علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

الكمالية بمفهومها السلبي

هناك أشخاصٌ يحبّون أن تكون أعمالُهم كاملةً لا خطأ فيها "أو كما سندعوهم بالكماليّين " سواءٌ في دراستهم، عملهم، نشاطاتهم أو أي شيءٍ يقومون به، وعادة ما يُصابون بالتوتر والإرهاق، والمشاكل الصحيّة كما أظهرت بعض الأبحاث.

وبالرّغم من الطّرح السّائد المناقض للفكرة بأنّ الكمال هو أفضل مستويات العمل؛ إلّا أنّ المفهوم الواسع لها لازال يحمل في طيّاته بعض الجوانب الإيجابيّة.

إنّ أحدَ صفات الكماليّة هي "السّعي للكمال" والتي تتضمّن معاييرًا شخصيّةً عاليةً، أي عدم القبول بجودةٍ عاديّةٍ لما ينتجونه، والعمل ضمن هذه المعايير بشكلٍ دائم. وقد تساعد هذه الشّروط من تحسين أداء الشّخص، وتؤخّر الآثار المُتعبة للعمل بشكلٍ كبير لِما يَجدْه من نتاجٍ مرضٍ لعمله، وما يجنيه من رضىً عن النّفس.

أما الجانب السوداويّ لها، فيدعى بـ " الانسياق الكماليّ" وتظهر بشكلٍ واضحٍ عند خوف الفرد من الوقوع في خطأٍ بسيط، وغالبًا ما يجلبون الإحباط للمحيطين بهم، وذلك لِبحثهم الدّائم عن النواقص في أيّ عمل، والمعايير الدّونيّة التي يقيّمون النّاس بها، وعدم ثقتهم بأيّ عمل لم ينجزوه بأيديهم.

وقد أظهرت أبحاثٌ سابقةٌ أنّ الانقياد وراء الكماليّة يولّد شعورًا من التّوتر الدّائم ضمن محيطهم بشكلٍ عام، إضافة لارتباطها بمشاكل نفسيّة خطيرةٍ، كإضطرابات القلق، الإكتئاب، الرّهاب، مشاكل في الشّهيّة، التّعب والإرهاق، وهي ما تزيد من الأعباء غير الضروريّة التي يحملونها على عاتقهم، فتزيد همومهم وتقربُ أجلَهُم.

كما يقعُ الكماليون في شركِ الخوف الّذي تفرضه عليهم عاداتهم، وأكثر ما يخافون منه تواجدِهم في أيّ مكان بمظهرٍ غير لائق، وتكون أقلّ الأشياء غير الملحوظةٍ أحيانًا مولّدةً للتوتّر فيجلبون سخريةً الآخرين، ويملُّ النّاس منهم في النّهاية مما يعذّبهم ويدخلهم في صراعٍ داخليّ.

بالإضافة إلى أنّ ذلك يقفُ عائقًا في وجه ارتباطهم ودخولهم في علاقاتٍ مع شريكٍ في حياتهم، لأنَّ أي خطأٍ بسيطٍ هو كارثةٌ بالنّسبة لهم.

وتظهرُ بعضُ الأبحاث الآثارَ المخرّبةَ للعمل عند وجود موظّفين ممن أسميناهم "السّاعون للكمال" مهما كانت طبيعة العمل وغالبًا ما يكون عائقًا كبيرًا أمام تطور العمل وتحقيق الأهداف الأساسيّة له. وبإمكاننا إرجاع تصرفاتهم الرّاغبة بالكمال إلى طبيعة الدّعم الذي يقدّمه المجتمع للناجحين أو المشهورين بسبب إنجازاتهم في مختلف مجالات الحياة.

وفي هذا السياق يقول رئيسُ الباحثين المسؤولين عن هذه الدّراسة في جامعة إنكلترا (الدكتور أندرو هيل): "يجب على الإنسان أن يتعلّم مواجهة أفكاره اللاعقلانية فيما يتعلّق بالنظرة الكماليّة لكلِّ شيء، وعليه أن يتعلّم وضع أهدافٍ منطقيّةٍ قابلةٍ للتحقيق وأن يتقبّل الفشل في بعض الأحيان، وأن يسامح نفسَه عليه أيضاً.".

ولتحسين نوعيّة العمل يعِرضُ رأيه قائلًا: " إنّ خلقَ جوٍّ من الإبداع بحيث يكافئُ الجهد والعمل الجاد، هو دافعٌ هامٌّ أيضًا للحصول على عملٍ متقن".

كما يقول دكتور (توماس كورين) مُحاضرٌ في جامعة باث، ومساعدٌ في هذا البحث: "في مفهومنا القديم؛ كنّا نأخذُ معنى الكماليّة على أنّه إنجازٌ أساسيٌّ للعمل، ودلالةٌ على الاهتمام الكبير اللامتناهي ولكنّنا مؤخرًا؛ وجدنا أنّ الكماليّة من العناصر المخرّبة للعمل. وكبديلٍ عنها، يجب أن نُحدّد قِيمًا أخرى كالاجتهاد والمرونة والمثابرة، للحدّ من آثاره السّلبية، وإلغائه كمقياسٍ للنجاح."

ومن هذا المنطلق الواسع لفهم مصطلح الكماليّة، ربما يكون لدينا جميعًا بعضَ الخصائص السّاعية للكمال، لكنّ المشكلةَ تتفاقمُ عندما نصبح من المتشبّثين بها كشرطٍ لكلِّ شيء.

المصادر:

هنا

هنا