العمارة والتشييد > التصميم المعماري

حديقة تركيا المصغرّة

الكثير من الناس تحب السفر لكنّها لا تملك الوقت لاستكشاف كل بلد بكامل تفاصيله، وخاصة من يهتم منهم بالمعالم التاريخية المميزة في كل بلد.

بالإضافة إلى طلاب العمارة الذين عملوا على إنشاء المجسمات خلال فترات الدراسة بالجامعة، إلى أي مدى تمكنوا من الوصول إلى تقديم مجسم مشابه للتصميم على أرض الواقع؟

استطاعت حديقة بمدينة اسطنبول منح زوارها رحلة شاملة بكل تركيا وإبهارهم وخاصة طلاب العمارة والفنون بالجهد المبذول ضمن مكونات هذه الحديقة.

دعونا نفترض أنكم في Doğubeyazıt وكنتم تزورون قصر إسحاق باشا، وقررتم بعدها مشاهدة Ulu Camii

في مدينة بورصة ماذا ستفعلون؟ هذه الحديقة تتيح لكم هذه الفرصة.

منازل ماردين الحجرية، دير Sümela، جسر موستار Mostar، الجامع الأزرق الشهير، برج الساعة في مدينة أزمير وقصر توبكابي Topkapi. بالإضافة إلى مئات المساكن والجسور والقصور والمساجد والمقدسات والأبراج التي بناها الناس الذين عاشوا وأنشأوا الحضارات في الأناضول. مناطق تشكّلت بفعل الجغرافيا، مباني تاريخية وأثرية، يقع كل واحد منها في منطقة مختلفة من تركيا ولكن الحديقة عرضت التراث المعماري والثقافي في تركيا معاً في مكانٍ واحد. وليس فقط معالم تركية، وإنما مباني أخرى من العالم مثل قبة الصخرة والمسجد الأقصى في القدس، بيت أتاتورك في سالونيكا Salonika، وقلعة أجياد في مكة.

عندما تسير في هذا المكان تجد نفسك محاطاً بالعديد من نماذج تراثنا المنفذة بإتقان وجهد كبيرَين. افتتحت حديقة Miniaturk في 2 أيار عام 2003 متكونة من ثلاثة أجزاء رئيسية بمساحة60 ألف متر مربع. القسم الأكبر كان بمساحة 15 ألف متر مربع والقسمان الباقيان عبارة عن بانوراما النصر واسطنبول الكريستالية.

تم اختيار الأعمال المعروضة فيها من قبل البروفيسور الدكتور İlber Ortaylı والبروسفور المساعد Ahmet Dursun. وضعت النماذج بعد تصغيرها بنسبة 1/25 وهي النسبة القياسية المعتمدة في المتاحف العالمية المصغرة. وبما أن جميع المباني مصغرة بنفس القيمة يمكن المقارنة بين مبنى وآخر حتى النماذج البشرية تم تصغيرها بنفس النسبة، حيث يساعدك ذلك على إدراك المقياس الحقيقي للمبنى بالنسبة لأبعاد الإنسان. النموذج الوحيد المستثنى من هذه النسبة هو جسر البوسفور ذو الطول 43 متراً. صُمِّم النموذج بنسبة 1/23 لتستطيع الناس السير عليه بسهولة وأمان. تم إعداد النماذج بإتقان مذهل لا يستطيع المرء تجاهله. أعمال الحجر المنفذة في محطة حيدر باشا ومآذن الجامع الأزرق وتمثال الجمهورية في ساحة تقسيم الشهيرة كلها أعمال مصممة بمهارة.

وراء هذا العمل الرائع تكمن الجهود المبذولة من عشرة ورشات عمل محلية وثلاث أجنبية، تمت عملية مسح النماذج عن المباني الأصلية وعملية التنفيذ بعدها مباشرةً.

إلى جانب ورشات العمل الـ 13 المذكورة تم تصنيع قطع لهذا المشروع في جامعتي for Miniaturk in Yıldız Technical University و Dokuz Eylül University وغيرهما من المؤسسات المشاركة في الإنشاء.

عندما تم سؤال Tolga Tartan عن المواد المستخدمة في التنفيذ حتّى بدت بتلك الواقعية، كانت الإجابة أن تقنية الرسم جعلتهم يبدون كأنهم مصنوعين من الحجر. إضافة لمادة اسمها siba تحمي المباني بشكل جيد حتى لو تعرضت للثلوج لمدة أسبوعين، تم استخدام الألياف الزجاجية أحيانا ولكن المادة الأصلية كانت بشكل أساسي siba وهي عبارة عن مادة من polyurethane تستخدم في صناعة الماكيت، مقاومة للظروف الجوية في الهواء الطلق وأكثر مرونة من الخشب وسهلة التنفيذ.

يتم عرض الأعمال بست لغات من بينهم العربيةـ وباللغة التركية تسمعها بصوت ممثل المسرح الشهير لديهم Mazlum Kiper.

عندما تسير في الحديقة ستلاحظ وجود نظام إرشاد صوتي لمن يرغب أمام كل نموذج من المباني لمعرفة لمحة تاريخية عنه وعن موقعه الأصلي وذلك عبر وضع البطاقة الّتي تشتريها من المدخل والتي تحوي شيفرة يقرؤها قارئ الكتروني متوضع أمام كل نموذج، والموسيقا التي تسمعها أثناء السير في الحديقة من ألحان الملحن التركي الشهير Fahir Atakoğlu.

بانوراما متحف النصر افتُتحت في 25 كانون الأول 2003. عندما تدخل البانوراما سترى لوحات عن حرب الاستقلال ومعركة Çanakkale مع تأثيرات صوتية وضوئية.

من لحظة دخولك المكان يتم استقبالك من الجنود والمدافع المتمركزة حول مضيق Çanakkale وجرحى مصابين تتم رعايتهم من الممرضات. بالاستمرار في السير يتغيّر المشهد ويترافق معه الانطلاق من القرى وحمل الذخيرة إلى ساحة المعركة. هناك أيضاً معرض أتاتورك الفوتوغرافي الذي افتتح بمناسبة السنة 80 لتأسيس الجمهورية إضافة لتماثيل زجاجية يمكن مشاهدتها في اسطنبول الكريستالية.

برج غالاطة Galata، آية صوفيا، مسجد السليمانية وغيرها تم تنفيذهم بقطع زجاجية تدور ببطء. تُعتبر اسطنبول الكريستالية المتحف الأول والوحيد من نوعه في العالم، حيث تعرض 16 تحفة من اسطنبول مع إضاءة ملونة في غرفة عرض مظلمة. كما يمكن مشاهدة مسجد الفاتح ومسجد السلطان أيوب وبرج ساعة دولمابخشة وغيرها من المعالم المصنوعة من الزجاج والّتي يمكن رؤيتها من خلال الليزر.

يستحضر هذا المكان تاريخ الأناضول والمناطق المجاورة لها منذ 3000 سنة وحتى يومنا هذا. ويقدّم فرصة نادرة لمن يريد القيام بجولة فريدة في تركيا خلال بضع ساعات.

بالطبع لن تكون قادراً عن طريق هذه المجسّمات وحدها على زيارة المكان بكل تفاصيله، لكن تأتي أهمية هذه الحديقة عبر قدرتها على شرح هوية وتاريخ تركيا من خلال هذه الأعمال الّتي تمثّل الواقع بأحسن صورة ممكنة وتساعد السائح في تحديد الأمكنة الّتي ستشكّل وجهته للزيارة.

تخيلوا وجود مثل هذه الحديقة في كل بلد من بلدان العالم، ما رأيكم؟


المصدر:

هنا