العمارة والتشييد > التصميم العمراني وتخطيط المدن

كيف يمكن للتخطيط العمراني الحد من الجريمة والعنف - الجزء الرابع:

إلى أيِّ حد يمكن للمعماريِّ أن يسهم في تحقيق الشعور بالأمان لدى القاطنين في الأحياء التي يقوم بتخطيطها؟

تطرَّقنا في المقالات السابقة إلى الأثر المباشر للقرارات التصميمية التي يتخذها المهندسون على مدى الشعور بالأمان ضمن الأحياء السكنية، إضافةً إلى الإجراءات التفصيلية التي تسهم في زيادة الأمان ضمن التجمعات العمرانية. في هذا المقال سنتعرف إلى الإجراءات المرتبطة بالحماية من التهديدات الإرهابية. إذ يُعتَبَر موضوع الأمن من أكبر الهواجس التي باتت تسيطر على الفرد في العصر الحديث بعد ظهور مجموعةٍ من التهديدات الجديدة، وخاصةً فيما يتعلَّق بقضايا الإرهاب.

فالإرهاب أصبح جزءاً من الحياة المعاصرة، ويجب علينا التعايش معه، لذلك من الأفضل لنا أن نعرف كيف نفعل ذلك.

عوامل الأمان في المباني في ضوء التهديدات الإرهابية الجديدة:

إنَّ التهديدات الإرهابية المتزايدة التي تواجهها المباني الحكومية والتجارية جعلت من الضرورة بمكان وجود "مستشار أمني" خلال عملية البناء.

وهناك مجموعة من العوامل التي تسهم في تحقيق الحماية من التهديدات الإرهابية:

أولاً: العوامل المتعلقة بالموقع:

تؤثِّر مساحة الموقع على مسافات المواجهة التي تقاوم التفجيرات الكبيرة. إذ يجب أن تؤخذ المحاور البصرية إلى داخل الموقع بعين الاعتبار، لحمايته من الأسلحة الموجهة عن بعد مثل بنادق القنص (القنَّاصات) والقاذفات الصاروخية (أر بي جي). كما يجب أيضاً:

- الانتباه إلى ما يوجد تحت الموقع من أنابيب المجاري، وأقنية الصرف الصحي وغيرها من الأنابيب، وذلك لأسباب واضحةٍ تتمثل بمنع التسلل وزراعة العبوات المتفجرة وما إلى ذلك من الأمور.

- مراعاة أن يتضمن تصميم المبنى مدخلين (أحدهما للطوارئ).

- أخذ المحددات التخطيطية المتعلِّقة بالجدران ومساحات وقوف السيارات الآمنة وغيرها بالحسبان.

ثانياً: العوامل المتعلقة بالمحيط والتجمعات الخارجية:

- يجب أن تكون المداخل قابلة للاستخدام بسرعة.

- يجب أن يتمَّ توفير مواقف سيارات ومرافق غسيل آمنة.

- تزويد الأبواب والبوابات بأقفالٍ تعمل بالكهرباء يمكن تشغيلها فقط من مكتب التحكم الرئيسي للمبنى في حالات الطوارئ.

- يجب أن تحتوي جميع الجدران على خطوط رؤيةٍ واضحةٍ قدر الإمكان لتجنُّب وجود أماكن اختباء الدخلاء أو المفجرين.

- يمكن إضافة حواجز اسمنتية لتوفير المزيد من الحماية للمبنى.

ثالثاً: العوامل المتعلقة بالمبنى الرئيسي:

- يجب أن يكون هيكل المبنى نفسه مقسماً إلى مناطق. منطقة المكاتب هي الأكثر أمناً، بحيث تكون معزولة قدر الإمكان عن المناطق الأخرى (الاستقبال، غرفة الخدمات، والمخازن)، ولا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق حواجز الاستقبال.

- يجب أن توضع عناصر الإنارة الأمنية على مسافة من المبنى بشكل تكون فيه متجهة نحو الخارج، مما يسمح لعناصر الأمن بالتجول ضمن المنطقة الآمنة المظلمة.

- يجب أن تزوَّد منطقة الاستقبال بمكان آمن لهروب الموظفين باتجاه المكاتب (والأمثل في هذه الحالة أن يكون ذلك عن باب غير قابلٍ للرؤية من منطقة الوصول إلى الاستقبال).

- ولاحتواء الأضرار الناتجة عن أي حوادث داخلية يجب أن تكون القشرة الداخلية للجدران الخارجية والأرضيات وكذلك الجدران الداخلية مصنوعةً من الخَرسانة المسلحة.

- يمكن زيادة المقاومة ضد التفجيرات من خلال وسيلةٍ بسيطةٍ تتمثل في وضع تسليحٍ إضافيٍ في أعلى البلاطات الخَرسانيَّة المسلحة لتصبح قادرةً على مقاومة إجهاد الشدِّ الناتج عن انفجار قنابل في الأسفل (البلاطات البسيطة مسلحة فقط من الأسفل لمقاومة إجهاد الشد الناتج عن الحمولات الشاقولية من الأعلى).

- يجب أن تقوى الروابط بين الأعمدة والجسور أيضاً.

- الوصول إلى غرفة الخدمات (الغرفة الميكانيكية) يجب أن يتم عبر درج خارجي وليس عبر المكاتب.

- لابدَّ أن يحتوي فراغ المكاتب على غرفة حوادث قريبة من الاستقبال، قادرة على التحكم بأجهزة الإنذار، إغلاق مآخذ الهواء، وإقفال الأبواب الخارجية.

- يجب أن تزوَّد المكاتب بأبوابٍ قويَّةٍ، ومثبتةٍ بطرقٍ آمنةٍ وسهلةٍ وسريعةٍ، وتُزوَّد المكاتب بجهاز إنذارٍ للحوادث بحيث يستطيع طاقم العمل حبس أنفسهم في الداخل، أو الانسحاب إلى الغرفة المركزية القوية.

- يُفَضَّلُ اختيار موقع النوافذ على الواجهة الخارجية بحيث يستطيعُ الموظَّفون تحريك مكاتبهم بعيداً عن خطوط الرؤية (النوافذ الشاقولية الضيقة تفي بالغرض).

- لا ينبغي أن يكون مكتب المدير التنفيذي في أعلى نقطة من المبنى ويتمتع بأفضل إطلالة لأنَّ ذلك يجعل منه هدفاً واضحاً جداً.

على الرغم من أنَّنا نواجه الوحشية الإجرامية دائماً، إلّا أنَّ الإرهاب هو مشكلةٌ "جديدةٌ" إلى حدٍّ ما، ولم يتم بعد إدراكها على نحو واسع من قبل مزاولي مهنة العمارة. هناك الكثير من التحديات التصميمية التي ينبغي التغلب عليها، والكثير من المساهمات التي ينبغي القيام بها من قبل المعماريين، للمساهمة في التعامل مع هذه المشاكل.

وفي جميع الأحوال لازال هناك العديد من القضايا التي ينبغي للمعماري التعامل معها:

- كيف يمكن لعناصر ومناهج التصميم العمراني أن تساهم في تعزيز الأمن دون التطفل الكريه على الميزات الأخرى للمبنى؟

- كيف يمكن دمج أنظمة الأمان الالكترونية والآلية بأنظمة الإدارة والمراقبة شديدة التعقيد المتعلقة بالحماية من الحرائق، والتحكم بالبيئة الداخلية للمبنى، والنقل والاتصالات؟

- من سيكون المسؤول عن تشغيل هذه الأنظمة وتقييم أدائها؟

تبقى التحديات التي تواجه المعماري كبيرةً دوماً، وكلَّما استطاعت العمارة التغلب على مشكلةٍ ما، ظهرت مشكلةٌ أخرى لا بدَّ من مواجهتها.


المصدر:

Carmona، M.، Heath، T.، Oc، T. and Tiesdell، S. (2003)، Public Places -Urban Spaces - The Dimensions of Urban Design، Architecture Press، Oxford/ United Kingdom.