبُ في النشراتِ الرسمية، و «الختيار» أي العجوز كما يناديه أعوانه.

ياسر عرفات في حديثٍ إلى الصحفيين: «لا نطلب ٳلا أن يؤمَّن ظهرُنا، ولا يُساومُ بنا أو علينا»". تتبعهُ صورة لفيروز و عاصي الرحباني في القاهرة عام 1955.

عنوان:

"طوالَ الحرب الأهليّة، كان القتالُ يَتوقّفُ تماماً في الساعة السابعة من مساءِ كلِّ يوم، ليَستمع كل اللبنانيين إلى برنامج زياد الرحباني، إبن فيروز، من الإذاعة اللبنانية." وصوت زياد: «بعدنا طيبين».

"فيلم امريكي طويل.." ثم، ماذا حدث للبنان؟!

عناوينٌ و عناوين.. جميعها مُقدِّمة لفيلمٍ! و فصولهُ تتوالى.. تتوالى، ليأت أحدُ الفصولِ بذكر ضحايا.. لا أعداد! لكلٍّ منهم إسم وحياة،و ٲهل وأحباب، ولَيسوا أرقاماً تُذكر على شريط الٲخبار العاجل.

يَنتهونَ من تدقيقِ الفيلم و يَخرجون إلى حفلٍ في مسرحِ الجامعةِ الأميركية في بيروت ،فبالرغم من كلِّ شيء ما زالت الحفلاتُ قائمةً، و تَنفجرُ الدّموع والبراكين عند:

"ٲهو دا اللي صار وأدي اللي كان

ملكش حقِّ تلوم عليّا

تلوم عليّا إزاي يا سيدنا

و خير بلادنا مَهوش بٳيدنا

قلّي عن حاجات تِفدنا

و بعدها إبقا لوم عليّا

بدال ما يَشمت فينا حاسد

إيدك فٳديّا نقوم نجاهد

وإحنا نِبقا شعبِ واحد

والأيادي تكون قويّة."

ٳذاً.. هل نُشر الكتاب؟!

معلومات الكتاب:

الكتاب: رواية بيروت بيروت

المؤلف: صنع الله ٳبراهيم

الناشر: دار الثقافة الجديدة (الطبعة السادسة)

الطبعة الأولى عام 1984

الترقيم الدولي: 978-977-221-178-4