الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

الملوثات الحديثة تتحدى محطات معالجة مياه الصرف الصحي

قد يكون لمحطات معالجة مياه الصرف الصحي أثرٌ خطيرٌ على الحياة المائية وبشكلٍ أو بآخرَ على الإنسان. فقد أكّد بحثٌ جديدٌ نُشر في مجلة Science of The Total Environment الضّررَ الكبيرَ الذي يمكن أن تُلحِقه هذه المحطات بالحياة المائية في الأنهار والبحار التي تصبّ فيها، من خلالِ وصول مركباتٍ كيميائيةٍ جديدةٍ قادرةٍ على الإخلال بعمل جهاز الغدد الصمّ، مما يسبِّبُ تشوّهاتٍ في الأسماك ويزيد أعداد المخنثة منها، ويضعف من قدرتها التناسلية، وتصل هذه المركبات الخطرة إلى الإنسانِ الذي يتغذى على الأحياء البحرية الملوثة.

تم في هذا البحث قياسُ تراكيزِ مجموعةٍ متنوعةٍ من هذه المركبات الكيميائية كبعض المبيدات والهرمونات ومركباتٍ عضويةٍ أخرى في المياه وفي عصارة المرارة (الصفراء - bile) لأسماكٍ ملتقطةٍ قرب منطقة تصريفٍ لمحطةِ معالجةٍ لمياهِ الصرف الصحي، وقد أكّد البحث قدرةَ الأسماك على مراكمةِ هذه المركبات، وعلى أهميةِ استخدامِ عصارة مرارة الأسماك في عمليات المراقبة الحيوية البيئية في المستقبل.


آليةُ إجراء البحث:

أُجري البحث على الساحل الباسكي، حيث اختيرت خمسةُ مواقعَ مختلفةٍ تم فيها التقاطُ أسماك البوري الرماديةِ سميكةِ الشفاه (Chelonlabrosus) وقياس تراكيز المركبات الكيميائية المذكورة في كلٍ من المياه وعصارة مرارة هذه الأسماك، وتحليلُ نتائج هذه القياسات باستخدام منهجٍ تحليليٍ جديدٍ يعتمد على حلمهةِ الأنزيمات لفصل تلك المركبات في عصارة المرارة عن بعضها، ومن ثم استخراج الجُزء الصُّلب وتطهيره، وتحليلُ العيناتِ المدروسةِ بوساطةِ الاستشراب الغازي مع مطيافيّة الكتلة والتي تعرف باسم (Gas Chromatography - Mass Spectrometry).

أكدت النتائج على أن المياه الحاوية على التراكيز الأعلى للمركبات الكيميائية المدروسة، وعلى المستويات الأعلى من التركيز الحيوي* bioconcentration، وعلى الأعداد الأكبر من الأسماك المخنّثة، تتواجدُ في المنطقة المجاورة لمصبِّ محطة معالجة مياه الصرف الصحي.

وبينت نتيجةُ التحاليل التي أُجريت على عصارة مرارة الأسماك احتواءها على تلك المركباتِ الكيميائيةِ وبتراكيزَ كبيرةٍ وعدمَ احتواءِ المياه عليها، مما يؤكد قدرة عصارة المرارة على تجميع هذه المركبات ومراكمتها في الأسماك، وهذا ما قد يجعلها أداةً هامةً للمراقبة الحيوية في المستقبل، كما تُظهِرُ التحاليل بأن قيم التراكيز الأعلى لتلك المركبات تتواجد في الأسماك الذكرية والمخنَّثة التي شكلت الأعداد الأكبر من الأسماك الملتقطة، مما يؤكدُ تأثيرَ تلك المركباتِ على القدرة التناسليّة لهذه الأسماك.

ويفسّر الفريق هذه النتائج بعدمِ جاهزيةِ محطات معالجة مياه الصرف الصحي لإزالةِ المركباتِ الكيميائيةِ الجديدةِ التي تظهر حديثاً في الأسواق، لذلك سيسبب تصريف المياهِ المعالجةِ في المحطة إلى الأنهارِ والبحارِ آثاراً خطيرةً على الأسماك بالرغم من التراكيز الضعيفة لتلك المركبات لأن التدفق متواصلٌ من جهة، ولقدرةِ الأسماكِ على مراكمةِ تلك المركبات فيها.

يؤكدُ الفريق أن ما توصل إليه حتى الآن لا يدعو للقلق بما أن أسماك البوري لا تؤكل عادةً في إقليم الباسك، ولو أن القضية عالمية ولا تخص الإقليم فحسب.

إلا أنه يحذرُ من إمكانية أن تؤثر المركبات المخلّة بعمل الغدد الصُّمِّ على البشر أيضاً، لذلك يدعو الفريقُ لإجراءِ المزيد من البحث حول هذه القضيةِ من الناحيتين البيئية والطبية لمعرفةِ التراكيزِ الضارةِ لهذه المركبات وإلى أي حدّ قد يصل تأثيرها على الإنسان.

حاشية:

(*) التركيزُ الحيوي Bioconcentration: يعبّر عن تراكمِ المادةِ الكيميائيةِ الموجودة في المياه ضمن الأحياء المائية نتيجةَ تعرُّض هذه الأحياء لها، وهو النِّسبة بين تركيز المادة الكيميائية ضمن الأحياء المائية، إلى تركيزها ضمن المياه.

المصادر:

Ros O., Izaguirre J. K., Olivares M., Bizarro C., Ortiz-Zarragoitia M., Cajaraville M. P., Etxebarria N., Prieto A. and Vallejo A. (2015). Determination of endocrine disrupting compounds and their metabolites in fish bile. Science of The Total Environment, 536: 261-267. هنا

هنا