العمارة والتشييد > عمارة افتراضية ورقمية

لعبة Assassin's Creed IIمغامرة بإيقاع معماري!

تجري أحداث هذه اللعبة ضمن بيئة مفتوحة تسمح لللاعب بالتجول حيث يرغب في مدن مثل فلورنسا Florence والبندقيةVenice وسان جيميجنانو San Gimignano ليكون على تماسٍ مباشرٍ مع العديد من التفاصيل التي ترسم ملامح المدينة، فهل تساءلت يوماً عن مدى صحة هذه التفاصيل؟ وهل هي مطابقة للفترة التاريخية التي تدور ضمنها أحداث اللعبة؟

تتحدث اللعبة عن دور Ezio Auditore da Firenze ، المعروف بقاتل فلورنسا خلال عصر النهضة في إيطاليا ، تحت حكم البابا ألكسندر السادس. حيث أضيف لها العديد من العناصر التي كانت سائدة في فترة عصر النهضة لخلق سيناريو يمكننا من التفاعل مع شخصيات مثل ميكيافيللي Machiavelli و ليوناردو دافنشيLeonardo da Vinci.

احتاجت شركة Ubisoft المنتجة للّعبة أن تحيط بالفترة الواقعة بين عامي 1476 م و1503م من أجل تصميم الشخصيات، والمحاكاة الثلاثية الأبعاد للمنطقة التي تدور أحداث اللعبة فيها. ليبرز هنا دور المعماري...

حيث بدأت رحلة تصميم مكان اللعبة بتحضير María Navarro المستشارة المعمارية للّعبة وقائدة فريق التصميم مجموعة أبحاث متعلقة بتاريخ العمارة، تضمنت هذه الأبحاث مجموعة كبيرة من المعلومات المعماريّة والتاريخيّة المرتبطة باللعبة ، مثل تاريخ منزل عائلة ميديشي Medici و سافونا لورا Savonarola، كما قامت بتحضير مجموعة من الوثائق من أرشيف وقاعدة بيانات جامعة McGill التي كانت تعمل فيها، وذلك لتتمكن من الاستجابة لاحتياجات التصميم المختلفة. أحد هذه الوثائق على سبيل المثال تضمنت قائمة بالمباني التي كانت موجودة في مدينة البندقية ولازالت قائمة حتى وقتنا هذا كالكنائس، حيث اكتشفت أنّه لم يتم البدء ببناء الواجهات بأسلوب عصر النهضة سوى بعد وقت طويل من تلك الفترة المطلوب محاكاتها ، لذلك عرضت على فريق التصميم منطقة سان لورينزو San Lorenzo ( التي لم تحوي على أي واجهة من طراز عصر النهضة) ليتمكنوا من تخيّل الكيفية التي كانت تبنى عليها الكنائس في ذلك الوقت، ويقدموا تصاميمهم على هذا الأساس.

أحد اللحظات المميزة في فترة التصميم كانت عندما احتاج المصممون مدينة أخرى غير المدن الرئيسية وتحتوي على مجموعة من الأبراج والأماكن المرتفعة لتدور فيها أحداث اللعبة ليستقر الأمر بعد الكثير من البحث والتقصي على أن الخيار الأمثل لمثل هذه المتطلبات هو مدينة San Gimignano.

جانب آخر تعاملت معه المستشارة المعمارية للعبة هو مظهر الأبنية. حيث اجتمعت المستشارة بشكل دوري مع مصمِّمي ومطوِّري اللعبة للتأكد من الدقّة التاريخيّة للتصميم. ففي كثيرٍ من الأحيان احتاج المصممون لإضافة بروزات للأبنية لمساعدة الشخصية Ezio على التسلق، لكن عند جمع هذه الأبنية ضمن المخطط تبيّن أن هناك عدم دقّة، فمثلاً كان أحد الأبنية يحوي شرفة سوراً من الحديد المشغول، وهو نمط لا يمكن أن يكون موجوداً في تلك الحقبة، وقد كانت المستشارة المعمارية هي المسؤولة عن اكتشاف مثل هذه الأخطاء.

كما أنّ المنازل المبنية في نهاية القرن الخامس عشر لم يتعدى ارتفاعها الطابق الواحد أو الطابقين على أكثر تقدير، لكن المصمِّمين قرَّروا تجاهل هذه الحقيقة لمصلحة اللعبة.

لم يقتصر عمل المستشارة المعمارية على نمط المباني فحسب، بل امتد ليصل إلى مطابقة أزياء الشخصيات مع النمط السائد في ذلك الوقت، حيث قامت بفحص اللوحات الفنية المرسومة في تلك الفترة بأدق تفاصيلها، ليتبين وجود فوارق كبيرة بين مدينتي فلورنسا والبندقية. فعلى سبيل المثال يوجد لكل مدينة قانون مختلف فيما يتعلق بقبَّة اللِّباس المسموح للمرأة ارتدائه. ففي مدينة البندقية كانت القوانين متراخية بعض الشيء، لذلك ظهرت فتيات الليل في هذه المدينة، وعلى الرغم من ذلك لم يكن مسموحاً للسيدات النبيلات بالظهور دون ملابس ساترة لا في البندقية ولا في فلورنسا، كما كان الرجال يرتدون قبعات مميزة في فلورنسا في حين لم يكن ذلك شائعاً في البندقية.

ما يميِّز الموضوع هو القدر الكبير من المشقَّة والاهتمام الذي أظهره مطوِّري اللعبة لمراعاة المصداقية التاريخية للمنتج وإظهار الكثير من التفاصيل والمعلومات التي كانت مبهمة أو غير معروفة للكثيرين، فقد استغرقت كل شخصية رئيسية في اللعبة ما يقارب عاماً كاملاً من العمل. مما يطرح تساؤلاً مهماً عن إمكانية الاعتماد على مثل هذه الألعاب واستخدامها مستقبلاً كجزء من العملية التعليمية!

يُذكر أنَّ العمل على المشروع كان يتم بسريّة مطلقة، حيث لم يكن مسموحاً للمستشارة بالتحدث عن عملها، كما أنَّ المراحل الأخيرة من التصميم كان يتم العمل عليها في قبو ذو حراسة مشددّة!!!

لذلك إن كنت تعتقد أن عمل المعماري يتم في مكاتب فارهة، ويقتصر على تصميم الأبنية ، فكّر مجدداً.

العمارة أكثر التصاقاً بحياتنا اليومية مما كنّا نعتقد

المصدر:

هنا