الطبيعة والعلوم البيئية > علم الأرض

تسونامي الانهيارات البركانية - البركان في الماء... أخطر مما تعتقد!!!

كانت سلسلةُ جزر(Cape Verde) وتحديداً أكبرُها وأكثرُها سكاناً (سانتياغو) إحدى محطاتِ تشارلز داوين في رحلته الشهيرة، وتقعُ هذه الجزر قبالةَ الساحل الغربي للقارة الأفريقية وترتفعُ رويداً رويداً عن سطح البحر نتيجةَ الماغما البركانية التي تستمرُّ بالتدفق أسفلها. وَوجدَ فريقٌ من العلماء دليلاً على انهيارٍ مفاجئٍ لأحد أجنحةِ بركانٍ واقعٍ ضمنَ سلسلة جزر(Cape Verde) منذ عشراتِ آلافِ السنين، حيثُ تسبب هذا الانهيار بحصولِ تسونامي لا يشابه أيَّ تسونامي شهده البشرُ مسبقاً. وقدّرَ العلماءُ أن الموجة اقتحمت جزيرةَ سانتياغو لمسافةٍ تزيدُ عن 48 كيلومتراً وتجاوزَ ارتفاعها 240 متراً. تثيرُ هذه الدراسة الجدل حول خطرِ الانهيارات المفاجئة في الجزر البركانية وإمكانيةِ امتداده للشواطئِ القارية البعيدة. حيثُ تَفتَرِضُ وُجهة النظر الأولية أن الانهيارَ شديدَ الضخامةِ يحدثُ بشكلٍ سريعٍ ومفاجئٍ وبالتالي فهو قادرٌ على إحداث موجات مدٍّ عملاقة (تسونامي).

وقع الانهيار منذ ما يقارب الـ 73000 عام في بركان (فوجو) الذي يعتبر من أنشط البراكين في أيامنا هذه، حيث يبلُغ ارتفاعه 2829 م عن سطح البحر ويثورُ مرّةً كلَّ 20 عاماً تقريباً كان آخرها منذُ فترةٍ قريبةٍ حيثُ ضربتِ الأمواجُ الناتجةُ عنه شواطئَ سانتياغو التي تعتبر موطناً لربع مليون نسمةٍ. وعُثر في جزيرة سانتياغو التي تقع على بعد 55 كيلومتراً من بركان فوجو على كتلٍ من الصخورِ يَظهر بشكلٍ جليٍّ اختلافُها عن طبيعةِ الأرض التي تتوضَّعُ عليها. وهي تبعُدُ نحوَ 600 م عن الشاطئ وعلى ارتفاعٍ يقاربُ ال 180 م فوقَ مستوى سطح البحر، بعضُها كبيرٌ بحجمِ حافلةٍ صغيرةٍ فيما تصل أوزان عددٍ منها إلى 770 طناً وتَبيَّنَ بعد دراستها أنها صخورٌ بحريةٌ وشاطئيةٌ من الكونغلوميرا والبازلت المحيطيّ. وكان التفسيرُ المنطقيُّ الوحيدُ المتوفر أن موجةً عملاقةً حَمَلت هذه الصخورَ ونقلتها لمسافاتٍ طويلة. واعتمد العلماءُ في حسابهم لحجم الموجة على الطاقة اللازمة لنقل الصخور.

في أوائل هذا القرن عندما بدأ العلماء بدراسة هذه الجزيرة ومحتواها البركانيّ بدأ علماءٌ آخرون نشرَ نتائجِ أبحاثهم عن جزر الكناري الاسبانية الواقعة قبالةَ الساحل الغربيِّ للقارّة الأفريقيةِ شمالاً حيثُ رجّحوا أنَّ هذه الجزرَ تسبَّبت أيضاً بتوليد موجات تسونامي في وقتٍ مضى، وبناءً على النتائج التي تمَّ التوصل إليها يحذِّر العلماءُ من أن أيَّ انفجارٍ بركانيٍّ في جزر الكناري قد يؤدّي إلى انهياراتٍ في أجنحة البركان وتوليدِ موجاتٍ عملاقةٍ يصل ارتفاعها في البداية إلى 915 م وبالرغم من تخامدها مع التقدم لمسافاتٍ طويلةٍ إلا أنها قد تصلُ إلى شواطئ أفريقيا بارتفاعِ 90 م وإلى شواطئِ أمريكا بارتفاع 45 م.

ليست هذه الظاهرةُ محلّيةً فقد وَقَعَت ثمانيةُ انهياراتٍ أصغرُ خلالَ القرون الماضية حولَ العالم كما حصلَ في ايسلندا واليابان ترافقَ بعضُها مع تشكُّل موجات التسونامي، إلا أن العلماء يشكّكون حالياً في إمكانيةِ حدوثِ انهياراتٍ مفاجئةٍ في البراكين الكبيرة ويرجّحون أنّ الانهيارات القادمةَ ستكونُ بشكلٍ تدريجيٍّ وبالتالي ستكونُ موجات التسونامي متعددةً وأصغرَ. ولا يقتصرُ الجدل الآن على فيزيائية الانهيار إن كان سريعاً أم على مراحل، وإنما أيضاً على قدرة هذا الانهيار على تشكيلِ موجاتِ تسونامي كهذه. وإذا نظرنا إلى الأحداث المشابهة التي شهدتها البشرية نجدُ انهيارَ جزءٍ من جبل أونزين في اليابان عام 1792 والذي أدّى إلى توليدِ موجاتٍ بارتفاع 90 م ومقتلِ حوالي ال 15 ألف نسمة، وزلزالُ ألاسكا في العام 1958 عندما انهارت كتلٌ من الصخور تقدّر بنحو 90 مليون طنٍّ إلى خليج ليتويا مما أدى لتشكُّلِ موجةٍ بارتفاع 525 م وهي أكبرُ ما تمّ تسجيله. جميعُ هذه الأحداث وقعت في أماكن ضيقةٍ نسبياً وهي تختلفُ عن المحيطات المفتوحة حيث يُعتقد أن الأمواج العملاقة الناتجة عن الانهيارات الأرضية تفقدُ طاقَتها بسرعةٍ مما يَجعل الخطرَ محدوداً بالمجالِ الاقليميِّ للمنطقة. إلا أنَّه لا يزالُ من غير المعلوم كم من الوقتِ يحتاج تحوُّل التسونامي من شكلها الشديد الخطورة إلى موجاتٍ أقلَّ شدة.

لا يزال اهتمام العلماء الأكبر موجهاً للتسونامي المتشكل نتيجةَ الزلازلِ الواقعةِ في المحيطات والبحار والتي تُعدُّ أكثرَ شيوعاً وانتشاراً من غيرها. فعندما تنزلقُ أحدُ الفوالقِ في قيعان المحيطات تندفع كمياتٌ كبيرةٌ من المياه إلى الأعلى لتظهرَ بشكلِ تضخمٍ وارتفاعٍ لسطحِ المياه وتنتشرَ تدريجياً إلى الشواطئ حيثُ تظهرُ الكوارثُ كما حدث في عام 2004 نتيجةَ زلزالِ المحيط الهنديّ عندما أدّت موجات التسونامي إلى مقتلِ 230 ألفِ نسمة في 14 دولةً وكما حدث أيضاً في اليابان عام 2011 حيثُ بلغَ عددُ الضّحايا 20 ألفَ نسمة إضافةً لكارثةِ مفاعلِ فوكوشيما النّووي.

المصدر:

هنا

Royaute R., Buddle C. M. and Vincent C. (2015). Under the influence: sublethal exposure to an insecticide affects personality expression in a jumping spider. Functional Ecology, 29(7): 962-970. هنا