ملوك من الشرق الأدنى القديم ... مسلة شهيرة تُخلد انتصارات عظيمة لملك الأرباع الأربعة للكون "نارام سين"

إذا حالفك الحظ يوماً ما وزرت متحف اللوفر ستقف بكل تأكيد أمام مسلة نارام سين الملك الأكادي العظيم، الذي بلغت الامبرطورية الأكادية ذروتها في عهده. إنّ هذه المسلة التي يزيد عمرها عن 4000 آلاف عام ستخبرك عن عظمة هذا الملك وعظمة امبراطوريته التي أقامها في بلاد ما بين النهرين.

لنتعرف على نارام سين و الحضارة الأكادية أكثر في المقال التالي...

الشكل (1): الملك الأكادي نارام سين

هو آخر الملوك العظماء للمملكة الأكادية و قد حكم من عام (2261 إلى عام 2224 قبل الميلاد)، وهو حفيد سرجون العظيم (2334 إلى عام 2279 قبل الميلاد) مؤسس الإمبراطورية ويعتبر الثاني في الأهمية بعد سرجون (والبعض يعتبره أهم من سرجون نفسه)، وقد أصبح مع جده أقرب إلى الشخصية الأسطورية في روايات وقصص بلاد ما بين النهرين، فقد استمرت القصص عن مآثر نارام سين وجده سرجون لآلاف السنين بعد وفاتهم في بلاد ما بين النهرين.

إن الروايات و الأساطير جميعها تصور نارام سين على أنه الحاكم الأعلى، الواثق والفخور بنفسه، إلى درجة الغطرسة، وهو الحاكم الأول لبلاد ما بين النهرين الذي يؤله نفسه في أثناء فترة حكمه و يوقع على الوثائق الرسمية بختم الرب نفسه (رب أكاد) وقد بلغت سلالة سرجون أوجها في عهده وبعد وفاته بدأت تسقط الامبراطورية.

أعلن نارام سين نفسه "ملك الأرباع الأربعة للكون" و بدأ يكتب اسمه مع الإشارة التي تسميه إلهاً و تضعه على قدم المساواة مع أي آلهة أخرى من الآلهة في بلاد ما بين النهرين.

حكمه و حملاته العسكرية:

الشكل (2): حدود الإمبراطورية الأكادية

بعد وفاة سرجون جلس ابنه ريموش على العرش، وحكم ما بين عامي (2279 حتى عام 2271 قبل الميلاد)، حيث ثارت مدن الامبراطورية بعد موت سرجون وقضى ريموش السنوات الأولى من حكمه في إعادة النظام.

فقد شن حملات عسكرية ضد العيلاميين وهزمهم، واستحق التقدير لإعادته ثروة كبيرة إلى أكاد. لقد حكم ريموش لمدة تسع سنوات فقط ليموت بعدها ويخلفه أخوه مانيشتوسو الذي حكم ما بين عامي (2271 حتى عام 2261 قبل الميلاد)، الذي قمع الثوار أيضاً خلال خلافته، وقد توفي بعد فترة حكم دامت قرابة 10 سنوات ليخلفه ابنه نارام سين، وكما فعل والده وعمه من قبله فقد وجب على نارام سين أن يكبح جماح الثوار عبر الامبراطورية قبل أن يبدأ حكمه (من المحتمل أن يكون هذا هو مصدر الإلهام لملحمة الثورة الكبرى) ولكن ما أن بدأ الحكم حتى ازدهرت الإمبراطورية في عهده.

خلال سنوات حكمه الست والثلاثين، وسع نارام سين حدود الإمبراطورية، وحافظ على النظام بالإضافة إلى ارتفاع المبادلات التجارية، وقاد بنفسه الحملات العسكرية إلى ما وراء الخليج الفارسي ومن المحتمل أنه وصل حتى مصر، ويصف الباحث في تاريخ السومريون "نوح كرامر" نارام سين بقوله:

لقد أوصل نارام سين المملكة الأكادية إلى أوجها في القوة و السلطة، ونجاحه العسكري كان كبيراً و استثنائياً حيث هزم تحالفاً قوياً من الملوك الثائرين من بلاد سومر والأراضي المحيطة بها، وغزا المنطقة إلى الغرب حتى حدود البحر المتوسط وسلسلة جبال طوروس وأمانوس، ووسع سيطرته إلى أرمينيا حيث أقيم تمثال يجسد نصره الشهير قرب مدينة ديار بكر حالياً، و قد حول العيلاميين إلى دولة تابعة له جزئياً، وبنى عدداً كبيراً من الأبنية في سوسا(ايران حالياً) ، وجلب الغنائم من مكان بعد هزيمة ملكهم مانيوم الذي يطابقه بعض العلماء مع فرعون مصر الشهير مينا، وقد حارب اللولوبيين (وهم قبائل من جبال زاغروس ) وهزم ملكهم ساتوني على حدود جبال زاغروس واحتفل بنصره بمسلته الرائعة، وهي عمل نحت نافر بارتفاع مترين موجودة في متحف اللوفر، تصور نارام سين برداء قصير وصدر عاري ، معتمراً تاج الألوهية ذو القرنين ، يهاجم مجموعات اللولوبيين ويحمل قوساً وعصا، ويحمل بيمينه سهم، ومن الصعب الجزم إذا كان العدو المصروع أمامه قد أقدم على نحر نفسه أو أنه قد أصيب برمح من نارام سين، لقد كانت هذه المسلة منصوبة أساساً في سيبار كما يبين النص عليها، إلا أنه تم العثور عليها في إحدى حملات التنقيب عام 1889 م في "سوسة" و يرد في النص المعزو للملك العيلامي " شوتروك- ناهونته" الثاني (1185 إلى عام 1155 قبل الميلاد)، الذي يصف فيه حملته على البابليين عام (1158 قبل الميلاد) ويصف تدميره لسيبار ونقله مسلة نارام سين ليقدمها للإله " ينشوشيناك " كما أن النص الأصلي الأكادي مشوه ومتضرر، أغلب الظن من قبل العيلاميين. المسلة محفوظة الآن في متحف اللوفر في باريس و عمرها أكثر من (4250 سنة)، لا عجب إذاً أن يشعر نارام سين بأنه قوي كفاية ليضيف اللقب ملك الأرباع الأربعة إلى اسمه و متغطرساً إلى حد أن يؤله نفسه كإله أكاد.

الشكل (3): مسلة نارام سين

المصادر:

1- هنا

2- هنا