الطب > مقالات طبية

قطرة للعين لإذابة السادّ قد تُغني عن الجراحة مستقبلاً

يصيب مرضُ السادِّ cataract ملايينَ الأشخاصِ حول العالمِ، ونعلم بأنَّ الجراحةَ هي العلاجُ الوحيدُ له في الوقت الحاليِّ، إلا أنّ بحثاً أُجريَ مؤخراً في جامعة كاليفورنيا يطرح حلاً جديداً وبسيطاً لمعالجةِ هذه الحالةِ بعيداً عن الجراحة..

ما هو مرضُ السادّ؟

السادُّ cataract (ويُطلَق عليه أيضاً: الماءُ البيضاءُ أو عتامةُ عدسةِ العينِ)، هي أيُّ تعكّرٍ أو عتامةٍ في عدسةِ العينِ، والتي تكون نقيةً وشفافةً تماماً في الحالةِ الطبيعية. وهناك عدةُ أنواعٍ للسادِّ؛ فبعضُها صغيرٌ ولا يؤثّر على الرؤيةِ، وبعضُها كبيرٌ وقد يسبب فقداناً حاداً للبصر.

يؤدي المرضُ إلى جعلِ عدسةِ العينِ ضبابيّةً بشكلٍ مُتزايدٍ، وفى حالِ عدمِ العلاجِ قد يؤدي إلى العمى الكلّي. يحدث هذا بسببِ تداعي بنيةِ البروتيناتِ البِللوريةِ المُكوِّنةِ لعدسة العين؛ حيث تتجمّع تلك البروتيناتُ المُتداعيةُ معاً لتكوّنَ طبقةً بيضاءَ مُزْرَقّةً، أو بنّيةَ اللونِ مما يؤدّي إلى حدوثِ الرؤيةِ الضبابيّةِ. وعلى الرغمِ من عدمِ انتشارِ مرضِ السّاد من عينٍ إلى أخرى إلا أنه قد يحدث في كلتا العينين معاً بشكلٍ مستقل.

يصيب السادُّ عشراتِ الملايينِ حول العالمِ، ونحوَ 17.2% من الأمريكيين فوق سن الـ40. والعلاجُ الوحيدُ في الوقتِ الحاليِّ هو الجراحةُ، بالليزر أو بالمشارطِ التي يتم فيها قطعُ الجزيئاتِ التي تتشكل في العينِ مع استمرارِ تطورِ السادِّ، كما يقوم الجراحون أحياناً باستبدالِ عدسات العين. ولكنّ علماءً في الولاياتِ المتحدةِ قاموا بتطوير عقارٍ جديدٍ يمكن أن يُستخدَمَ على شكل قطرةٍ عينيةٍ بهدف إذابةِ السادِّ أو تقليصِ كميّته. وعلى الرغم من أنّ العقارَ لم تتمَّ تجربتُه على البشرِ حتى الآن، إلا أنَّ باحثين من جامعةِ كاليفورنيا بمدينة سان دييغو، يأملون في تحقيق النجاحِ نفسِه فى التجاربِ على البشرِ، لتوفير أولِ علاجٍ يُغني عن التدخلِ الجراحيِّ المُتعبِ وغيرِ المُستحبِّ للمرضى، والمُكْلفِ في أغلبِ الأحيان.

على الرغمِ من عدمِ فهمِ العلماءِ تماماً لكيفيةِ تشكّلِ السادِّ، لكنهم يعرفون أنّ "الضبابَ" الذي يراه المصابون هو مجموعةٌ من البروتينات المتكسّرةِ والتي تلتصق ببعضِها لتشكّلَ هذا الخلل. ففي الحالةِ الطبيعيةِ، تساعد بروتيناتُ غلوبُولين العدسةِ أو ما يُطلق عليها اسمَ crystallin، تساعد عدسةَ العينِ على المحافظةِ على هيكلِها وشفافيتِها. ولكن نظراً لتقدمِ الإنسانِ والحيوانِ في السنِّ، فإنّ بروتيناتِ الكريستالين هذه تبدأ بفقدانِ قدرتِها على العملِ، ثم تتجمع معاً لتشكلَ سُدادةً صفيحيةً في العدسةِ، مسببةً الرؤيةَ الضبابيةَ التي ترافق السادّ.

لمعرفة المزيدِ عن مرض السادِّ يمكنكم قراءةُ مقالِ قسمِ الطبِّ في موقع "الباحثون السوريون" باستخدام الرابطِ أدناه:

هنا

وتبعاً لمؤسسةِ فْرِيد هالوز – وهي مؤسسةٌ خيريةٌ تعمل على علاجِ ومنعِ العمى– يوجد حوالي 32.4 مليون شخصٍ فاقدٍ للبصر في العالم؛ يعيش 90% (تسعون بالمئة) منهم فى الدولِ الناميةِ، ويُعتبر السادُّ مسؤولاً عن أكثرِ من نصفِ تلك الحالاتِ، مما يعني أنّ قطرةً تُغني عن التدخلِ الجراحيِّ ستصنع فرقاً لا يمكن تخيلُه.

قصة اكتشافِ العلاج..

إن إيجادَ حلٍ آخرَ غير الجراحةِ لم يكن سهلاً، فقد عمل العلماءُ لسنواتٍ على طفراتٍ وراثيةٍ تصيب بروتيناتِ الكريستالين التي قد توفر رؤىً جديدةً وتمهّد الطريقَ لعلاجٍ بديلٍ، ويبدو أنّ فريقاً بقيادة عالمةِ البيولوجيا الجزيئيةِ لينغ زاو Ling Zhao في جامعةِ كاليفورنيا (UC) في سان دييغو قد قام بذلك؛ حيث جاء فريقُها بفكرة القطرةِ العينيةِ بعد أن وجدوا أنّ الأطفالَ الذين يعانون من عتامةِ العدسةِ وراثياً، يتشاركون بطفرةٍ تُوْقِف إنتاجَ اللانوستيرول lanosterol.

العلاج الجديد مبنيٌّ على ستيرويد* يوجد طبيعياً فى الجسمِ يُسمى لانوستيرول. انتبه العلماءُ لفكرة استخدامِ الـ لانوستيرول في علاجِ السّادِ عندما علموا بولادة شقيقَين من الصينِ مصابَين بنوعٍ خِلقيٍّ (congenital) من السّاد، في حينِ أنّ أبويهما لم يُصابا به. وبالبحث وجدوا أنّ طفرةً وراثيةً (تحوّراً جينياً) قد طرأ على المادة الوراثيةِ للطفلَين ومَنَع تكوّنَ مادةِ اللانوستيرول، على عكس أبويهما اللذين لم يحملا الطفرةَ المذكورةَ ولم يُصابا بالسادّ. وبما أنّ جسمَي الطفلَين لم يُنتجا اللانوستيرول وأُصيبا بالسادِّ فى حين أنتجَه أبواهما بشكلٍ طبيعيٍّ ولم يُصابا بالمرض، استنتج الباحثون أنّه ربما كان لهذه المادّةِ دورٌ فى منع تراكمِ البروتيناتِ المُتداعيةِ فى عدسة العينِ، وبالتالي منعِ حدوثِ السّادِ فى الأشخاص غيرِ المُصابين وراثياً بالمرض.

وقد تساءلوا عن قدرةِ اللانوستيرول على منعِ أو الحدِّ من عتامةِ العدسةِ، وللإجابةِ عن هذا التساؤلِ قام الفريقُ باختبارِ محلولٍ محمَّلٍ بمادةِ اللانوستيرول (lanosterol-laden solution) في ثلاثِ تجاربَ منفصلةٍ:

ففى البداية اختبروا القطرةَ فى المختبرعلى عدساتٍ بشريّةٍ تمّ التبرّعُ بها، وقد كانت النتيجةُ حدوثَ انخفاضٍ في حجمِ السادِّ في تلك العدسات.

ثمّ انتقلوا للمرحلة الثانيةِ وقاموا بإجراءِ تجاربَ على الأرانب. وفى غضون ستّةِ أيامٍ وعلى عيّنةٍ من 13 أرنباً، استجاب 11 منهم للعلاج بشكلٍ جيدٍ وحدث تَحسّنٌ ملحوظ، كما وتحوّلتِ الحالةُ من الإصابة الشديدةِ بالسّاد إلى الإصابة الطفيفةِ أو الشفاءِ التام منه.

وأخيراً، انتقل الفريقُ إلى الاختباراتِ على الكلابِ، باستخدام مجموعةٍ مؤلفةٍ من سبعةِ كلابٍ تنتمي إلى أنواعٍ تعاني طبيعياً من السادّ، وكانت استجابةُ الكلابِ تماماً كما كان يأمل الباحثون عند استخدامِ محلولِ اللانوستيرول؛ حيث تم إعطاؤه على شكلِ حقنٍ في العين وبشكلِ قطراتٍ عينيةٍ أيضاً، فلوحِظ حدوثُ نمطِ الانحلالِ نفسِه الذي ظهر سابقاً لدى كلٍّ من خلايا عدساتِ البشرِ والأرانب.

كان التحسنُ كبيراً، إذ لوحِظَ انخفاضُ عتامةِ العدسةِ بمجردِ النظرِ إلى عيونِ الكلابِ، إلا أنّ الآليةَ الدقيقةَ لكيفية عملِ اللانوستيرول لتفريق كتلِ البروتيناتِ لا تزال غيرَ مفهومةٍ تماماً، ومع هذا يبدو أن الباحثين متفائلون بالنتائج التي حصلوا عليها والتي تُعَدّ –على حد قولِهم- من أفضل ما حصلوا عليه في هذا المجالِ خلال عقدٍ من الزمن.

وقد علّق الدكتور جوناثان كينج – عالمُ الأحياءِ الجزيئيةِ بمعهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا MIT – قائلاً:

"يُعتبرُ هذا البحثُ من أكثرِ الأبحاثِ شموليةً وإقناعاً وهو من أهمّ الأبحاثِ المنشورةِ فى هذا المجالِ فى العقد الأخير".

يُذكر أنّ الدكتور كينج لم يشاركْ فى هذا البحثِ تحديداً لكنه شارك في أبحاثِ السادِّ على مدى 15عاماً. يستكمل دكتور كينج قائلاً "اكتشف الباحثون تلك الظاهرةَ الخاصةَ بستيروئيد الـ لانوستيرول، ومن ثَمَّ قاموا بإجراء كل التجاربِ الواجبِ إجراؤها، هذا ما يجب أن يكونَ عليه علمُ الأحياء".

تتمثّلُ الخطوةُ التاليةُ في محاولة فهمِ كيفيّةِ قيامِ اللانوستيرول بإذابة السادِّ، ومن ثَمّ تطويرِ البحثِ والبدءِ فى التجارب السريريةِ على البشر.

*الستيروئيدات: مجموعةٌ كبيرةٌ من المركبات الكيميائيةِ ذاتِ البنيةِ الكربونيةِ المميّزةِ، تنتمي إليها العديدُ من المواد ذاتِ الأهميةِ الكبيرةِ لأجسامنا، مثل الهرموناتِ الجنسية والكورتيزون وغيرِها.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

حقوق الصورة:

هنا