التاريخ وعلم الآثار > تحقيقات ووقائع تاريخية

لعنة أكاد... هل حقاً كانت نهاية الامبراطورية الأكادية بسبب غطرسة ملك ولعنة إله؟؟؟

على الرغم من كون "نارام سين" بطل العديد من القصص والأساطير والروايات، إلا أنَّه اكتسب شهرته العظمى من خلال الأسطورة التي تصوره على أنه الملك الذي دمَّرَ الامبراطورية الأكادية بأفعاله غير الورعة وغير التقية. هل حصل هذا فعلاً أم أنها مجرد قصة أدبية؟؟ يمكنكم معرفة ذلك عن طريق قراءة مقالنا التالي...

على الرغم من فترة حكمه المدهشة، وبلوغ الامبراطورية الأكادية أوجها في عهده، فإن الأجيال اللاحقة ستربطه دوماً بالنص الأدبي "لعنة أكاد" الذي ينسب إلى السلالة الثالثة الحاكمة في أور (2047-1750) قبل الميلاد (مع العلم أنَّها قد تكون كُتبت قبل ذلك)، إنَّ لعنة أكاد هي جزء من أحد الأنواع الأدبية في حضارة ما بين النهرين والمدعوة بأدب نارو، هي رواية تعليمية تهتم بالعلاقة بين البشر والآلهة، صُورت الشخصية الرئيسية في النص على أنها شخصية شهيرة من التاريخ (عادةً ما تكون ملكاً)، تخبرنا الرواية عن قصة دمار مدينة أكاد بإرادة الآلهة بسبب أفعال الملك الأثيمة، ومن المعتقد أن هذا الملك هو نارام سين، وهي تعالج بشكل مثير للاهتمام مشكلة المعاناة -العديمة الفائدة- عبر تصويرها لمحاولة انتزاع نارام سين أسباب شقائه من الآلهة بالقوة.

وفقاً للنص فإن الإله السومري العظيم إنليل قد سحب بركته من مدينة أكاد وبفعلته هذه فقد منع الآلهة الآخرين من دخول المدينة ومباركتها بحضورهم. لم يعرف نارام سين ماذا يمكن أن يكون قد فعل ليتلقى هذا الغضب، لذلك فقد صلى وطلب الإشارات والفأل ودخل في اكتئاب لمدة سبعة أعوام في انتظاره إجابة من الآلهة، أخيراً ومدفوعاً بغضبه لعدم تلقيه أي إجابة، قاد جيشه وزحف إلى معبد إنليل في بيت الجبل (مكان تجمع الآلهة) في مدينة نيبور ودمره "لقد وضع نارام المجارف والفؤوس في مواجهة أساسات المعبد، فهوى المعبد ساجداً كجندي ميت" (من كتاب اختراع المدينة للكاتبة غويندولين ليك). هذا الهجوم حرض غضب الآلهة وليس فقط إنليل بل جميع الآلهة، فأرسلوا الغوتيوم (أحد شعوب جبال زاغروس) "الذين لا يعرفون أي كبت لغرائزهم البشرية بل لديهم ذكاء الكلاب ومميزات شبيهة بالقردة" (من كتاب اختراع المدينة للكاتبة غويندولين ليك) وذلك لغزو أكاد، وبالفعل جعلوا المدينة كالنفايات. انتشرت المجاعة على نطاق واسع جداً بعد الغزو وبقيت جثث الأموات المتعفنة في الشوارع والبيوت وحلَّ الخراب في المدينة، وهكذا وفقاً للرواية فقد كانت نهاية مدينة أكاد والامبراطورية الأكادية ضحيةً لغطرسةِ ملكٍ واحدٍ في وجه الآلهة.

في الحقيقة لا يوجد دليل تاريخي على أن نارام سين قد قام بتدمير بيت الجبل (مكان تجمع الآلهة) بالقوة في مدينة نيبور أو حتى أنه هدم معبد إنليل، ويعتقد أنه تم اختيار نارام سين ليكون الشخصية الرئيسية بسبب شهرته (حيث ظهر في أعمال أخرى مثل أسطورة مدينة كوثا والثورة الكبرى، وهاتان الروايتان غير دقيقتان تاريخياً أيضاً). كما يعتقد أن "لعنة أكاد" قد كُتبت للتعبير عن "الاهتمام العقائدي للعلاقة الصحيحة بين الآلهة والملك المستبد" (من كتاب اختراع المدينة للكاتبة غويندولين ليك). فقام الكاتب باختيار نارام سين ومدينة أكاد كمثال فقط وذلك لموقعهم الأسطوري في ذلك الوقت. إن أدب نارو هو أحد الأنواع الأدبية الشائعة جداً في حضارة ما بين النهرين وعلى ما يبدو فأنه غالباً ما يتم قبول نسخة الماضي المقدمة في هذه القصص كحقائق تاريخية، فوفقاً للحقائق التاريخية والاكتشافات الأثرية فقد كرَّم نارام سين الآلهة ووضع صورته بجانب صورهم في المعابد، كما أنه كان تقياً جداً على الرغم من غروره المعتاد.

من المحتمل أن نارام سين مات ميتة طبيعية، وقد خلفه ابنه شاركالي شاري (2224 إلى عام 2198 قبل الميلاد) بدأ شاركالي حكمه كما فعل أسلافه من قبله ولكن كان عليه بذل جهود مضاعفة للقضاء على الثورات بعد وفاة والده، ولكنه وعلى عكس أسلافه فقد بدا عاجزاً في المحافظة على النظام ومنع الهجمات اللاحقة على الامبراطورية. وقد كتبت عنه غويندولين ليك في كتابها (من الألف إلى الياء في حضارة ما بين النهرين) "على الرغم من جهوده وحملاته العسكرية الناجحة، لم يكن قادراً على حماية امبراطوريته من الانحلال والتفسخ، وبعد وفاته اختفت المصادر المكتوبة في زمن ازدادت فيه الفوضى والاضطرابات". ومن المعروف والمثير للاهتمام أن أهم مشاريعه العمرانية كان إعادة بناء معبد إنليل في مدينة نيبور ومن المحتمل أن هذا الحدث قد ترافق مع غزو الغوتيوم والمجاعة التي انتشرت بشكل واسع، وقد أعطى ذلك شرارة البدء إلى الأسطورة التي نمت لاحقاً إلى "لعنة أكاد".

شن شاركالي شاري حروباً مستمرة على العيلاميين والعموريين وغزاة الغوتيوم، ويعزى السبب الرئيسي في انهيار مملكة الأكاديين وعودة بلاد ما بين النهرين إلى العصور المظلمة هو غزو الغوتيوم، والذي ترافق مع المجاعة. إن الأحداث التي جرت في عهد شاركالي شاري سوف تدمج لاحقاً مع الأحداث التي جرت في عهود ملوك أكاديين آخرين لتشكل قاعدة للخرافات والروايات لآلاف السنين. وكان الآشوريين يقرأون ويتداولون القصص عن سرجون العظيم ونارام سين حتى أواخر القرن السابع قبل الميلاد، وقد احتوت مكتبة الملك الأشوري الشهير آشور بانيبال (668 إلى عام 627 قبل الميلاد) في نينوى على نسخ من هذه القصص على ألواح طينية، وعندما غزت جيوش الميديين والبابليين والفرس آشور ودمرت المدن الآشورية العظيمة قاموا بدفن هذه الألواح تحت أنقاض المباني المهدمة والمحترقة وبفعلتهم هذه فقد حفظوا هذه الألواح لآلاف السنين، وما زال الناس حتى يومنا هذا يتلون قصصهم عن أبطال أكاد وملكهم العظيم نارام سين.

المصدر: هنا