الكيمياء والصيدلة > صيدلة

الجمرة الخبيثة تحمل أدوية السرطان إلى الخلايا

تملك عصياتُ الجمرةِ الخبيثةِ آليةً فعالةً جداً في إدخالِ البروتينات السامةِ داخلَ الخلايا، مما يؤدي إلى عدوى قاتلةٍ معروفةٍ باسمِ الجمرةِ الخبيثة، وحالياً توصل فريقٌ من الباحثين في MIT إلى استخدامِ نظامِ التوصيلِ هذا لغرضٍ مختلفٍ ألا وهو إعطاءُ أدويةٍ مضادةٍ للسرطان.

وهذا في بحثٍ نُشِر في مجلة ChemBioChem، أظهر إمكانيةَ استخدامِ صيغةٍ مُعطَّلةٍ من ذيفان الجمرةِ الخبيثة لتوصيل اثنينِ من البروتينات المعروفة بمحاكياتِ الأجسامِ المضادة، القادرةِ بدورِها على قتلِ الخلايا السرطانية عن طريق تعطيلِ بروتيناتٍ معينةٍ داخلَ الخلايا. ويمثل هذا أول إثباتٍ على الإدخالِ الفعال لمحاكياتِ الأضداد إلى الخلايا، الذي يمكن أن يسمحَ للباحثين بتطويرِ أدويةٍ جديدةٍ للسرطان وأمراضٍ كثيرةٍ أخرى.

ما هي الأضداد؟ وما هي آليةُ العلاجِ بها؟

الأضدادُ أو الأجسامُ المضادةُ هي عبارةٌ عن بروتيناتٍ طبيعيةٍ ينتجها الجسمُ لتقومَ بربطِ الأجسامِ الأجنبية، وتشكل منطقةً سريعةَ النمو في التطورِ الصيدلاني. فقد صمم العلماء مؤخراً وبإلهامٍ من تفاعلات البروتين الطبيعيةِ أضداداً جديدةً يمكن أن تعطل بروتيناتٍ مثل مستقبلات HER2 الموجودةِ على سطح بعض الخلايا السرطانية، وقد استُخدم الدواءُ الناتج المسمى الهيرسبتين بنجاحٍ لعلاجِ أورام الثدي والتي تعبّرُ خلاياه عن مستقبلاتِ HER2 على سطحها بكثرة. وقد تم تطوير العديد من الأضدادِ العلاجية لاستهدافِ مستقبلاتٍ أخرى وُجِدت على سطح الخلايا السرطانية.

لكن هل من صعوباتٍ تعترضُ العلاجَ بهذه الأضداد؟

تبقى الفائدةُ المحتملة لهذا الأسلوبِ العلاجيِّ محدودةً لأنه من الصعب جداً إدخالُ بروتيناتٍ إلى داخل الخلايا، وهذا يعني صعوبةً في وصول الدواء إلى العديدِ من الأهدافِ داخل الخلوية، حيث يبقى عبورُ غشاءِ الخلية التحديَّ الأكبر، فإن عدمَ وجودِ تقنيةٍ شاملةٍ لإيصالِ الأضدادِ إلى داخل الخلايا يمثل أحدَ العقباتِ الرئيسيةِ في مجال التكنولوجيا الحيوية.

ما الحلُّ إذاً؟!

عملَ العلماءُ على مدى عقودٍ لفهمِ كيفيةِ دخول ذيفاناتِ الجمرةِ الخبيثةِ إلى داخلِ الخلايا، وقد بدأ الباحثون مؤخراً دراسةَ إمكانيةِ مُماثلةِ هذا النظام في إيصالِ جزيئاٍت بروتينيةٍ صغيرةٍ كاللقاحات.

يملك ذيفانُ الجمرة الخبيثة ثلاثةَ عناصرَ رئيسية، وأحدها هو بروتينٌ يسمى بالمستضد الحامي PA، الذي يرتبطُ مع مستقبلاتٍ تسمى TEM8 و CMG2 موجودةٍ على سطح معظم خلايا الثدييات، وبمجرد ارتباطِ هذا المستضد بالخلية يشكلُ موقعاً لارتباطِ اثنين من بروتينات الجمرة، وهما العاملُ القاتلُ LF وعاملُ الوذمة EF، حيث تُضخُّ هذه البروتينات إلى داخل الخليةِ عبر مسامٍ ضيقةٍ وتبدأ عملَها في تعطيلِ العمليات الخلوية، مما يؤدي غالباً إلى موتِ الخلية.

لكن كيف نجعل هذا النظامَ غيرَ مؤذٍ ونعطلُ عملَه؟

يتم ذلك عن طريقش إزالةِ أجزاءِ البروتينات LF و EF المسؤولة عن الفعاليات السامة للجمرة، وتركِ الجزءِ الذي يسمح لهذه البروتينات باختراق الخلية، حيث قام فريق MIT باستبدالِ البروتينات السامة بمحاكياتِ (مشابهات) الأضداد، ليسمح بذلك لهذه الأضدادِ المحملةِ بالوصول إلى داخل الخلايا من خلال قناة PA، وتكون هذه المشابهات مرتكزةٌ على حواملَ بروتينيةٍ أصغرَ من الأضداد لكنها تحافظ على التنوعِ البنيويِّ ومصممةٌ لاستهداف بروتيناتٍ مختلفةٍ داخل الخلية.

وكان قد نجح الباحثون في هذه الدراسة باستهدافِ بروتيناتٍ عديدةٍ، بما في ذلك BCR-Abl الذي يسبب ابيضاضَ الدم النخاعانيِّ المزمن، حيث يعطلُ هذا البروتين الموتَ الخلويَّ المبرمجَ للخلايا السرطانية. كما نجح الباحثون في تعطيل hRaf-1 وهو بروتينٌ مفرطُ النشاط في العديد من أنواع السرطان.

يمثل هذا العمل تقدماً بارزاً في مجالِ إيصال الدواء، و من المتوقع أن يتمَّ تطبيقُ النتائجِ على بعض نماذجِ الأمراض في الجسم الحي، حيث يختبر فريق MIT حالياً هذه الطريقةَ لعلاج الأورامِ عندَ الفئران ويعمل أيضاً لإيجادِ طرقِ إيصالِ الأضدادِ إلى خلايا محددةٍ.

المصادر هنا