التاريخ وعلم الآثار > التاريخ

رسومات ونقوش حائل في المملكة العربية السعودية ... إرث ثقافي كشف تاريخ عميق يعود لما قبل الجاهلية

لطالما استخدم الإنسان الفن ليعكس فيه جوانب حياته، وهذه الظاهرة ليست حديثة، وإنما قدمها قدم الحضارة نفسها، وفي رسومات حائل في المملكة العربية السعودية دليل واضح عليها! يرى العديد من الأشخاص أن شبه الجزيرة العربية عبارة عن خلاء، فلا تحمل أي جغرافيا غير الرمال، ولا تحمل تاريخاً أبعد من الجاهلية. ولكن الأبحاث الأخيرة وجدت عكس ذلك تماماً، فالأرض مليئة بالمعالم التي تكشف تاريخاً عميقاً وإرثاً ثقافياً غنياً. ومع تعمق الأبحاث، بدأت المملكة العربية السعودية تظهر كأحد أهم بلدان العالم في مجال فن الصخر. فقد تم الكشف عن مئات الأماكن التي تحوي شواهد على ذلك الفن مما بدأ يلفت نظر الباحثين والعلماء من شتى البلدان. ومع أن الوصول لمواقع النحت تلك كان صعباً لعزلتها عن المحيط الحضري الحالي وصعوبة الوصول إليها إلا أن العديد من المنقبين اليوم بدأووا يبدون اهتماماً خاصاً بها خاصة وأن السعودية تبدو معقلاً لإرث غني يعبر عن ما كان في المنطقة كلها ربما. فهناك عدة مواقع في المملكة العربية السعودية حصل فيها التنقيب، حيث عُثِرَ على أدوات ونقوش حجرية في شمالي المملكة العربية السعودية كموقع الجبة وفي جنوبها كبئر حما وفي غربها كمدائن صالح.

وفي مقالنا هذا سيتم التركيز على النقوش المكتشفة في شمالي المملكة وبالتحديد في منطقة حائل فهذه المنطقة غنية بشكل لا يصدق بالفن الصخري، فهناك العديد من المواقع الرئيسية والثانوية الموجودة في جزء كبير من أراضي حائل، فحول المدينة الحديثة لحائل هناك عدد لا يحصى من الرسومات الصخرية الفردية التي تحتوي على واحد أو اثنين من اللوحات والتي من الممكن أن تعتبر فن، وإن الموضوعات السائدة في هذه اللوحات هي الخيول والجمال. ففي منطقة الشملي التي تبعد 170 كيلومتراً جنوب مدينة حائل ومنطقة ياطب التي تبعد حوالي 35 كيلو متراً شرق المدينة، كُشفت بعض الأمثلة الرائعة لخيول متقنة الأداء والتي تبدو وكأنها من سلالة عربية.

الشكل (1): نقش يمثل حصان في منطقة الدابية القريبة من منطقة الشملي في حائل .

وهناك أيضاً منطقتان مشهورتان تتبعان لمنطقة حائل وكانتا السبب بإدراج حائل ضمن لائحة التراث العالمي فهما تعدان أفضل وأقدم أمثلة على الفن الصخري في العصر الحجري الحديث؛ أولهما مدينة الجبة التي تقع شمال غرب مدينة حائل، وهي بقايا بحيرة قديمة كانت مليئة في الحقبة الهولسينية الرطبة بالناس والنباتات والحيوانات البرية. وإلى الغرب منها يوجد جبل أم سنمان، ومن هذا الارتفاع من الحجر الرملي يمكن العثور على بعض أفضل الفنون الصخرية في شبه الجزيرة العربية.

الشكل (2): نقش يمثل حيوانات في جبل أم سنمان في الجبة .

أما المنطقة الثانية فهي منطقة شويمس، وتقع جنوب غربي مدينة حائل. تختلف هذه المنطقة بشكل كبير عن منطقة الجبة في كونها محاطة بتدفقات حمم بركانية، والتي كانت السبب في تعرقل المرور بالمنطقة ولا سيما من جانب الجمال والخيول. لذلك كانت الأودية ومازالت هي السبل الأفضل للعبور، وفي هذه الأودية تحديداً وجدت نقوش واضحة تعود إلى العصر الحجري الحديث. ويحتوي الجانب الشرقي لأحد هذه الأودية على لوحة ضخمة من الإبل يرجع تاريخها إلى فترة لاحقة من العصر الحجري الحديث.

الشكل (3): نقش يمثل مجموعة من الإبل في منطقة شويمس .

بدأ العمل على مشروع إرث الفن الحجري العربي في عام 2010، وذلك بدخول فريق عمل متخصص في هذا المجال للسعودية وعمله على العديد من المواقع بهدف صنع سجل دقيق للنقوشات، وتأويلها باستخدام تقنيات تصوير حديثة. كما يهدف المشروع لإيجاد سلسلة تاريخية للمنطقة لخلق سياق تاريخي ثقافي لها. كما يراد من العمل التعرف على أنواع الحيوانات التي كانت موجودة خلال الحقبة الهولسينية الرطبة حين كان معظم شبه الجزيرة مغطىً بالسافانا. فمن المهم توثيق مجريات حياة قاطني تلك الأماكن وحيواناتها وكيف كان للمنطقة بحد ذاتها تأثير عليهم وكيف تكيفوا هم أنفسم معها وكيف دفعتهم للهجرة أو تشتت شملهم مع تغير المناخ وشح المياه لاحقاً. ومن المهم أيضاً معرفة وقت دخول الحيوانات الداجنة كالكلاب والخراف والمعز والأبقار والأحصنة والجمال لشبه الجزيرة، وكيف كان للخيل والجمال بشكل خاص دور هام في حياة الناس آنذاك واستخدامها في التنقل ونقل البضائع وفي الحرب أيضاً.

ومن حسن الحظ، فإن كل ذلك موجود في تلك النقوشات، ولكن علينا معرفة أن هذه النقوشات لا تعكس كامل حياة هؤلاء بكل أنشطتها ولا تصور كل أنواع الحيوانات والنباتات التي كانت عندهم. فبعض المواضيع كانت أقل أهمية من أن يتم نقلها، فيما كان بعضها الآخر يعتبر من المحظورات. وقد كانت هذه الرسومات ترسم من قبل فنانين ذوي جلدٍ وصبرٍ، ثم يتم تقييم رسوماتهم من قبل أقرانهم وضمن معايير متفق عليها، لذا كان اختيار المواضيع التي ترسم فيها أمراً غايةً في الأهمية، وهو أمر مثير للاهتمام لدى منقبي اليوم.

تكمن أهمية هذه الرسومات في كونها محفوظة جيداً في بيئة جعلت الأدلة الأحفورية الأخرى –كالعظام- نادرة الوجود، وذلك نتيجةً للعوامل التي تجعلها رفاةً غير ذات قيمة. كما أن هذه الرسومات تعطي دلالات على صفات كالآذان المنتصبة والشعر الجعدي لكلاب الصيد، والدهون في ذيول الخراف، والأشكال والألوان المختلفة لقرون بعض الحيوانات الأخرى. كما أن سلوك البشر والحيوانات يظهر بوضوح في تلك الرسومات، بالإضافة لأشكال المساكن التي قطنوها، ولملابسهم وتسريحات شعرهم التي اتبعوها، وبيانات أخرى لا يمكن الحصول عليها من عوالم كانت قبل آلاف السنين إلا عبر طرائق كهذه.

وهنا ينتهي حديثنا عن هذه الرسومات والنقوش المميزة وسنترككم مع بعض الصور:

الشكل (4): نقش يمثل ماعز بري في منطقة شويمس .

الشكل (5): نقش يمثل ملك في منطقة الجبة .

الشكل (6): نقش يمثل مشهد صيد حيواني في منطقة تيماء .

الشكل (7): نقش يمثل مشهد رقص، حيث يظهر فيه عدة أشخاص بمسافة قريبة من بعضهم البعض وتبدو سواعدهم محنية عند الأكواع وأياديهم مرتفعة.

وكما ذكرنا سابقاً، ففي منطقة بئر حما يمكننا أن نجد العديد من الرسومات والنقوش المميزة ومنها:

الشكل (8): نقش يمثل معركة، حيث يظهر أشخاص يمتطون حيوانات ويحملون بأياديهم سلاحاً .

الشكل (9): نقش يمثل أشخاص وتبدو فيها تسريحات لشعرهم، بالإضافة لبعض الحيوانات .

وبزيارة الموقع الإلكتروني لعمل البعثة تستطيع عزيزي القارئ التعرف على الرسومات المختلفة وشروحات عنها وعن دلالاتها كما يمكنك التعرف على فريق العمل وعلى التقنيات التي استخدمت في التنقيب والتصوير للحصول على أفضل النتائج.

المصادر:

هنا

هنا

هنا