البيولوجيا والتطوّر > الأحياء الدقيقة

دراسة جديدة تؤكد أن الفيروسات "حيَّة" وتكشف عن أصل الفيروسات ومكانها في الشجرة التطورية

تؤيد هذه الدراسة المفصّلة الرأي القائل بأن الفيروسات خلايا حية وتمنحنا دليلاً لتتبع مسارها التطوري...

تتواجد الفيروسات في كل مكان؛ داخل أجسامنا ومن حولنا، وفي أعماق المحيطات على امتداد الفتحات الحرمائية الساخنة، وتحت الطبقات المتجمدة من سطح الأرض، بشكلٍ مماثل لوفرة وشيوع البكتريا في كل مكان. وهي كما البكتريا؛ بعضها غير مؤذٍ، وبعضها يسبب أمراضاً للكائنات الأخرى أو حتى تؤدي إلى قتلها.

قد يختلط الأمر على غير المختصين ليظنّوا أن الفيروسات والجراثيم متشابهة، لكن حقيقةً يوجد اختلافٌ جوهريٌ بينهما، حيث يجمع الكثير من العلماء البيولوجيين على وصف البكتريا بأنها "حية" بينما لا توصف الفيروسات بذلك. ولكن لا يزال الجدل مستمراً حول ماهيّة الفيروسات.

نشأت الحجة الرئيسية التي تقف ضد الفكرة القائلة بأنَّ الفيروسات كائنات حية من حقيقة أنَّ الفيروسات تعتمد في استنساخ نفسها على المضيف الحي الذي تتطفل إجبارياً عليه بشكلٍ تام؛ أي أنّها لا تسطيع التكاثر بدون كائن حيّ مضيف آخر. ويُذكر أن الفيروسات يمكن أن تبقى حية خارج الخلايا، ولكنها غير قادرة على إنتاج نسل أو التكاثر، كونها لا تمتلك آلية تُمكِّنها من ذلك، إذ لا تسطتيع إنتاج البروتينات من مادتها الوراثية، لذلك فهي تستغل خلايا المضيف لإنتاج فيروسات جديدة. إلّا أن هذه الحجة لا تحسم النزاع حول ماهيّة الفيروسات، لأنها ليست الوحيدة التي تعتمد على كائنات أخرى من أجل البقاء، فهنالك بعض البكتريا والفطريات التي تشاركها هذه الميزة. ولكن هنالك جنس من الفيروسات اكتشف مؤخراً، هو الفيروسات المُحاكية (mimiviruses) الذي فاجأ علماءَ الفيروسات، إذ يكون الفيروس عادةً عبارة عن جسم بسيط وضئيل الحجم وغير مرئي بواسطة المجهر الضوئي مع بضعة جينات، ولكن هذه الفيروسات كبيرة الحجم نسبياً إلى درجة الاشتباه بينها وبين البكتريا، تمتلك هذه الفيروسات جينوماً أكبر مما في بعض أنواع البكتريا، بالإضافة لامتلاكها آليةً لتصنيع البروتين.

للأسف لم يتفق العلماء على نتيجة معينة، ولكنهم يأملون في الحصول على معلومات أكثر من خلال تتبع أصل الفيروسات، إلا أن ذلك ليس بالشيء السهل، لعدم وجود مستحاثات فيروسية، ولأن الباحثين لم يشخّصوا سوى بضعة آلاف من ملايين أنواع الفيروسات المتوقع وجودها. ولكن حيثما تكون هنالك إرادة فهنالك طريق؛ فقد قرر باحثون من جامعة إلينوي في الولايات المتحدة تتبع مسار الفيروسات التطوري من خلال دراسة الشكل الثلاثي الأبعاد للبروتينات وتركيبها وطيّاتها من خلال الرموز المكتوبة في جينومها (مجموع جيناتها)، وذلك لأن الفيروسات تحدث فيها طفرات باستمرار، ولكن تلك التغييرات ليس بالضرورة أن تؤثر على طيّات البروتين التي تؤثر بدورها على وظيفة معينة للبروتين.

وقد استخدم الباحثون الكومبيوترات لغرض فحص طيات البروتين لأكثر من 5000 كائن حي، منها حوالي 3500 فيروس، ويغطي هذا العدد كل تفرعات شجرة التطور تقريباً، وهذا ما أدى إلى اكتشاف 442 طيّة بروتينية مشتركة بين الخلايا والفيروسات، و66 طيّة موجودة فقط في الفيروسات.

ويقول غوستافو كايتانو-أنوليس Gustavo Caetano-Anollés، وهو قائد الفريق البحثي: "يمكننا الآن بناء شجرة الحياة، لأننا وجدنا عدة ميزات في الفيروسات تُشابه تلك التي تمتلكها الخلايا الحية، وتمتلك الفيروسات مكونات فريدة بالإضافة إلى المكونات التي تشترك فيها مع الخلايا الحية". فيما يخص إمتلاك الفيروسات لمكونات فريدة وخاصة بها، فهي نقطة مثيرة للاهتمام، لأنها تنفي الفكرة القائلة بأن الفيروسات هي مجرد مادة وراثية لفظتها الخلايا الحية خارجاً، أو أنها "اختلست" جيناتها من الخلايا.

وقد قام الباحثون، بعدئذٍ، ببناء شجرة الحياة التي تضُم الفيروسات، وتكشُف هذه الشجرة عن أن الفيروسات قد نشأت من عدة خلايا قديمة بدلاً من الخلايا الحديثة، وحتى أنها تعايشت مع أسلاف خلايا اليوم.

المصدر: هنا