البيولوجيا والتطوّر > التقانات الحيوية

الانتخاب الاصطناعي بوساطة المضيف| تحسين نمو النباتات من خلال هندسة الميكروبات المتعايشة معها

تعود تربية الإنسان للنباتات بهدف زيادة أحجامها أو قيمتها الغذائية إلى بدايات ظهور الزراعة، ولطالما اعتمد الإنسان على الهندسة الوراثية للحصول على كائنات ذات صفات مرغوبة؛ محصولٌ أوفرُ وثمارٌ أكثرُ جودةً مثلاً وحيواناتٌ أكثر إنتاجيةً وأفضل صحةً ونمواً، ولكن ليست الهندسة الوراثية هي السبيل الوحيد للحصول على ذلك. لمَ؟ لأنّ أصدقاءنا المجهريين سيُؤدُّون المَهمَّة! فدعونا في البداية نتعرّف إليهم سريعاً...

الميكروبات هي أحياء دقيقة تتواجد متعايشةً مع الحيوانات والنباتات والإنسان (وقد تكون ممرضةً في بعض الأحيان)، منها ما يحتلُّ سطحَ المضيف، ومنها ما يعيشُ في أنسجته الداخلية، وهي غالباً من البكتريا، ولكن ينتمي إلى هذه الفئة أيضاً الفطريات والأوالي الحيوانية والعتائق والفيروسات. يُمكن أن تُؤثّر تلك الجماعات على تطور المضيف أو مقاومتِه للأمراض أو للظروف البيئية وغيرها. وللاطلاع على بعض الأمثلة عن هذه العلاقات التعايشية يُمكنكم قراءة مقالٍ سابقٍ هنا .

وبالطبع، سيسعى الإنسان للاستفادة منها بطريقة ما! فكيف فعل ذلك؟

لقد تكفّل الانتخاب الطبيعي عبر الزمن بالحفاظ على الأنواع الأكثر تكيّفاً والأقدر على البقاء في ظلّ التغيّرات البيئية المختلفة، ولأنّ الانتخاب الطبيعي يحتاج وقتاً طويلاً ليأتيَ أُكلَه فقد آثر الإنسان أن يُجري انتخاباً اصطناعياً بنفسه من خلال نقل الصفات المرغوبة من الكائنات الحاملة لها إلى الكائنات التي تفتقدها بحيث يستمر التعبير عن هذه الصفات في الأجيال المتلاحقة. والوسيط هذه المرة هو النبات؛ في عمليةٍ أُطلِق عليها اسم الانتخاب الاصطناعي بوساطة المضيف host-mediated artificial selection

حيث تعتمد هذه العملية على نقل الميكروبات المتعايشة مع النباتات/ الحيوانات ذات الصفات المرغوبة إلى النباتات/ الحيوانات ذات الصفات الاعتيادية، ممّا يُحسّن من صفات هذه الأخيرة.

سنركّز هنا على الجزء من الدراسة المتعلّق بالنباتات، لنجدَ باقي الحكاية عند Mueller و Sachs من أمريكا...

وجد عالما الأحياء Ulrich Mueller من جامعة تكساس و Joel Sachs من جامعة كاليفورنيا أنّه من الممكن تحسين نمو النباتات من خلال هندسة أحياء التربة الدقيقة التي تعيش في منطقة جذور النباتات، بحيث تنتقل هذه الميكروبات التي تمّ انتخابُها اصطناعياً من الآباء إلى الأنسال الجديدة حتى وإن كانت هذه النباتات متطابقةً وراثياً ولا يُمكنها أن تتطور.

وقد نجح هذان العالمان في دراستهما المنشورة في مجلة Trends in Microbiology في هندسة الكائنات الميكروبية المتعايشة في منطقة جذور نبات أرادبيدوبسيس*Arabidopsis (نبات من الفصيلة الصليبية التي ينتمي إليها الملفوف والبروكلي أيضاً)، ووجدا بعد الاختبارات التي أجرياها في مختبرهما الخاص أنّه بعزل الميكروبات التي تعيش في منطقة جذور نباتات الأرابيدوبسيس الكبيرة الحجم وإعادة خلطها في تربة معقمّة تحتوي على بذور نباتات ذات صفاتٍ عادية، قد تَحسَّن نمو النباتات الجديدة، فضلاً عن أنَّ تلك الميكروباتِ قابلةٌ للتوارث في الأجيال اللاحقة لهذه النباتات. سيوضّح الشكل التالي الطريقة المُتّبعة ببساطة:

وعن إمكانية تطبيق هذه الآلية على نطاق أوسع يقول Mueller: "سأبدأ باختبار الانتخاب الاصطناعي على ميكروبات جذور نباتات البيوت الزجاجية باستخدام محاصيل اقتصادية كالخس والخيار والطماطم، والاستفادة من هذه التجارب لتقدير إذا ما كان أيٌّ من هذه المبادئ قابلاً للتطبيق في الزراعة والبستنة."

نأتي الآن إلى السؤال الذي يهمنا عملياً، ألا وهو: هل يمكن للمُزارع الاستفادة من هذه الدراسة حقاً أم أنّها ستكون مجرّد حبرٍ على ورق؟ وماذا عن التكلفة أيضاً؟

قد تُمثّل عملية الانتخاب الاصطناعي ـ كما يقول الباحثون ـ طريقةً أقلّ تكلفةً من المبيدات أو الصاداتِ الحيوية للسيطرة على الأمراض التي تصيب النباتاتِ والحيواناتِ، كما أنّها طريقة سهلة جداً، إذ لا تحتاج سوى لمحقنة ومرشِّح، وبإمكان أيّ مُزارِع أن يجريَها في الحقل بما يُلائم المشكلة التي يواجهها في تربية النباتات في المنطقة التي يتواجد فيها.

إذاً؛ يمكن الاستفادة من الانتخاب الاصطناعي في العديد من التطبيقات لا سيّما في الأبحاث الزراعية التي تهدف إلى زيادة إنتاجية النبات وما يتطلبه ذلك من زيادة تحمُّلها للملوحة والجفاف ومقاومتِها للأمراض، إضافة إلى تحسين نمو وصحة وإنتاجية الحيوانات الداجنة بما فيها تلك المستخدمة في الأبحاث المرتبطة بالإنسان كالفئران وذبابة الفاكهة والتي تساعد في فهم وتعديل الأحياء الدقيقة المتعايشة مع الإنسان.

الحاشية:

يعتبر نباتArabidopsis thaliana (من الفصيلة الصليبية Brassicaceae) مُفضلاً لإجراء الأبحاث نظراً لكونه يتطوّر ويتكاثر ويستجيب للإجهاد والمرض بطريقة تشابه العديد من المحاصيل الزراعية، فضلاً عن سهولة وانخفاض تكلفة تنميته وإعطائه عدداً كبيراً من البذور مما يسمح باستخدامه في الدراسات الوراثية، ناهيك عن سهولة دراسته وراثياً بسبب حجم جينومه الصغير نسبياً.

المصادر:

هنا

البحث الأصلي: هنا

مصدر الحاشية: هنا