الطب > مقالات طبية

لماذا نتقدم نحن بالعمر ونموت؟؟ كيف تحدث شيخوخة الخلايا وشيخوخة أعضاء الجسم من منظور العلم؟؟

يتغير الجسم مع تقدمنا بالعمر وذلك بسبب حدوث العديد من التغيرات على مستوى الخلايا في كل أعضاء الجسم تقريبًا مما يؤدي إلى تغيرات كثيرة في شكل وعمل هذه الأعضاء ، ولدراسة الشيخوخة من منظور العلم لا بد لنا من رصد التغيرات التي تحدث على مستوى الخلية ثم على مستوى الأعضاء، للانتقال بعدها إلى عمل أجهزة أجسامنا التي يصيبها الفشل.

*المحور الأول- شيخوخة الخلايا:

عندما تشيخ الخلايا تتراجع وظائفها ولاحقاً ستموت هذه الخلايا كأي جزء طبيعي من الجسم البشري. تنتج عملية شيخوخة الخلايا وموتها عن عدة أسباب يمكن أن نُجمِلها:

1- قد تموت الخلايا فقط لأنها مشفّرة ومبرمجة على مدة زمنية معينة بواسطة مورّثاتها (جيناتها) وتسمى هذه الظاهرة (انتحار الخلايا المبرمج) وموت الخلايا هذه ضروري في بعض الاحيان لأنه يخلق مكاناً للخلايا المتجدّدة.

2- من أسباب موت الخلايا ونقصان أعدادها هو عملية الانقسام الخلوي، حيث لكل خلية من خلايا الجسم عدد محدد من الانقسامات يتم تحديد هذا العدد بالمورثات الخلوية، ويمكن مشاهدة ذلك عبر منطقة معينة موجودة في الصبغيات الوراثية تسمى هذه المنطقة التيلومير. كلما زاد انقسام الخلايا وانفصال المواد الوراثية، نقص حجم هذه المنطقة فتصبح الخلية غير قادرة وراثياً على الانقسام فيزداد حجمها ثم تموت.

3- في بعض الأحيان الأذيات المباشرة للخلية قد تسبب تموّتَها، مثل : بعض المواد السامة – الإشعاعات – أشعة الشمس – العلاج الكيميائي – إضافة للجذور الحرة والحروق والأذيّات الرضّية العنيفة كلها قد تسبب تخرب وتموت الخلايا..

*المحور الثاني شيخوخة أعضاء الجسم:

بما أن وظيفة أعضاء الجسم تعتمد على صحة وحالة الخلايا المكوّنة للعضو فتراجع الخلايا وتموّتها وفقدانها يؤدي بالضرورة لتراجع في وظيفة العضو،

فبعض الخلايا تموت ولا يمكن استبدالها لذلك فإن إجمالي عدد الخلايا المكونة لهذا العضو سيتناقص، مما يؤدي لضمور العضو وانكماشه وتراجع وظيفته..

بعض الأمثلة عن شيخوخة الأعضاء :

من الأمثلة الشائعة نقص عدد الخلايا في كل من الخصيتين والمبايض والكبد والكلى، فهي تتناقص بشكل تدريجي وواضح مع التقدم بالعمر مما يؤدي لانكماش هذه الأعضاء فتصبح وظائفُها أقلَّ فعالية كلما تقدم العمر. ولهذا الموضوع آثار كبيرة في اختصاص طب المسنين، فشيخوخة الكبد تؤثر على قدرته على استقلاب الأدوية، وكذلك شيخوخة الكليتين تؤثر على معدل الرشح الكُبَيبي وقدرة الكلية على إطراح الأدوية، ففي كلتا الحالتين قد تتراكم الأدوية وتصل الى مستويات سامة في جسم المُسِنّ..

طبعأ قد لا ينطبق هذا الكلام على كامل أعضاء الجسم، فالكثير من المسنين يتمتعون بصحة جيدة وخصوصاً الصحة العقلية؛ إذ لا يفقد الدماغ الكثيرَ من خلاياه والفقد البسيط قد يترك بعض الآثار على القدرات العقلية كالذاكرة والتحصيل العلمي الخ.. ولكنّ اكتسابَ المسنّ لحكمة وتجارب الحياة والعمل تجعلانه يعوض هذا النقص بكفاءة ما لم يكن هناك سببٌ آخر يؤدي لتدمير خلايا الجهاز العصبي المركزي، مثل الجلطات الدماغية والتدخين والكحول... الخ، أو بعض الأمراض مثل ألزهايمر أو الشلل الرعاشي (داء باركنسون).

إن شيخوخة الأعضاء وما يترتب عليها من تراجع في وظائفها هو المؤشر الأول على ظهور علامات التقدم في السن، فالتغيرات في الجهاز الدعامي الحركي وخصوصا في الهيكل العظمي تُعَدّ أولَ العلامات الظاهرة أيضًا، كما أن التغيرات التي تحدث في بنية العظم ينتج عنها ترقق العظام، وهو المرض الشائع جداً لدى المسنّين. ومن المحتمل أن تسبب هذه التغيراتُ قصرَ القامةِ أو الحدب.. الخ... ولا ننسى هنا التغيرات على مستوى العضلات وانكماشها وازدياد النسيج الدهني على حساب النسيج العضلي، والذي يعطي شكلاً مميزاً لأطراف المسنّين.

ومن الملاحظ أيضا أنّ التغيراتِ في النظر تحدث بشكل ملحوظ مع الزمن،

تتلوها التغيرات في السمع، وهي أيضا من السمات المميزة للتقدم بالعمر، وتأتي في الدرجة الثانية بعد التغيرات في الجهاز الدعامي الحركي.

إن التناقص في وظائف أعضاء الجسم لا يحدث فجاة ولكنه تدريجي، واتفق العلماء على أنه يبدأ في عمر الثلاثينات بشكل تدريجي ومستمر ويختلف بين شخص وآخر تبعاً لظروف ومسبّباتٍ كثيرة ..

ومع ذلك فإن هذا التراجع لا يسبب فقدان الوظائف حيث تبقى وظائفُ الأعضاء كافيةً لاستمرار الحياة، ما لم يصل لمراحل متقدمة، وخيرُ مثالٍ على ذلك الكبد؛ حيث أنّ تخريبَ نصفِ أنسجةِ الكبد لأي سبب كان لا يؤثر على فعاليته ولا على وظائفِه.

إنّ تراجعَ وظائفِ الأعضاء المزمنَ يساعدنا على تفسير بعض الظواهر التي نلاحظها لدى المسنّين حيث أنّ كبارَ السن أقلُّ قدرةً على مواجهة الإنتانات (العداوى infections) بسبب تأخر وتراجع استجابة الجهاز المناعي، مما يؤدي لتظاهرات سريرية لا نمطية لدى المسن، فلا تظهر عليهم الأعراضُ المرضيةُ التي نعرفها، كما أنّ المُسنّ المصابَ بذات الرئة والقصبات قد لا يعاني من ارتفاع درجةِ الحرارةِ، لا بل يمكن أن يحدث انخفاضٌ في درجة حرارة الجسم ...

والتغيراتُ في كفاءة الترويةِ الدموية أيضًا يمكن أن تفسرَ لنا لماذا لا يستطيع المسنّ مقاومةَ الجوِّ البارد كأحد الأمثلة الشائعة جدا.

أخيرًا مما سبق ومن خلال فهمنا العلمي لموضوع الشيخوخة نجد أن هذا العلمَ يتقدم بسرعة من خلال الدراسات على مستوى علوم البيولوجيا والطب وإنّ إطالةَ عمرِ البشر ومكافحةَ الشيخوخةِ (حلم البشرية منذ الأزل) ممكنٌ من خلال مكافحة هذه الأمراض المحتملةِ وإزالةِ أسبابِها على المستوى الوراثي والخلوي .. طبعًا هذا سيأخذ الكثير من الوقت والكثير من الدراسات.

المصدر:

هنا

حقوق الصورة: www.shutterstock.com